قمة العلا ... ما خفى كان أعظم

بقلم: سنية الحسيني

سنية الحسيني
  •  د. سنية الحسيني

 في ظل استمرار التهديد الإسرائيلي الأمريكي لإيران وتوعدها بشن هجوم ساحق يدمر ما تبقى من بنيتها النووية، يطل علينا جيرالد كوشنير، عراب إتفاقيات التطبيع الإسرائيلي مع الدول العربية ومستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بإنجاز جديد يتعلق بترميم الصدع في البيت الخليجي، وإعادة قطر إليه، خلال الأيام القليلة المتبقية في عهد إدارة ترامب. ورغم أن الولايات المتحدة دعمت موقف المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة المعادي لقطر قبل أكثر من ثلاث سنوات، فاتهم ترامب قطر صراحة بدعم الإرهاب ولم يعارض مقاطعة شقيقاتها لها، تغير موقف إدارته في العام الأخير وباتت تضغط بقوة باتجاه المصالحة بين تلك الدول.
وعلى ما يبدو أن هدف الولايات المتحدة بتحقيق المصالحة بين دول الخليج لا ينفصل عن هدفها بإنجاز اتفاقيات التطبيع، والتي تأتي جميعها لتحقيق هدف مشترك، فجاءت في الاتجاهين متزامنة. وتشهد الرحلات المكوكية الأخيرة لكوشنير وفريقه على مدى اهتمام إدارة ترامب بإنجاز تلك المصالحة، قبل مغادرتها السلطة. وعلى ما يبدو أن الأمر يتعلق برغبة إدارة ترامب، الحليفة الأشد حميمية لإسرائيل، بترتيب معادلات الصراع في المنطقة قبل مغادرتها وتولي الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن مقاليد السلطة. اعتبرت إدارة ترامب صراحة أن الوحدة بين دول الخليج تشكل ضرورة في سبيل مواجهة التهديد الإيراني، معتبرة أن النزاع بين تلك الدول أعاق تحقيق الأهداف ومصالح الأمريكية في المنطقة والمتمثلة بعزل إيران.
 رغم عدم تلبية قطر للشروط الثلاثة عشر التي فرضتها كل من المملكة السعودية وحلفائها لرفع الحظرعنها، جاء إعلان وزير خارجية الكويت، الدولة التي طالما تدخلت لتحقيق المصالحة بين البلدين، مطلع الأسبوع الجاري عن فتح الحدود البرية والبحرية والجوية بين المملكة السعودية وقطر اعتباراً من مساء يوم الإثنين الماضي، أي قبل يوم واحد من موعد انعقاد قمة مجلس دول التعاون الخليجي السنوية الحادية والأربعين. وقد تقرر أن تكون تلك القمة المناسبة التي يعلن خلالها عن تلك المصالحة، بعد أن جرى تأخيرها لأيام، والتي عقدت يوم الثلاثاء الماضي في المملكة العربية السعودية وتحديداً في مدينة العلا.
وحرصت دول التعاون الخليجي على انعقاد قمتها السنوية بشكل دوري، حتى في ظل الخلافات بين دولها. وتأسس مجلس التعاون الخليجي في عام ١٩٨١ باعتباره اتحادًا سياسيًا واقتصاديًا لست دول خليجية هي السعودية ودولة الامارات العربية والبحرين والكويت وعمان وقطر، باستثناء العراق واليمن. وجاءت فكرة تأسيسه في منتصف السبيعينات من القرن الماضي، بدعوة من الشيخ جابر الأحمد عندما كان ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء في الكويت. وتبلورت الفكرة بشكل عملي بعد الثورة الإيرانية والحرب العراقية-الإيرانية، خلال اجتماع في السعودية في أواخر عام ١٩٨٠. وتجتمع الدول الست كل عام لمناقشة سبل التعاون الاقتصادي والأمني والثقافي والاجتماعي وقضايا إقليمية أخرى، وتكون رئاسة المجلس بالتناوب سنوياً.ولدى المجلس ذراعاً عسكرياً يشكل قوة ردع لدولة، يقع مقره في المملكة العربية السعودية.
 وتمتلك دول مجلس التعاون الخليجي ما يقرب من نصف احتياطيات النفط والغاز في العالم، مما يجعله تحالفاً له وزنه الاقتصادى على الساحة العالمية.وقد يكون إصرار الولايات المتحدة الإعلان عن هذه المصالحة في اطار قمة مجلس التعاون، في ظل مشاركة كوشنير، تذكيراً بأسباب نشأته، والتي جاءت قبل خمسة عقود لتعكس نفس الهدف الذي تسعى اليوم الولايات المتحدة وإسرائيل لتحقيقه من خلال هذه المصالحة. ولم يخل اجتماع القمة من التذكير بذلك، حيث وصف الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي أنشطة إيران في المنطقة بأنها مزعزعة للاستقرار فيها، واعتبر أن الوحدة بين دول الاتحاد ضرورة لمراجعة التحديات الممثلة في البرنامج النووي لايران وبرنامج صواريخها البالستية وما اعتبره كذلك مشاريعها التخريبية المدمرة في المنطقة. وفي رد إيران على تلك التصريحات، اعتبر جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني بأن إيران ليست عدواً لدول المنطقة.
في شهر حزيران من عام ٢٠١٧، تزعمت المملكة السعودية تحالفاً لفرض حصار ضد قطر، ضم كل من الإمارات ومصر والبحرين. وكانت السعودية وحليفاتها قد اتهمت قطر بدعم الإرهاب ونشر الفوضى في المنطقة، منتقدة بشكل صريح علاقاتها مع إيران. ورغم عدم ثبوت تلك التهم، الا أن تسليط قطر الضوء على حرب السعودية في اليمن، من خلال تغطية قناة الجزيرة، القناة القطرية الواسعة الانتشار ذات التأثير الكبير في العالم العربي، قد تكون من أهم الأسباب وراء تلك المقاطعة.إن ذلك يفسر السبب وراء اشتراط اغلاق قناة الجزيرة في مقدمة الشروط الثلاثة عشر التي وضعتها السعودية وحلفاؤها للموافقة على رفع الحظر عن قطر. بدأت الخلافات بين قطر من جهة وكل من السعودية والامارات ومصر والبحرين من جهة أخرى مع قيام الثورات العربية عام ٢٠١١. في حين دعمت قطر تلك الثورات وأيدت عموماً جماعة الإخوان المسلمين، اعتبرتها المملكة السعودية وحلفاؤها مهدداً لاستقرار أنظمة الحكم فيها، وصنفت جماعة الاخوان كمنظمة إرهابية، معتبرة موقف قطر من جماعة الاخوان وعلاقاتها مع تركيا إيران، يشكل تهديداً أمينًا لدول المنطقة.
تطورت علاقات قطر مع تركيا وإيران بعد قطع المملكة السعودية وحلفائها العلاقات معها، فبادر البلدان لمساعدتها كي تواجه حصارهم لها. وأرسلت تركيا قواتها إلى قطر، وباتت مصدرها الرئيس من المنتجات التي حجبت عنها. وأعادت قطر العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع إيران، وتشاركت معها في حقل غاز بحري ضخم.وكان من بين الشروط السعودية على قطر لفك الحصار عنها، والتي لم ينفذ منها شرط واحد، قطع العلاقات العسكرية مع تركيا وإغلاق قاعدتها العسكرية، وقطع العلاقات مع حركة الإخوان المسلمين، وتقليص الروابط مع إيران. بعد أن وافقت قطر فقط على إسقاط الدعاوى القضائية ضد المملكة السعودية ودولة الامارات والبحرين، جاءت قمة العلا بمشاركة أمير قطر تميم بن الحمد بن ثاني. كان الأمير تميم قد أرسل عنه مبعوثاً في العامين الماضيين، عندما عقدت القمتين السابقتين في المملكة السعودية بينما شارك بنفسه في القمة في العام الأول للخلاف عندما عقدت في الكويت. في المقابل تقرر رفع الحصار بأبعاده الثلاث البري والجوي والبحري عن قطر والتزام الطرفين بوقف الحملات الإعلامية العدائية المتبادلة. ومن المتوقع أن يلحق ذلك الاتفاق بشكل مبدئي الضرر بإيران ماليًا، حيث فرضت إيران على قطر ما يقرب من ١٠٠ مليون دولار سنويًا لاستخدام مجالها الجوي خلال سنوات الحظر.
وتعلق السعودية آمالاً على إدارة ترامب في أيامها الأخيرة، فيما يخص مطالبتها بتصنيف الحوثيين في اليمن كتنظيم إرهابي، في ظل عدم قدرتها على حسم معركتها معهم، الأمر الذي قد يفسر تجاوبها مع المطالب الأمريكية في اللحظات الأخير من عمر الإدارة فيما يتعلق بالتصالح مع قطر. وتعتقد المملكة العربية السعودية أن إعادة علاقاتها مع قطر يساعدها على ترتيب أوراقها في المنطقة قبل استلام الإدارة الديمقراطية الجديدة لزمام السلطة في الولايات المتحدة، والتي تركز على سجلها الخاص بانتهاكات حقوق الانسان وحربها المستمرة في اليمن. ومن المتوقع أن تدعم تلك التطورات الجديدة مكانة السعودية في تقديم نفسها بصفتها قائدة لجبهة خليجية موحدة ضد إيران، وشريكة لإدارة بايدن.
وتفضل الولايات المتحدة منطقياً التعامل مع دول الخليج بشكل جماعي موحد حيث تستضيف قطر أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، تضم حوالي عشرة آلاف جندي أمريكي، وتستضيف البحرين الاسطول الخامس للبحرية الامريكية، كما وتستضيف السعودية والامارات قوات أمريكية فوق أراضيها.
 من غير المتوقع أن تمثل هذه المصالحة نهاية الصراع بين بلدان دول الخليج، خصوصاً في ظل العلاقات السلبية بين قادتها، وبقاء الخلاف بينهم حول جماعة الاخوان والعلاقات مع إيران وتركيا. وتحمل قطر علاقات مزدوجة من غير المتوقع أن تبدلها، لأنها تعطيها مكانة خاصة بين دول المنطقة، فتمتلك علاقات إيجابية مع إيران من جهة، وتقيم علاقات مع إسرائيل من جهة أخرى، وتعادي إسرائيل إعلامياً من خلال قناة الجزيرة من ناحية، وتتعاون معها في تحمل الأعباء الاقتصادية لقطاع غزة من جهة أخرى.الا أن هذه المصالحة قد تجعل قطر أكثر قرباً من محور المملكة السعودية وإسرائيل، وتبعدها أكثر عن إيران، وتجعلها أكثر صمتاً أمام أي انتهاك متوقع بحقها.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت