- بقلم: بدر أبو نجم
أشار الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في العام 2019 في مسحٍ استهدف القوى العاملة، أشار إلى أن خريجو الصحافة والإعلام في الجامعات والكليات والمعاهد الفلسطينية يحتلوا المرتبة الأولى من حيث معدلات البطالة، وذلك لما آلت إليه نتائج الأعداد الضخمة من الخريجين في هذا القسم، وضخهم في سوق العمل الذي يعاني أصلاً من شحٍ في الفرص الوظيفية في شتى المجالات.
أظهرت المؤشرات أيضاً في العام ذاته أن نسبة البطالة في صفوف الطلبة الذين يحملون شهادات تخصص الصحافة والإعلام بلغت نحو 49.6%.
مع هذه النسبة الكبيرة من أعداد الخريجين، ووقوفهم في الصف الأول من حيث ترتيبهم الأعلى لعدم وجود أيِ فرصِ عملٍ في السوق الفلسطيني، إلَا أن هناك بعض المؤسسات الإعلامية كانت تستوعب ولو العدد القليل بالنسبة للكم الهائل من الخريجين حتى قبل العام 2020، وهو عام الجائحة التي ما زال العالم يخوض فيها معركة التخلص من فيروس كورونا الذي أدى إلى وفاة الملايين من البشر، وحطم الكثير من الأنظمة الاقتصادية, وكبّد دول العالم الخسائر المالية الفادحة.
على أية حال فإن المعضلة هنا تكمن في عدم وجود خطط لدى الجامعات ووزارة التعليم العالي، التي أدت في النهاية إلى ضخ هذه الأعداد الهائلة من خريجي الإعلام، بالإضافة إلى عدم مراعاة ما يطلبه سوق العمل لتجنب هذه المؤشرات الخطيرة في أعداد العاطلين عن العمل في هذا التخصص الذي أصبح وللأسف عبئاً على صاحبه، فكان لا بد من جود خططٍ لتجنب هذه الكارثة التي نعاني منها الآن.
كانت هذه الإحصائية تُنذر بالخطر الشديد مع وجود التزاحم على فرص العمل في مجال الصحافة بين الخريجين، خصوصاً بعد نحو سنتين من صدور هذه الإحصاءات، فيما نقف اليوم على أولى عتبات العام الجديد، بعد عامٍ شحيح تخلله إنهاء خدمات المئات بل الآلاف من الموظفين في شتى المجالات في سوق العمل الفلسطيني في القطاع الخاص.
مع بداية العام الجديد، جرى تقليص كبير لأعداد الموظفين في المؤسسات الإعلامية الذين يُعتبروا من أصحاب الخبرة الطويلة، ومنهم من يُعتبر بالنسبة لنا كخريجين جدد معلمين وأساتذة لنا درسوا البعض منا في الجامعات والمعاهد.
لم يكن هذا التقليص لأعداد الكوادر وليد الصدفة، بل رافقه عام كامل من جائحة كورونا التي شلت تقريبا كافة القطاعات في فلسطين، في الوقت الذي كان يعاني منه القطاع الخاص الويلات قبل ظهور الجائحة، فإذا كان أعلى نسبة من خريجي الصحافة يحتلوا المرتبة الأولى من حيث البطالة وعدم وجود فرص عملٍ لهم قبل الجائحة التي عصفت بالعالم، فما بالكم بعد الجائحة التي قُدرت خسائرها بالمليارات ليس في العالم بل في فلسطين وحدها.
نكبة شبكة أجيال الإذاعية:
مع بداية العام الجديد تفاجأ الوسط الإعلامي باستقالةٍ جماعيةٍ لكوادر راديو أجيال والذي يعتبر من الإذاعات المؤثرة في البلاد، مع وجود هذه الطواقم التي قدمت استقالتها بشكل جماعي، أمثال رامي سماره وفراس الطويل وطارق الشريف وغيرهم من الصحفيين الذين يشكلوا العمود الفقري لراديو أجيال في بعض برامجه الإخبارية التي يبثها.
دون الخوض في تفاصيل السبب وراء الاستقالات الجماعية، لكن في المحصلة لم تكن أسباب الاستقالة أسباب عادية أو أن هذه الكوادر وجدت أماكن عمل أفضل، ومع مرور أيام قليلة ظهرت كواليس الأسباب وراء هذه الجائحة، من ضمنها المشاكل والخسائر المالية التي عصفت بالمؤسسة الأُم بسبب جائحة كورونا وما تبعها من ركودٍ اقتصاديٍ كبيرٍ في شتى المجالات.
في التوضيح الذي صدر من قبل الموظفين المستقيلين، بين أن القصة بدأت عندما طلبت الإذاعة من موظفيها تقليص الجهد في العمل، مقابل نصف الراتب الذي يتقاضاه الموظف، وفي التوضيح أيضاً كان هناك نفي قاطع بأن ساعات العمل أو الجهد الذي يقدمه الموظف قد قُلص، فمقابل نصف الراتب كان المجهود بنسبة 70 إلى 100 بالمائة، وأكد البيان التوضيحي أن نسبة العمل بهذا الكم من المجهود مقابل الراتب المنقوص لا يهم لأن "أجيال تستحق"، وأردف البيان أن المشكلة لم تكن وليدة جائحة كورونا لأن الإدارة تخلت عن خدمات عدد من الموظفين قبل الجائحة بأشهر.
المشكلة هي أن إدارة أجيال تصر على إعطاء الموظفين المستقيلين نصف الراتب بعقود جديدة وهذا ما قوبل بالرفض، ما اضطرهم إلى تقديم الاستقالات ليس برغبتهم بل لأنهم اضطروا لذلك فكان الأمر قانونياً ولكنه ليس أخلاقياً كما ختم البيان.
جائحة فضائية النجاح:
يومان بين النكبة الأولى والثانية، فبعد الاستقالات الجماعية في أجيال، صدر بيان آخر من مؤسسة إعلامية فلسطينية كبيرة كفضائية النجاح، التي أنهت خدمات سبعة عشرَ موظفاً من موظفيها بسبب جائحة كورونا وما تبعها من خسائر وركود مالي ضخم في الفضائية.
كانت مصيبة فضائية النجاح أكبر بكثير من المصيبة الأولى، فقد تقرر إغلاق الفضائية ونزولها عن الهواء بعد أن صدحت لسنوات.
قبل أجيال وفضائية النجاح شهدنا نكبة أخرى لقناة الفلسطينية التي قدمت البرامج المجتمعية الفريدة، فقد أُغلقت تماماً قبل سنوات وذلك بسبب المشاكل المالية والديون، وما زال موظفيها يطالبون بحقوقهم ورواتبهم التي ما زالت رهن البحث مع الجهات المختصة وخصوصاً نقابة الصحفيين، ولا نريد في هذا المقام أن ندخل في تفاصيل هذه المشكلة لأن المسئول عن ضياع حقوق موظفي قناة الفلسطينية يشترك فيه الكثير من الجهات.
بعد كل ما جرى وما سيجري من نكبات في مؤسساتنا الإعلامية نطرح في هذا المقال أسئلة لا بد من الإجابة عنها من قبل الجهات المختصة: ما دور نقابة الصحافيين والحكومة في خضم النكبات التي تعاني منها المؤسسات الإعلامية؟
وإن لم يكن للحكومة دور أو مسئولية تجاه ما يجري، فلا نتفاجأ في المستقبل القريب من تجميد تخصص الصحافة والإعلام في بعض الجامعات الفلسطينية، ومن ثم يذهب الأكاديميون إلى البيت!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت