- د.هاني العقاد
نوفمبر الماضي كان هنا في فلسطين حدث لم يلقي اهتمام كبير من وسائل الاعلام ولا حتي المحللين والمراقبين السياسين ولا حتي محطات التلفزة الفلسطينية والمواقع الاخبارية وبدا كأنه حدث عادي ياتي في اطار العمل الدبلوماسي الفلسطيني وعلاقة فلسطين بالمانيا لكونه ليس من الدائرة المركزية الاولي بالعالم لكنه حدث مهم ودقيق لانه بحد ذاته اول مؤشر واضح في انهيار صفقة ترمب وانها لم تلق اهتمام دولي او حتي اوروبي كبير وكان هذا الحدث هو اللقاء المرئي بين السيدة (انجيلا ميركل ) المستشارة الالمانية والسيد الرئيس (محمود عباس) ابو مازن ركز اللقاء علي استعداد مجموعة (صيغة ميونخ ) لتنسيق اجتماع فلسطيني اسرائيلي لدفع جهود السلام للامام وتبادل الطرفان الاراء حول عودة الفلسطينين للمفاوضات والاسس التي تتيح ذلك بالاضافة لقرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة . جاء هذا اللقاء بعد اسبوع من اعلان الرئيس ابو مازن اعادة العلاقة مع اسرائيل علي اساس الاتفاقيات والتفاهمات بين الطرفين وبعد استعداد اسرائيل التام الالتزام بهذه الاتفاقيات . كان هذا اللقاء بمثابة صفارة البداية لعمل حقيقي وعلي الارض لمجموعة (صيغة ميونخ) التي تشكلت علي هامش مؤتمر (ميونخ للأمن), الذي عقد في ألمانيا في شباط/ فبراير 2020، بهدف إعادة إحياء عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل وتضم المجموعة دولتين اوروبين فاعلتين ولهما وزن دولي كبير علي صعيد التحركات الدولية ودعم عملية السلام في الشرق الاوسط وهما المانيا وفرنسا ودولتين عربيتين هما مصر والاردن.
لعل تحرك (رباعية ميونخ )جاء في وقت تشهد فيه العملية السياسية حالة موت سريري بسبب تفرد الامريكي الترامبي بفرض حلول مبنية علي مصلحة الطرف الاسرائيلي من خلال صفقة ولدت ميته ( صفقة القرن ) دون الاخذ بالاعتبار مصالح الاطراف الاخري بالمنطقة وعلي راسهم الكيان المحتل فلسطين ودون الاعتراف بمبدأ حل الدولتين كأساس لانهاء الصراع وبالتالي حاول الفريق ترمب كتابة شهادة وفاة مبدأ حل الدولتين الا انهم فشلوا بسبب الرفض الفلسطيني لصفقتهم في المقاوم الاول وبسبب عدم اقتناع بعض الشركاء الاوروبين بعملية السلام بعدم جدوي صفقتهم احادية الجانب حتي ولم يقتنع احد بانها قد تحقق الامن والاستقرار بالمنطقة لذلك تم رفضها وعدم التعاطي معها . ان المبدأ الاساس الذي تشكلت علي اساس (مجموعة ميونخ) هو مبدأ حل الدولتين واحيائه والحفاظ علية من خلال تبنيهم لرؤية الرئيس ابو مازن والتي عرضها في الجمعية العامة للامم المتحدة 2019 والتي تبناها مجلس الامن في جلسة غير عادية باغلبية ساحقة 2020 ما يعتبر تدشين مسار مهم امام (رباعية ميونخ) وبرنامج عملها .
ديسمبر الماضي عقد بالقاهرة اجتماع هام علي مستوي وزراء الخارجية للمجموعة لتنسيق المواقف والاتفاق علي خطة العمل وذلك بعد ان اعطي الرئيس ابو مازن موافقته الاولية لمساعي المجموعة البدء بالتحضيرات اللازمة لعقد مؤتمر دولي تكون له صلاحيات دولية مدعومة من روسيا وامريكا والامم المتحدة اي اعضاء الرباعية الدولية ولعل لقاء القمة الفلسطينينة المصرية والفلسطينية الاردنية المنفردين مثل الخطوة الاولي بالاتجاه العملي تبعه عدة خطوات اهمها بدء الاجتماعات التحضيرية هذا الاسبوع في القاهرة للمجموعة لمناقشة سبل دعم مسار السلام واحياء مبدا حل الدولتين بالاضافة للتواصل مع اطراف الصراع والقوي المركزية المؤثرة فيه كالولايات المتحدة الامريكية وخاصة بعد نجاح بايدن وبدء مراسيم جلوسه علي المكتب البيضاوي بالبيت الابيض . لعل عناصر مهمة تتوافر اليوم امام (مجموعة ميونخ) لتحقق النجاح في مساعيها واهمها ,ايمان هذه المجموعة بان مبدأ حل الدولتين هو أساس العملية السياسية وعلاقتة اطرافها المميزة بكل من الاسرائيلين والفلسطينين بالاضافة للموقف الايجابي للرئيس بادين تجاه الفلسطينين واعلانه العودة لمبدأ حل الدولتين كاساس لحل الصراع والذي تحدثت عنه وزير خارجية واشنطن الجديد في ادارة بايدن( بلنكين ) بان الرئيس بايدن يؤيد حل الدولتين ويؤمن بأنه الطريق الوحيد لضمان تحقيق التطلعات المشروعة للفلسطينيين، ومستقبل إسرائيل. جاء هذا في مؤتمر لمنظمة «الغالبية الديمقراطية من أجل إسرائيل»، وهي منظمة تابعة للحزب الديمقراطي، وقال ان بايدن سيطالب الإسرائيليين والفلسطينيين بعدم اتخاذ خطوات أحادية تمنع العودة لحلّ الدولتين، وأن الرئيس المنتخب يعارض موضوع الضم، وأنه سيسعى إلى بناء الثقة بين الجانبين. كل هذه مؤشرات تؤكد ان مساعي (مجموعة ميونخ) قد تنجح اذا ما استخدمت ادارة بايدن الجديدة عوامل الضغط المؤثر علي الحكومة الاسرائيلية القادمة مهما كانت تشكيلتها للعودة لمبدا حل الدولتين واعتمادة كاساس لحل الصراع .
العقبة الوحيدة التي قد تعيق عمل مجموعة ميونخ و وصولها لخطوات اجرائية لحل الصراع هي الزام اسرائيل بقبول خطة السلام التي سيوصي بها المؤتمر الدولي اذا لم يتم اعاقته لان الموقف الاسرائيلي تاسس منذ فترة طويلة علي التطرف والكراهية للفلسطينين وعدم قبول اي حلول ترتكز علي فكرة حل الدولتين او حتي القبول بالجلوس علي طاولة المفاوضات مع الفلسطيين لبحث ذلك .النظام السياسي في اسرائيل الان اصبح يميني صرف يرفض اي افكار سلام تعطي الفلسطينين الحق في اقامة دولة مستقلة وذات سيادة سواء حتي لو جاء رجل اخر غير نتنياهو والمحتمل ان يكون (جدعون ساعر) الاكثر تطرفا والذي اسس اليمين الجديد فانه لن يترك اي مسار يمكن ان يوصل (مجموعة ميونخ) لاعادة حل الدولتين لطاولة المفاوضات المقترحة بين الاسرائيليين والفلسطينين الا ويغلقه بذات الادوات الاسرائيلية التي نعرفها , الرفض والتسويف وخلق ازمة حكم اسرائيلية وفرض الوقائع علي الارض من خلال التوسع الاستيطاني والضم لاحداث تغير جيوسياسي في الضفة الغربية يجعل تطبيق فكرة حل الدولتين امر مستحيل .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت