الفلسطيني د. منصور عباس وتحطيم قصور الوهم

بقلم: حسين فاعور الساعدي

حسين فاعور الساعدي
  •  حسين فاعور الساعدي

هل مصير الفلسطينيين سكان إسرائيل مرتبط بتواجدهم أو بتمثيلهم في الكنيست؟ الجواب على هذا السؤال يحدد نظرتنا إلى الأمور وكيفية تحليلها. من يدعي أن مصير الفلسطينيين في دولة إسرائيل مرتبط بتواجدهم في الكنيست يبني على هذه الرؤية الكثير من  الأوهام والأمور غير الواقعية. منها أن الكنيست هي ساحة النضال لتحصيل الحقوق. وأن الكنيست هي المكان لمحاربة اليمين المتطرف وأن الكنيست هي الموقع لمنع تهجير الفلسطينيين مواطني إسرائيل من ديارهم وما إلى ذلك من مزاعم وهمية خلقها أناس أرادوا المحافظة على أحزابهم\مزارعهم وأرادوا تبرير وشرعنة تواجدهم في هذه المؤسسة الصهيونية. والأسوأ من ذلك على مدار عقود طويلة غطوا على كسلهم واستهتارهم بمصالح الجمهور الذي أوصلهم إلى مواقعهم بخلق صراعات وشجارات وهمية مع زملائهم في هذه المؤسسة التشريعية. ألبسوا أنفسهم ثياب المناضلين والمجاهدين ضد هذه المؤسسة وسياساتها فأعطوا المبرر للقائمين عليها بنبذهم ومقاطعتهم. وبين الحين والآخر افتعلوا وأمام كاميرات وسائل الإعلام مشاهد وشجارات مع بعض أعضائها المتطرفين. هذه الشجارات التي في حقيقتها ما هي إلا مسرحيات متفق عليها من قبل الطرفين جعلت من منفذيها أبطالا فجلبت لهم الكثير من الأصوات وحافظت على مكانتهم وعلى تغذية التوتر والتباعد بين الصهاينة والفلسطينيين داخل الكنيست وخارجه. هذا التباعد الذي يدفع ثمنه الباهظ البسطاء بينما يحافظون هم والمقربون منهم على مصالحهم وعلاقاتهم الجيدة ومن وراء الكواليس مع مختلف أذرع المؤسسة أو السلطة الحاكمة.

أما من يدعي أن وجود الفلسطينيين كمواطنين في دولة إسرائيل غير مرتبط بتواجدهم في الكنيست فلديه رؤية مختلفة للأمور. رؤية مصدرها الواقع والمعطيات الكثيرة والمتراكمة والتي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا التواجد ليس لا قيمة له فقط بل أضر ضرراً بليغا وكبيراً بمصالح الجمهور العربي إذ تم عرض هذا الجمهور من خلال ممثليه في الكنيست وبشكل يومي على الفضائيات وكأنه جمهور متطرف وفي حالة شجار مع الجمهور اليهودي وهو أمر غير قائم في حدود إسرائيل 1967. هذه الرؤية تخدم أذرع السلطة المختلفة التي تخاف من النضال المشترك بين الجمهور العربي والجمهور اليهودي في هذه البلاد. النضال المشترك في قضايا اجتماعية واقتصادية يرعب السلطة ويخيفها. ولذلك أعتقد أن هذه السلطة منذ عقود تجند أعضاء الكنيست من كلا الطرفين للعمل على منع ذلك.    

معروف للجميع أنه لا يمكن ولا بأي شكل من الأشكال تمرير قانون معين في الكنيست إن لم يكن يخدم الوسط اليهودي بالأساس. بكلمات أخرى كل القوانين التي تشرعها الكنيست هي قوانين لخدمة المواطن اليهودي والعربي يستفيد منها لكونه مواطن في الدولة. وهذا يعني أن عضو الكنيست العربي لوحده لا يستطيع تمرير قانون واحد دون دعم الأعضاء اليهود حتى لو كان للعرب 59 عضواً في الكنيست وهو رقم لا يمكنهم الوصول إليه. إذن المنطق يقول أن التعاون مطلوب بين أعضاء الكنيست العرب والأعضاء اليهود. ومطلوب أكثر التعاون مع أعضاء الحزب الحاكم في القضايا الكبيرة والملحة. وإلا فما جدوى تواجد الأعضاء العرب؟ هل نتوقع أن تكون حكومة يسار في إسرائيل؟ أين هو هذا اليسار؟ وماذا قدم للفلسطينيين منذ قيام الدولة؟ وهل يمكن ترك الكثير من القضايا الملحة التي يعاني منها جمهورنا أو تجميدها حتى يولد يسار ويصل إلى السلطة فنجلس معه؟

إذن علام كل هذا الهجوم على منصور عباس؟ ألأنه جلس مع نتنياهو؟

هذا الهجوم على د. منصور عباس ليس لأنه جلس مع نتنياهو فكل أعضاء المشتركة جلسوا ويجلسون مع نتنياهو وغير نتنياهو. هذا الهجوم على د. منصور عباس لأنه كسر نهجاً تم ترسيخه على مدار عقود طويلة وبدعم خفي من السلطة ذاتها. نهج القطيع والبقرات المقدسة.

هذا النهج (نهج القطيع والبقرات المقدسة) وفر الأجواء والأرضية لطرح شعارات ليس فيها ذرة منطق ومبنية على الوهم والسراب كشعار "إسقاط نتنياهو". هذا الشعار لا يمكن طرحه على جمهور لديه ذرة من عقل. لماذا؟ لأن العرب حتى لو كان لهم 59 عضو كنيست لن يستطيعوا إسقاط نتنياهو إن لم يرد اليهود ذلك. والأصعب من ذلك أن من يطرح هذا الشعار يقول بلغة واضحة ودون أدنى شك أن نتنياهو هو المشكلة ويبرئ السياسات العامة التي انتهجتها وتنتهجها الحكومات المتتالية منذ قيام الدولة، وهذه مغالطة وتشويه للواقع وللتاريخ. كما أن مجرد طرح هذا الشعار يظهر مدى استهتار من طرحوه بعقلية جمهورهم وبمدى مقدرته على الفهم والتحليل. طرح هذا النوع من الشعارات هو نمط ونهج سلكته وتسلكه قيادات تنظر إلى الجمهور العربي على أنه قطيع يمكن التحكم به باللعب بغرائزه وعواطفه. فجاء الدكتور منصور عباس ليغير قواعد اللعبة مما يمس بمراكز البقرات المقدسة ويشكل خطراً على استمرار وجودها.

الجمهور مل الشعارات الجوفاء وما عاد يصدق الحروب الدونكيشوتية والمعارك الوهمية. الجمهور يريد عنباً ومل من لعبة مقاتلة الناطور المضبوطة والموجهة من اذرع المؤسسة المختلفة.  وبما أن الدكتور منصور عباس فلاح ابن فلاح ولا زال التراب يخالط مسامات جلدة فقد استشرف ما يشعر به الجمهور ولم يستطع إلا القيام بما يمليه عليه ضميره النقي الذي لم يغرق في أوهام الزعامة بعد.

د. منصور عباس لا يزال يرى بنفسه موظفاً في مؤسسة صهيونية من واجبه أن يخدم من أرسله لهذه الوظيفة. هذه الرؤية الواقعية تتناقض وتختلف مع رؤية من يتسترون وراء بطولات وهمية وشجارات مفبركة مع ممثلي اليمين المتطرف. شجارات متفق عليها مسبقاً لدغدغة مشاعر القطيع الذي يريدون رضاه ودعمه ليحافظوا على مواقعهم. لعبة الشجارات هذه لا تناسب فلاح ابن فلاح كد. منصور عباس ولا يقبل القيام بها لأن أخلاقه وعقيدته لا تسمح له بذلك. من هنا فهو يشكل خطراً على من كل رصيده هو هذه الشجارات المفتعلة مع ممثلي اليمين المتطرف والمدعومة بالشعارات التي لا معنى لها.

نهج الدكتور منصور عباس يغيظ البقرات المقدسة في المشتركة ويغيظ بنفس القدر أذرع السلطة التي لا تريد لفلسطينيي الداخل مندوبين حقيقيين عنهم في الكنيست الإسرائيلي يساهمون في حل مشاكلهم وقضاياهم الملحة.

هذا الإدراك أن العربي الفلسطيني في برلمان صهيوني يستطيع حل قضايا اجتماعية واقتصادية معقدة وكثيرة يخيف السلطة ويحملها مسؤوليات كثيرة وكبيرة تنصلت منها على مدار عقود طويلة بتغطية جيدة وكاملة من حملة الشعارات الوهمية مثل شعار "إسقاط نتنياهو".   

وهذا الإدراك أن عضو الكنيست هو موظف في الكنيست مثله مثل أي موظف في بنك أو شركة أو مؤسسة من واجبه التعامل مع كل مكونات هذا الجسم الذي يعمل فيه وإلا لا معنى ولا مبرر لوجوده. لماذا عضو الكنيست تحول إلى قائد قومي يوزع المهام ويصدر التعليمات والتوجيهات؟ كيف لموظف في مؤسسة صهيونية أن يكون حامل شعار القومية؟ لماذا هذا الجمع بين متناقضين؟ وهل يقدر عليه إلا ثعلب متلون؟ سكوت الجمهور على هذا الأمر غير المنطقي هو ما شجع أعضاء الكنيست على الاستهتار بمصالح الجمهور وعلى لعب هذا الدور المتناقض مما خلق كل هذه الفوضى التي تجتاح وسطنا العربي.

د. منصور عباس كما يبدو استشعر أن صبر الجمهور قد نفذ ولم يعد بالإمكان السكوت على مهازل المشتركة فقرر القيام بواجبه وما يمليه عليه ضميره النقي كموظف في مؤسسة صهيونية غير خائف من تحريض المغرضين. فهو يؤمن أن شعبنا ليس قطيعاُ وهو يملك القدرة على التمييز بين الغث والسمين.   

   ***

حسين فاعور الساعدي

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت