- بقلم/ د.علي شنن
- استاذ التخطيط والدراسات المستقبلية المساعد
أما قبل .. " الحلم الضائع "
عِقدٍ و نصف من الزمن مرت على مجتمعنا الفلسطيني دون قيدٍ أو رقابة أو حتى ضميرٍ حي يُعرقل عجلة الظُلم التي استمرت في الدوران بأروقة و شوارع موطني دون توقف
أو ملل مُحدثه فيه أقصى درجات التنكيل القهري من فقرٍ و جوعٍ و تسول وحرمان وضياع، وفقدٍ للأرض و العرض و الهوية . زمنٍ طويل ذهبت فيه أجيال و أتت فيه أجيال وضاعت فيه أجيال و تشردت فيه أجيال و هاجرت فيه أجيال وحوربت فيه أجيال ونكلت فيه أجيال وتراجعت فيه أجيال واستمرينا على هذا المنوال حتى وصل بنا الحال إلى مجتمع بلا أجيال !!.
سنواتٍ عجاف، بل أكثر ظلاماً وظُلماً من ذلك ؛ تبدلت فيها الثقافات لدينا، واختلفت المبادئ .. و ذهبت من بين خلجاتنا الهوية وسُرقت منا "عُنوةً " الثوابت المحورية وغادرتنا عاداتنا وتقاليدنا لما تبنينا التعصبية والحزبية والعنصرية ومضينا متخلفين باختلافنا وخلافاتنا السطحية، أصبحنا نقدم مصالحنا الشخصية عن مصلحة الوطن وما تقتضيه الهوية، ونزرع في أنفسنا حب الذات وفي مجتمعنا الفرقة، نحارب أنفسنا بأنفسنا و نجتث من قلوب بعضنا البعض ما تبقى من الحب و الود و الإخاء لدينا، واستمرينا في ذلك حتى استأصلنا من بين ضلوعنا كل معاني الإنسانية وغرسنا بدلاً منها جذور الحقد و الحسد و الكره و البغض، ثقافاتٍ غريبة علينا كُنا قديماً نستهجنها في غيرنا من الشعوب وها نحن اليوم "وللأسف" نتبناها في معاملاتنا وعلاقاتنا بامتياز !.
رحلت عنا تلك الأحلام التي سقاها أسلافنا بالدمع والدم، "كالحلم بوطن"، و أردينا عليها التراب بعد أن دفناها معهم، ثم لم نلبث كثيراً حتى خذلناهم بأطماعنا الضيقة رخيصة الثمن، ولم يقتصر خُذلاننا عليهم، بل امتدت أيدينا لتطال مستقبل أجيالنا الحاضرة و الآتية، فجردناهم من الأمل و الحياة، ووضعناهم على طريق الحاجة و السؤال ومن ثم التسول، وناصرنا الظروف عليهم بعد أن كبلنا أيديهم بالحديد والنار ونمينا لديهم قلة الحيلة وأعملنا الضعف في أجسادهم ثم تركناهم للظروف تنهشهم، وبكل خِسّةٍ منا نأمرهم بأن يصمدوا و يساندوا مطامعنا الدنيوية وغرائزنا الحيوانية!.
أما بعد ... " الأمل القابع "
(ثمة أمل قادم من بعيد )، لكنه متخفٍ خلف يأسنا و خوفنا وخبراتنا المُظلمة والتي اكتسبناها مما عايشناه وعشناه في السنوات الطويلة الماضية، فالذي تجرد من الحلم بسبب ظروفٍ فُرضت عليه رغم عنه لن يقوى على مجرد التفكير بأن يحلم من جديد، ومن استمر عاطلاً عن العمل لسنوات دون أدنى فرصة لوظيفة أو لعقد عمل او حتى لمجرد بطالة لبضعة شهور معدودة لن يعود ليحلم بأن ينسلخ عن مجتمع البطالة، ومن عاش سنواتٍ وسنوات ومنزله خاوٍ من أدنى الاحتياجات الأساسية والمقومات الحياتية لن يحلم بأن يصبح بيته عامراً من جديد، ومن ترك منزله و حيُه ومدينته وبلده مهاجراً للبحث عما فقده وحرم منه فيما يتعلق بذاته ومستقبله لن يعود مجدداً، ومن لم يستطع اكمال دراسته أو تكوين أسرته أو بناء مستقبله أو تحقيق أي هدفٍ كان لأن الظروف لم تسمح له وعاندته سيبقى رهين تلك الظروف، فلن يتغير أي مما سبق من معاناة و فقد وحرمان وفقر ...إلخ إلا بحضور أملٍ جديد،لن يحدث أيٌ من ذلك إلا بكشف ذلك الأمل المتخفي خلف مخاوفنا و التنقيب عن معالمه واجتثاثه من عمق صدورنا .
فلنبحث عن ذلك الأمل فينا، وإن لم نجده فلنصنعه بأنفسنا .. بأيدينا .. بعقولنا و وعينا، ولنُحدِث فرصة حقيقية للتغيير الحقيقي، ونجتمع لقلب الموازين بوعينا، نصنع نحن الأمل الحقيقي دون أن ننتظر من أحد أن يصنعه لنا، ونداوي جروحنا و آلامُنا و أوجاعنا بأنفسنا، لا لشيء سوا لأننا نثق بأنفسنا و بمستقبلنا و بوجود حياة أفضل نصنعها نحن لا هُم .
دعونا نصنع فرصة لنحيي نفوسُنا من جديد، فتعود آمالنا من جديد، وترتقي أحلامنا من جديد . فهذا الوقت لا يحتمل التشاؤم ولا التطير ولا اليأس .. فدعونا نجعل مما عشناه و عايشناه من ظلم وظلام دافعاً قوياً لنا لأن ننهيه و نبدأ من جديد كما نريد وليس كما يريدون هم .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت