-
اشرف صالح
لقد إعتاد الساسة الفلسطينيين في كل جولة مصالحة أو إنتخابات أن يحصنوا أنفسهم بالأصدقاء العرب والأجانب , أو ممكن أن نقول الشركاء العرب والأجانب , وذلك يتمثل في الرعاية العربية والدولية لكل حوارات الفلسطينيين بين أنفسهم , ولا يتوقف الأمر عند الرعاية فحسب , بل إن ساستنا وأخص بالذكر قطبي الصراع "فتح وحماس" يطلبون من الرعاة الضمانات اللازمة والكافية لكي يوفي المحاور الفلسطيني لأخاه الفلسطيني بما تم الإتفاق عليه , وهذا ما حدث قبيل إعلان المرسوم الرئاسي لإجراء الإنتخابات التشريعية والرئاسية , حيث تعهدت روسيا وتركيا وقطر ومصر والأردن لحماس بأن تسير الإنتخابات بشكل متتالي ودون إنقطاع , وفي المقابل تعهدت هذه الدول لفتح بأن تلتزم حماس بنتائج الإنتخابات القادمة دون أي معوقات , ومن هنا فالمشكلة ليس بهذه الدول والتي تساند الشعب الفلسطيني المقهور في مواقفها ودعمها , ولكن المشكلة في ساستنا أصحاب القرار , الذين لا يثقون ببعضهم البعض , ويقفون عاجزون أمام أي مشكلة حتى لو كانت صغيرة , وليت الأمر يتوقف عند الضمانات العربية والدولية , بل وإن هذه الضمانات باتت لا تلزم أي طرف بإيفاء ما تم الإتفاق عليه , ولنا في ذلك تجارب قديمة بدأت منذ إتفاق مكة "حلف اليمين في الكعبة" ووصولاً الى يومنا هذا , فمن الواضح وللأسف أننا كفلسطينيين فقدنا أعظم وأهم خصال العرب والمسلمين , وهو الميثاق الذي لا يحتاج شهادات ولا ضمانات ولا رعايات , لأنه بين العبد وبين ربه , وهو كلمة الشرف التي تستند على قوة الإيمان والصدق والمسؤولية أمام الله .
من المفترض أن تذهب الفصائل كافة الى القاهرة في بداية فبراير المقبل , كي تناقش مع الرعاة المصريين آلية الإنتخابات , وبغض النظر عن ما هو المقصود بهذه الآلية من وجهة نظر الفصائل , فيجب أن تتحدد هذه الآلية في النقاط العريضة التالية , ومن ثم تناقش جميع النقاط .
أولاً : تحديد الموقف أمام المصريين من مشاركة الفصائل الصغيرة والمستجدة على الساحة الفلسطينية في الإنتخابات .
ثانياً : تعريف وتحديد الآليات الأمنية أمام العمل التنظيمي للإنتخابات بما يخص فتح في غزة وحماس في الضفة ومن ثم باقي الفصائل , وذلك في ظل السلطتين الحاكمتين في غزة والضفة .
ثالثاً : تحديد كيفية دمج مؤسسات الضفة وغزة والمختصة بسير عملية الإنتخابات , وذلك سواء قبل الإنتخابات أو أثناء الإنتخابات , كعمل اللجان مثلاً , ومحاكم الطعن , والإشراف الأمني , والدعم اللوجستي الذي تشارك فيه جميع أطياف الشعب الفلسطيني في حدود صلاحياتها , وغيرها من اللجان التي تتطلب تنسيق وعمل مشترك .
رابعاً : تحديد هوية الدولة التي ستشرف وتراقب على الإنتخابات , وخاصة أن كثير من الدول إستعدت لهذه المهمة , وبرأيي أن هذا البند الأهم في ظل التشكيك وعدم الثقة بين الفصائل الفلسطينية .
أعتقد أن الجميع وخاصة فتح وحماس مقبلين على الإنتخابات كمخرج من عنق الزجاجة التي داقت بالجميع , والتشكيك وعدم الثقة بينهما واللجوء الى الضمانات العربية والدولية ما هو إلا خوف من الطرفين المتخاصمين أن يفقد كل طرف ما بناه على نتائج الإنتخابات المرتقبة , فحركة فتح تثق بأنها ستفوز هذه المرة لأسباب كثيرة يطول شرحها وبحاجة الى مقال خاص بها , أما حماس فهي تعتبر نفسها كاسبة سواء نجحت في الإنتخابات أو سقطت , فحماس تملك بدائل كثيرة ومتعددة , فهي تمارس المعارضة بإمتياز , وفي أسوأ الأحوال ستكون حماس معارضة , وفي نفس الوقت شريكة في الحكم , وهذا ما شجعها بالإقبال على الإنتخابات رغم فرصتها الضعيفة بالنجاح , وهذا بالطبع زاد من إلحاحها في الطلب من الدول العربية والأجنبية بالضمانات اللازمة لنجاح الإنتخابات , والعكس صحيح بالنسبة لحركة فتح , ومن هنا يبقى الضمان الوحيد لنجاح عملية الإنتخابات هو كلمة الشرف التي تلزم كل طرف أمام الله بأن يكون صادقاً بما قال , ووفياً بما أوعد , فما أحوجنا الى كلمة الشرف هذه وخاصة أن هناك أطراف خارجة عن الصف الديمقراطي والإجماع الوطني , ومن الممكن أن تقلب الطاولة في أول ساعة من موعد الإقتراع , سواء كان بإطلاق الصواريخ بإتجاه إسرائيل في وقت الإقتراع , أو تنفيذ عملية أمنية في غزة أثناء الإقتراع , فيجب أن يكون هذا في الحسبان , وأن يتعهد الجميع أن تسير الإنتخابات حتى في أصعب الظروف , وهذا التعهد لا يحتاج ضمانات عربية ودولية بقدر ما يحتاج كلمة شرف من الجميع بأن تسير الأمور على أحسن وجه , كي ينال الشعب الفلسطيني حقه الدستوري كاملاً .
كاتب ومحلل سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت