- بكر أبوبكر
في ظل الانكسار العربي القائم حاليًا، الى الدرجة التي وقفت فيها الجامعة العربية موقف الصامت، أوالمنكر للتفلت "السيادي"! من مقررات الجامعة العربية وهي المقررات التي تمثل الحد الأدنى الممثّل لاتفاق العرب حول القضايا الجامعة.
الديمقراطية الوطنية، والأمة
وفي ظل السقوط القيمي والمبدئي للكثير من الثوابت العربية ما كان مسلمات! وجب إعادة بناء الاستراتيجية الفلسطينية والبرنامج الوطني العام في سياق جديد يأخذ بالاعتبار إعادة تعريف الفكر الوطني الحضاري وأهدافه والوسائل والعلاقات، والعلاقة مع الأمة العربية لتنتقل من العلاقة الرسمية الى العلاقة الجماهيرية والحزبية إضافة لتكثيف الدبلوماسية الفلسطينية في الوعي العربي في المجالات كافة التي منها الرسمية والحزبية والشعبية وتلك الرقمية.
إن الانحدار الرسمي العربي الحاصل لا يعني التفكير بالانفكاك عن الأمة، فنحن منها وهي منا. وفي سبيل نزع الذرائع ولغرض تجديد المسار الديمقراطي الفلسطيني رغم الاحتلال القبيح والانسحاب العربي من المواجهة حتى السلمية، فإن الاتفاق على الانتخابات بين مختلف فصائل الطيف الوطني (كخطوة ضمن البرنامج الوطني الشامل) لربما يؤسس لديمقراطية عربية فلسطينية تداولية كمقدمة للمجتمع الديمقراطي المدني في فلسطين.
البدء من قلب فتح
في الشق الفتحوي من المعادلة الموصوفة للخروج من المأزق، ما هو أولى لك فأولى، وبتوجّه واضح المعالم نحو الكوادر الحركية والجماهير فإن وضع نظام حاكم لطريقة الاختيار للمجلس التشريعي-مدار بحثنا هنا- يعتبر عنصرا رئيسيا من عناصر الربط الواجب تحقيقه بين القيادة الحركية في الأطر العليا، وبين الكوادر والأعضاء الذين هم على صِلة مباشرة مع الجماهير عبر أطرهم القاعدية.
بناء على التوجه الحركي الواضح نحو تكريس ديمقراطية وطنية تداولية، فإنه يتوجب على حركة فتح في البدء وفي إطار تواصلها النضالي في مختلف الأشكال أن تؤسس لديمقراطية مركزية داخلية في قلب تنظيمها أولًا، في سياق التزام النهج (الديمقراطي المركزي) الذي لا بديل عنه تحت الاحتلال حتى تحقيق الاستقلال الوطني.
من هنا وجب النظر في وضع نظام أو قانون أو لائحة حاكمة لآلية الاختيار للقيادات في المواقع المختلفة ما أقره النظام الداخلي-وخاصة في اختيار أعضاء التشريعي- ولم يطبق حتى الآن منذ العام 2009م .
نظرة في النظام الداخلي
وضعت حركة فتح النظام الداخلي الجديد منذ انعقاد المؤتمر السادس للحركة في بيت لحم من 4-11/8/2009 ومن حيث أنها أحالت لضيق الوقت بعض النصوص للمجلس الثوري، فلقد تم اعتماد النظام في المجلس الثوري عام 2010 وشكّل هذا الإقرار انجازًا حركيا هامًا، بحيث سارت عليه الأطر، وانعقد بعد ذلك المؤتمر السابع للحركة في 29/11/2016م وكما هو معمول به أحيل النظام المقترح تعديله الى المجلس الثوري.
فشل المجلس الثوري للحركة حتى اليوم، ومن ورائه اللجنة المركزية، بإقرار التعديلات وبالتالي لم يتم إصدار النظام الجديد، وها نحن على مقربة من انعقاد المؤتمر الثامن (المفترض نهاية عام 2021م) ، وعليه فإن مسار العمل القائم في كل الأطر اليوم مرتبط ومستند للنظام الداخلي المقر في المؤتمر السادس.
لماذا الفشل النظامي؟
لم تستطع الحركة أن تفعّل عديد البنود المنصوص عليها بالنظام (النظام الداخلي المقر في المؤتمر السادس عام 2009م) لإهمال من القيادة واضح المعالم من حيث طغيان الفردية على حساب قوة الإطار أو الاطر أساسا ووسائل التواصل العمودي بينها، أوإن أحسنّا الظن -ومالنا لا نحسنه أيضا- لانهِماكِها في فكفكة الألغام العديدة التي واجهتنا كحركة وقضية فلسطينية خلال السنوات، أولنظرها لأولويات أخرى.
لم يتم تفعيل عديد نصوص النظام الداخلي أيضا لعدم قدرة القواعد التنظيمية، وفي أطرها، على بلورة مفهوم جديد للنقد الذاتي للذات اولا وللآخرثانيًا، وتجديده داخليًا فلجأت الى الفضاء الالكتروني الذي أصبح متنفسا عبثيا لا يغير من الأمور الداخلية شيئا، ولكنه يعمّق الشرخ القيادي-القاعدي من جهة، ويضعف آليات المساءلة الداخلية الحركية.
المساءلة والنقد
النقد والنقد الذاتي الواجب تفعيله بكل الأطرالحركية بتواصلها الأفقي أو العمودي وفق المادة4 من نظام (دستور) الحركة هو النقد والنقد الذاتي -أو بالمصطلحات الحديثة المساءلة الذاتية والمساءلة التنظيمية- التي حسب المادة ذاتها يؤدي تطبيقه الى (ضمانة سلامة مسيرة الحركة، وتتم ممارسة النقد والنقد الذاتي من كافة الأعضاء والقيادات ضمن الأطر التنظيمية).
فشلت الحركة قيادة وقاعدة في تطبيق أو التثقيف أو بإعادة بناء المباديء الأساسية الخمسة للحركة بشكل تفصيلي بنيوي ضمن آليات محددة في المجال التنظيمي، والتي منها المساءلة الداخلية (بالمصطلحات الجديدة للنقد) .
الحركة عوضا عن بناء آليات تحقق المباديء اطلقت في كثير من المواقع التنظيمية عملية انتخابية بلا قيمة سياسية أوثقافية أو ديمقراطية! -في غالب الأحيان- بحيث انقطع صندوق الانتخابات واستأثر بالاحتضان بعيدا عن فكرة النقاش والحوار والتداول والمساءلة ضمن مفهوم التطوير والتعديل، والتناغم وليس التنافر، والانخراط الكلي ما هو حقيقة المؤتمرات.
اتخذت غالب المؤتمرات الداخلية سياق العراك الاستنزافي دون محصلة تطويرية أو تغييرية تداولية مطلوبة، ولما لم يقم التنظيم بكافة أطره في بلورة الاجتماعات التنظيمية الدورية الفاعلة، واللقاءات التنظيمية في سياق الواجب والمهمة والمطلوب والتثقيف الذاتي والبناء وأحقية الإصلاح الداخلي فيما هو مرتبط بالقواعد الخمس (من المادة 1 الى المادة 6 بالنظام الداخلي) من الالتزام والانضباط والمركزية الديمقراطية والنقد والنقد الذاتي (المساءلة) والسرية (مضامين الاجتماعات والمداولات)، فإن الكادر الحركي أصبح يدور في فلك الفكر الاستخدامي التحشيدي فقط، وليس في فلك الفكر البنائي الجمعي الكلي ولتصليب قوة الأطر، في مقابل ضعف الانطلاق للشتم والردح والاتهام سواء في المؤتمرات الداخلية، أو على مساحة النزيف في المقهي الالكتروني على الشابكة (internet.)
لا ملامة كبرى على الأعضاء بقدر اللوم القائم على أكتاف القيادات في مواقعها التي تستأثر بكل شيء، وحين يكون من المتوجب عليها تصليب الفكر الجماعي والقيادة الجماعية في ذات الأطر، وتصليب الهياكل التنظيمية وآليات عملها النظامية، وتفعيل القواعد الخمسة فإنك تجد ابتعادا كما تجد إهمالا غير مبرر.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت