من جديد تعود صناعة الخبز العربي الذي يسمى باللغة المحلية "الملوح" إلى الواجهة بعد أن كانت مهددة بالانقراض، بسبب اعتماد المواطنين السوريين على الافران والخبز الذي تنتجه الحكومة بشكل مدعوم من حيث السعر.
واللافت في الأمر أن هذه الصنعة كانت فيما مضى حكرا على النساء الريفيات، إلا أن هذه المرة اقحم الشبان انفسهم في هذه الصنعة، وأصبحت تشكل مصدرا وفيرا للزرق للكثيرين منهم، خاصة بعد أن اشتدت أزمة الخبز في الأشهر القليلة الماضية في سوريا بسبب قلة القمح، والعقوبات الأمريكية والغربية الخانقة على سوريا.
وتحظى صناعة الخبز العربي في محافظة السويداء، بمكانة متميزة لكونها تعتبر من صناعات الموروث الشعبي في المحافظة، ومرتبطة بذاكرة الناس، بالإضافة لكونه مصنوع من القمح الصافي.
وبحركات منتظمة وفيها إيقاع جميل تطرب له الآذان، يبدأ الشاب وسيم العقباني في صناعة رغيف من الخبز من العجين الذي انتظره ساعات كي يختمر، ليقوم بعدها بنقله من يد إلى أخرى ليتمدد الرغيف ويأخذ شكلا دائرا أو بيضويا، ويقوم بوضعه على صاج ساخن يعمل على الغاز، لتفوح منه رائحة تجذب الناس اليه.
وقال العقباني (36 عاما) لوكالة أنباء (شينخوا) إن "هذه الصنعة كانت منزلية، وكانت النساء في الأرياف يخبزن الخبز لعدم وجود افران، وكانت تحقق الاكتفاء الذاتي للاسر"، مشيرا إلى أن هذه الصنعة انتقلت من المنازل لتصبح مشروعات صغيرة للشبان تحقق فرص عمل أولا، وتأمن مصدر رزق للكثير من الاسر التي تضررت جراء الحرب التي اندلعت في سوريا.
وتابع العقباني يقول، وهو يرق بكلتا يديه رغيف الخبز على قطعة من الخشب، إن "صنعة الخبز العربي انتشرت بشكل كبير في محافظة السويداء، واصبح في كل حي محل أو اثنين يصنع الخبز ويبيعه"، مشيرا إلى أن الناس بدأت تشتري الخبز من تلك المشروعات الصغيرة، خاصة بعد ان طفت على السطح أزمة الخبز التي تعيشها سوريا منذ شهرين تقريبا.
وفي حي آخر من مدينة السويداء، أكد كرم قصوعه (28 عاما) أن هذه الصنعة استهوته كثيرا، لانها من تراث الأجداد، لافتا إلى أنه برع كثيرا في صناعة الخبز العربي، والناس بدأت تشتري بكثرة هذا المنتج.
وقال قصوعه إن "الخبز العربي هو موروث شعبي في محافظة السويداء، والاباء تتناقله عن الأجداد"، مشيرا إلى أن الخبز العربي مصنوع من القمح الصافي، والناس ترغبه بشدة.
وأشار إلى أنه بدأ العمل في صنعة الخبز العربي منذ سنتين، وكانت مشاريع الخبز العربي قليلة سابقا، مبينا أن المخابز الصغيرة التي فتحت في الآونة الأخيرة كثيرة، لان الناس بدأت ترغب هذا الخبز أولا، ولوجود أزمة خبز خانقة في الفترة الماضية بالبلاد.
وقال أبو سامر (55 عاما) والذي يقطن بجانب أحد مخابز الخبز العربي إنه معتاد منذ أكثر من 10 سنوات على هذا الخبز، لانه مصاب بمرض السكر، ونصحه الأطباء بالاعتماد على القمح الصافي.
وأضاف أبو سامر وهو يحمل بيده ربطة من الخبز العربي لوكالة (شينخوا) "كنت فيما مضى معتاد على هذا الخبز عندما كانت امي تصنعه في القرية، ولكن بعد سفري لفترة طويلة خارج البلاد انقطعت عنه"، مؤكدا أن هذا الخبز لا يعلو عليه، وهو غذاء كامل، حسب قوله.
وأشار إلى أن هذه الصنعة عادت إلى الواجهة من جديد، وباتت منتشرة بكثرة في أحياء مدينة السويداء، مبينا أن هذا الانتشار يعكس اهتمام الناس بتراث الأجداد.
يذكر أن الحكومة السورية طبقت منذ أشهر آلية جديدة لتوزيع الخبز اليومي عبر بطاقة الكترونية توزع في البداية في محافظات حمص، وريف دمشق، واللاذقية، وحماة.
وتشهد سوريا واحدة من اسوأ الأزمات الاقتصادية منذ 2011، تفاقمت نتيجة الوضع السيئ الذي يشهده جارها لبنان، والعقوبات على المناطق التي تفرضها الدول الغربية على سوريا.