الاتفاق النووي الإيراني ومستقبل غامض

بقلم: سنية الحسيني

سنية الحسيني
  • د. سنية الحسيني

انتقد الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال الحملة الانتخابية بشدة انسحاب دونالد ترامب الرئيس الأمريكي السابق من الإتفاق النووي عام ٢٠١٨، وحمله مسؤولية تطوير طهران لقدراتها النووية خلال السنوات الأربع الماضية، وتعهد بالعودة للاتفاق الذي أبرم في عهد الرئيس باراك أوبامـــا عام ٢٠١٥. الا أن التطورات على الأرض كشفت بعد وصوله إلى البيت الأبيض أن استعادة الاتفاق النووي بشكله الحالي ليس بهذه السهولة. تخبطات جلية في واشنطن يعكسها تباين تصريحات مسؤولي الإدارة الأمريكية الجدد فيما يتعلق بالملف الإيراني، وتصريحات إسرائيلية  تأتي على الجانب الآخر تتحدث عن نواياها بشن هجوم على إيران، وتصريحات إيرانية رسمية تحفز الإدارة الأمريكية الجديدة للعودة للاتفاق معها، ودعوات من جهات قيادية غربية بتعديل الاتفاق بضم جهات إضافية اليه على رأسها إسرائيل، كل ذلك يزيد من فرضية عدم اليقين بمستقبل هذا الملف.     

 

صرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين نهاية الأسبوع الماضي بأن إيران قد تكون على بعد أسابيع من إنتاج مواد انشطارية كافية لصنع قنبلة نووية. وحسب الرواية الإسرائيلية، أدى انتهاك إيران بشكل ممنهج للاتفاق النووي إلى  زيارة مستوى تخصيب اليورانيوم من ٣,٦٧ في المئة الى ٢٠ في المئة، وزادت كمية اليورانيوم المخصب إلى ١٣ مرة أكثر من الكمية المسموح بها حسب الاتفاق، كما قامت بتركيب العديد من أجهزة الطرد المركزي الأكثر تقدمًا. لم يعد خفياً أن الإدارة الأمريكية في حالة من التخبط والتردد وعدم اليقين فيما يتعلق بسياستها تجاه مستقبل الاتفاق النووي الإيراني والذي تعكسه توجهات تيارين رئيسيين داخلها. يدفع الأول باتجاه العودة الفورية الى الإتفاق مع إيران، في حين يميل الاتجاه الثاني إلى إضافة تعديلات جديدة عليه، تتعلق بالصواريخ البالستية والدور الإقليمي الإيراني، وإشراك دول إقليمية أيضاً على رأسها إسرائيل في الإتفاق، وهو ما أكد عليه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.

 

وعبر جايك سوليفان، مستشار الأمن القومي، عن أولوية العودة إلى الاتفاق النووي، معتبرا بأن ذلك يمهد الطريق أمام خوض غمار القضايا الأخرى؛ وزاد تعيين روبرت مالي في إطار ذلك الملف من دعم هذا التوجه، خصوصاً وأنه أحد مهندســــــي الاتفاق النــــــووي الإيراني عــــــام ٢٠١٥. نجد على الطرف الآخر يقف كل من أنتوني بلينكن وزير الخارجية، وأفريل هاينز مديرة الاستخبارات الوطنية اللذين اعتبرا أن واشنطن لا تزال بعيدة عن التوصل إلى تفاهم مع إيران حول مصير الاتفاق النووي، مشترطا وقف إيران لانتهاكاتها للاتفاق والسماح بعودة الوكالة الذرية للطاقة للتحقق من ذلك أولاً.  وجاءت دعوة بلينكن إلى ضرورة استغلال العودة لاتفاق ٢٠١٥ كمنطلق جديد للتفاوض حول القضايا الأخرى، بالإضافة إلى تصريحات كل من بلينكن وهاينز حول نية واشنطن التشاور مع الحلفاء، والمقصود بذلك على جه التحديد إسرائيل، والسعودية بدرجة أقل، ليؤكد أنه من المبكر الحديث عن العودة للاتفاق،  خصوصاً في ظل المعرفة المسبقة بمعارضة إسرائيل والسعودية له.

 

تهتم إيران بالعودة إلى الاتفاق النووي، ويظهر ذلك جلياً في المقال الذي نشره محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني في مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية في الثاني والعشرين من شهر كانون الثاني، حيث أكد أن العودة إلى الاتفاق سيعزز من احتمالات السلام والأمن في المنطقة. وبدا ذلك الأمر واضحا من خلال العرض الذي اقترحه ظريف يوم الاثنين الماضي لجسر الخلاف حول من يبدأ أولاً بتنفيذ الالتزامات قبل العودة لاتفاق عام ٢٠١٥، بتولي جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي تنسيق تلك الخطوات، حيث أكد ظريف أن ذلك لن يستغرق الكثير من الوقت. وتهتم إيران بالعودة إلى الاتفاق النووي لعدة أسباب، على رأسها رفع العقوبات عنها، في ظل تدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية في البلاد، هذا بالاضافة إلى رغبتها بالعودة إلى الحياة السياسية والدبلوماسية الطبيعية، بعد معاناة سنوات طويلة من العزلة الدولية. ويتضح ذلك الهدف من خلال ما جاء على ألسنة الرئيس الإيراني حسن روحاني وظريف وكذلك سعيد خطيب زاده المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، حيث أكدوا جميعاً على أن العودة للاتفاق النووي تتطلب رفع كافة العقوبات عن إيران أولاً.

 

وتسعى إيران لاعادة العمل بالاتفاق النووي الذي أبرم عام ٢٠١٥، ضمن الشروط التي أتفق عليها في اطاره، حيث تعتبره إيران اتفاق دولي متعدد الأطراف أقر بقرار أممي من قبل مجلس الأمن وغير قابل للتفاوض أو لتغيير أطرافه. وكان ذلك الاتفاق قد رفع عن إيران عقوبات رئيسية وقيد جزئياً أنشطتها العسكرية والنووية وفق جدول زمني شارف على الانتهاء. وتعد العودة إلى ذلك الاتفاق ضمن ذلك الجدول مكسباً كبيراً لإيران، اذ اشترط ظريف بانه لا يمكن تغير ذلك الاطار الزمني. قيد ذلك الاتفاق شراء الاسلحة التقليدية بخمس سنوات، وانتهت في شهر تشرين الأول من عام ٢٠٢٠، وكان قد فشل ترامب بتمديد ذلك  الموعد في مجلس الأمن، وثماني سنوات يقيد خلالها شراء الصورايخ، وينتهي ذلك القيد في عام ٢٠٢٣، وتنتهي جميع تلك القيود عام ٢٠٢٥.  

 

ولا تتردد إيران اليوم في التلويح دون مواربة بجميع الأوراق التي بحوزتها في وجه الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي من شأنها تحقيق ذلك الهدف، والمتمثل باستعادة الاتفاق النووي.  ففي ظل عدم إخفاء طهران سيطرتها ونفوذها الاقليمي في العراق،  استضافت طهران زعيم حركة طالبان، بعد تعثر مفاوضات السلام مع الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة، في رسالة واضحة لواشنطن بانه لا يمكن تجاهل الدور الإيراني في البلدين، ناهيك طبعا عن دورها في وسوريا ولبنان واليمن. ولا تتردد إيران بارسال إشارات واضحة ومستمرة حول تطور قدراتها العسكرية بشكل عام والصاروخية بشكل خاص، الأمر يعتبر نوع من الضغط على الغرب للعودة للاتفاق، بالترويج لما يدور حول أثر إلغاء ذلك الاتفاق على تطور قدرات إيران العسكرية عموماً والنووية على وجه الخصوص. ولم يخرج تهديد ظريف باتخاذ المجلس التشريعي في إيران قراراً يطالب الحكومة الإيرانية باتخاذ سلسلة من الخطوات من بينها تخصيب اليورانيوم بنسبة ٢٠ بالمائة وإنهاء التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذا لم يتم رفع العقوبات بحلول هذا الشهر في إطار الضغط على واشنطن للعودة للاتفاق النووي.

 

هناك توجهان في اسرائيل حول الملف النووي الإيراني، الا أن كليهما لا يدعما احياءه بمعطياته الحاليه. يعبر موقف افيف كوتشافي رئيس أركان جيش الاحتلال التوجه الأول، والذي يعكس أيضاً موقف بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل، والذي يروج للتصعيد مع واشنطن والتهديد بشن هجمات على إيران ويرفض أي عودة للاتفاق بشكل مطلق. واصطدم نتنياهو بشكل صريح من قبل مع إدارة الرئيس أوبامـــا رفضاً للاتفاق النووي، وساءت علاقة الرجلين، دون أن يؤثر ذلك على علاقة البلدين الإستراتيجية. في حين يميل أصحاب الاتجاه الثاني، وعلى رأسه بيني غانتس وزير الحزب الإسرائيلي، بالتعامل بدبلوماسية ولين مع الإدارة الأمريكية الجديدة، خصوصا في ظل التطور الأخير الذي لحق بانضمام اسرائيل ممثلة بوزارة الحرب الى القيادة المركزية في منطقة الشرق الأوسط في  الخامس عشر من كانون الثاني، والذي يؤكد وحدة الهدف الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة.  إن ذلك التطور والذي لم تعارضه إدارة بايدن، بل على العكس قامت بدعمه، عندما أكد بايدن تأييده لاتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والعرب ونيته العمل على تطويرها. وكان "البنتاغون"  قد أشار إلى اعتبار "اتفاقيات إبراهيم" الأخيرة فرصة استراتيجية لتوحيد الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة في مواجهة التهديدات المشتركة في الشرق الأوسط، وهو ما وصفته  صحيفة "وول ستريت جورنال" أن إنضمام إسرائيل إلى القيادة المركزية الأمريكية جاء لتحفيز التعاون العربي الإسرائيلي ضد إيران.

 

تهدف واشنطن من العودة الى الاتفاق النووي الحد من قدرة ايران المستقبلية  في الوصول الى السلاح النووي. وتعلم إسرائيل بأنه ليس لديها القدرة الكافية للقضاء على قوة إيران النووية، ولو امتلكت لفعلت، كما فعلت ذلك مع دول أخرى، كما أنها تحتاج إلى تنسيق أي هجوم ضد إيران اليوم مع الإدارة الجديدة في واشنطن. لذلك تعول إسرائيل على تقويض قدرة إيران عبر تفاهماتها مع واشنطن في اطار تعديلات على الانفاق النووي. وتسعى إيران للعودة إلى الاتفاق النووي بشروطه السابقة التي تضمن تحسين أوضاعها الاقتصادية باستعادة أموالها المجمدة، وعائدات النفط المحتجزة وإعادة تشغيل القطاع المصرفي وقطاع النقل وغيرها من العقوبات التي فرضها ترامب، في ظل اقتراب انحلال القيود العسكرية المفروضة عليها في إطاره. تبدو المهمة الأمريكية باستعادة الاتفاق النووي مع إيران والذي تحدث عنها بايدن في غاية التعقيد، وقد تكون بعيدة عن التحقيق الآن، في ظل تناقض أهداف أطراف الاتفاق، وانشغال الإدارة الأمريكية الجديدة في ملفات أكثر الحاحاً.

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت