الإدارة الأمريكية وحرب الأفكار

بقلم: محمد حسن أحمد

محمد حسن أحمد
  •  بقلم أ. محمد حسن أحمد

   تتعدد الحروب وفقًا لأهدافها باستخدام أساليب مبتكرة لتحقيق ما يصبو إليه قادتها السياسيون وهذا متعارف عليه لدى خبراء الاستراتيجية، لأن هناك تعريفًا لعلم الاستراتيجية بأنه فن استخدام القوة، وكذلك فن تحقيق الممكن، وأيًا كانت التعريفات المتعددة فإن أشكال الحروب وأساليبها تنحى باتجاه الحروب غير الكلاسيكية، على الرغم من أهمية القوة العسكرية والتقدم التكنولوجي لامتلاك ناصية القوة؛ لذلك نجد أن حرب الجيل الرابع تحقق أهدافًا دون استخدام جيوش الدول العظمى التي تتعامل مع الدول النامية وحتى المتقدمة فيما بينها على صراع الأفكار باعتماد أيديولوجيات ترتكز إلى نظريات علم الاستراتيجية لكيفية هدم دول وإقامة إمبراطوريات على أنقاضها، وعلى حساب شعوبها، فمشاهد ما يُسمى بالربيع العربي ماثلة أمامنا في دول عربية وغيرها، حيث التآكل الذاتي يذوب في أوصال أنظمة أدى إلى تلاشيها وخلق بدائل ومرجعيات ونخب سياسية مدعومة بنخب مصطنعة؛ لتمرير القيم التي يريدها الاستعمار، وعندما نعود إلى خمسة عقود خلت في سبعينيات القرن الماضي نستحضر أسس حرب الأفكار التي وضعها "لويس باول" لمواجهة الفكر الشيوعي المضاد للفكر الرأسمالي، حيث تزامن هذا مع مراحل توازن القوى في النظام العالمي بين الكتلة الشرقية والغربية، حتى تفكك الاتحاد السوفيتي وبروز سياسة توازن المصالح، في الوقت الذي أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هي وحيد القرن، وباتت الفوضى هي سيدة الموقف لتفرد الإدارة الأمريكية على رأس النظام العالمي، وانشغال روسيا في شأنها الداخلي، ومن هنا بدأت الإدارة الأمريكية تبحث عن عدو مفترض بدل الشيوعية؛ لكى تتمكن من استغلال دول العالم ولعب سياسة شد الأطراف كيفما تريد وتتطلب مصالحها، فلجأت إلى محاربة ما يسمى بالإسلام المتشدد حسب المواصفات الأمريكية والاستعمارية، وقد أطلق وزير الدفاع الأمريكي دونالد راميسفيلد موجة جديدة من حرب الأفكار عندما قال في حديث لصحيفة الواشنطن بوست في 27/3/2003م إبان غزو العراق: نخوض حرب أفكار مثلما نخوض حربًا عسكرية لتغيير مدارك الشعوب كوجه آخر للحروب، كما نصت الورقة الرئيسة لاستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت على أن أحد أهم أدوات أمريكا في نشر مبادئها في الشرق الأوسط هو شن حرب أفكار مع اللجوء للخيارات العسكرية عند الحاجة، حتى إن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس عبرت عن قلقها من إنهماك أمريكا في تلك الحروب الصليبية الفكرية فقالت في مقالة لها في واشنطن بوست ديسمبر 2005م: إننا ضالعون في حرب أفكار أكثر مما نحن منخرطون في حرب جيوش ، وأشار تقرير عن نتائج حروب بوش نشر عام 2007م عن البنتاغون إلى أن أساليب حكومة بوش كانت فاشلة في إدارة حروب أمريكا في شقيها العسكري والفكري، وجاء فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تورطت في صراع عالمي بين الأجيال بشأن المعتقدات والأفكار، ولم يعد هذا الصراع قاصرًا على مواجهة بين الإسلام والغرب فقط، بل بين الغرب وبقية العالم.

   إن الحديث عن حرب الأفكار ظل موصولًا بعد وصول الديمقراطيين للسلطة في أمريكا بزعامة بارك أوباما الذي قال في كتابه "جرأة الأمل ": إن أمريكا تخوض في الشرق الأوسط صراعًا مسلحًا وتخوض في الوقت نفسه حرب أفكار، إلى أن جاء دونالد ترامب بتطرفه الذي اصطدم بجدار الواقع، وكشف الوجه الحقيقي للإدارة الأمريكية، وحاليًا فإن جو بايدن الرئيس الحالي سيواصل سياسة الحزب الديمقراطي بتكريس وتجسيد اللون الرمادي؛ من أجل دغدغة مشاعر الدول والعالم العربي والإسلامي.

   وخلاصة القول: إن الإدارة الأمريكية تنفذ السياسة الخارجية بما تتطلبه مصالحها كقوة عظمى، وما إدارتها لملفات الصراعات في العالم وخاصة الصراع العربي الاسرائيلي إلا دليلٌ واضحٌ على  أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تحقق أهدافها بشكل مطلق خاصة في استهداف الأمة العربية والإسلامية؛ لأن الغرور الأمريكي وصلف القوة والغطرسة سيرتد إلى نحورهم، ذهبت إدارة بوش الأب، وذهبت إدارة بوش الابن، وإدارة أوباما، وآخرها كانت إدارة ترامب، وظلت الأمة العربية والإسلامية في أوطانها رغم الجراح التي لحقت بها من الإدارة الأمريكية وأقطاب الاستعمار.

   وفي الشأن الفلسطيني سيظل الشعب الفلسطيني صامدًا على أرضه ، ولم يغادر وطنه في الوقت الذي تغادر الإدارات الأمريكية، وهذا يحتم على أمتنا وقيادتنا أن يدركوا جوهر الصراع الممتد بين الأمة العربية والإسلامية من جهة، وقوى الاستعمار وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وكيان الاحتلال الإسرائيلي وحلفائها، ولابد أن نتذكر ما قاله ابن خلدون في مقدمته أن العرب لا يحصل لهم الملك والقوة والمنعة إلا بصبغتهم الدينية، وبوحدتهم والتمسك بدينهم الذي تحاربه قوى الاستعمار، خاصة أن عناصر القوة تزخر بها الأمة العربية والاسلامية على صعيد الموارد البشرية والإمكانيات والثروات التي تؤهل أمة العرب أن تكون قوة عظمى، ولكن هذا يتطلب أن نتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت