الانتخابات ورهان ممارسة المواطنة

بقلم: رمزي النجار

د. رمزي النجار
  •  د. رمزي النجار
  • استاذ القانون الدستوري والنظم السياسية

في ظل إعلان مواعيد إجراء الانتخابات العامة في فلسطين التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني بالتتابع وخلال مدة زمنية محدده، ليس من الغريب بشيء في ظل حالة الانقسام الفلسطيني أن تبدو دواعي إنجاز المصالحة الوطنية من خلال مدخل الانتخابات، كخيار ومشروع واضح لقياس تحقيق الشراكة السياسية واستمرار المشاركة السياسية نحو إتمام عملية التحول الديمقراطي الفلسطيني، والاستمرار في استكمال متطلبات التغيير برغم كل المحددات أو القيود التي ما تزال تفرز قوة تأثيرها السلبية على مسيرة الديمقراطية الفلسطينية لحداثة التجربة والانتقال من مرحلة النضال الوطني إلى مرحلة بناء مؤسسات الدولة، التي ترسخت بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث شابها العديد من النواقص في الممارسة العملية من عدم احترام التعددية السياسية والحزبية، وضعف مؤسسات المجتمع المدني، والنقص في النصوص الدستورية والقانونية، واللجوء إلى القوة في حسم الخلافات السياسية بين القوى السياسية التي عكست بنفسها سلباً على حالة حقوق المواطنة الفلسطينية وخاصة المواطنة السياسية.

وفي نظرة تقييمية خلال سنوات الانقسام نرى أن الانغلاق الحزبي ساهم نحو الاستقطاب السياسي الحاد بين القوى السياسية في تفضيل الانتماءات الحزبية الضيقة على حساب الانتماء الولاء الوطني، ورهان الموقف الحزبي في أيدي دول خارجية لتحقيق مصالحها السياسية على حساب المصلحة الفلسطينية العليا، وبالتالي تعميق الانقسام في الساحة الفلسطينية كجزء من أدوات المناكفات السياسية في المنطقة، ونتيجة لذلك توقف المسار الشعبي في المشاركة السياسية لسنوات طويله، وخاصة المسار الانتخابي لتجديد شرعية المؤسسات التشريعية والتنفيذية، ودخول فلسطين في دائرة حالة عدم الاستقرار السياسي، وأدت تراكمات سنين الانقسام إلى تعطيل عملية البناء المادي والمعنوي للمواطنة الفلسطينية، حيث كرست بشكل أو بآخر الشعور لدى مختلف المواطنين بالشخصية المنفصلة والاغتراب داخل الوطن، وأحيت ارتباط الأفراد بالولاءات الأولية مما جعل من الوطنية الفلسطينية مفهوماً عائماً لا يخدم مقصداً مشتركاً لدى الجميع ولا يعبر عن الذات الفلسطينية.

 وبصفة عامة يعد ممارسة المشاركة السياسية حقاً يؤديه المواطنين بصفة إرادية طوعية ومكتسب وفقاً للدستور والقانون نحو بناء دولة المؤسسات القائمة على المواطنة الصالحة، وتضمن القانون الأساسي الفلسطيني ومشروع مسودة دستور دولة فلسطين نصاً واضحاً يقر حق المشاركة السياسية كما أغلب الدساتير في العالم، فالنص الدستوري للحق في المشاركة السياسية وتجسيد حق المواطنة يشكل صيانة وضمانة حقيقية وموضوعية ومستقل بذاته يكفل ممارسة تلك الحقوق، لذا لا عبرة من وجود القانون وسيادته إذا لم يكن هادفاً إلى حماية الحقوق السياسية، فالدستور هو أرقى مرجعية للتعبير الجامع عما ارتضاه المواطنون كثمرة تجربة وخبرة ومعاناة مشتركة نحو ترسيخ حقوقهم كمواطنين دون تمييز.

والمشكلة الكبيرة في المنطقة العربية في الممارسات وليس في القوانين، حيث أن الممارسات غالبا ما تفرغ القوانين من محتواها، وتفشل أهداف غالبية السياسات، وهي الحال مع واقع المواطنة السياسية في فلسطين، لذا لا معنى للمواطنة السياسية من غير ممارسة فعلية على أرض الواقع، لأن الممارسة هي التي تعطيها القيمة، حيث تصبح بدون ممارسة ترفاُ لا فائدة منه، وهذه الممارسة هي الضامن الوحيد للدخول إلى دلاله دولة الحداثة والديمقراطية، لذا العبرة ليست في مبنى النصوص وشكلها فقط، وإنما في إعمالها من الناحية الواقعية، فلا يكفي وجود الأساس النظري للمشاركة السياسية والمواطنة بالنص في الدستور والقوانين المختلفة على مقتضيات المشاركة والمواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، وإنما يجب تفعيل ذلك من خلال دورية الانتخابات وممارستها على أرض الواقع قولاً وعملاً.

وباعتقادنا أن الأفعال التي يقوم بها المواطنون والتي تكتسي الصيغة القانونية، كالحق في الانتخاب والتصويت، وحق العضوية في مؤسسات المجتمع المدني، والتأثير في عمليات صنع القرارات، تعبر عن درجة المشاركة السياسية واحترام حقوق المواطنة، فالمشاركون هم المواطنون الذين يتصفون بالنشاط والفاعلية ويشتركون في العمل السياسي العام، ويحضرون الاجتماعات العامة، وينضمون إلى الأحزاب السياسية، ويخصصون جزء من أوقاتهم للاهتمام بالقضايا والمشكلات العامة للمجتمع، بينما لو شعر المواطنين بأنهم أقل شأنا وأدنى كرامة ومهمشين في حقوقهم السياسية وغيرها، فحتماً يؤدي ذلك إلى تصدع حق المشاركة ومبدأ المواطنة.

لذلك؛ تعد الانتخابات جوهر الممارسة الديمقراطية الحديثة لأنها مرتبطة باحترام الدولة للحريات الأساسية للمواطنين، وأهمها حرية الرأي والتعبير، وحرية تنظيم التجمع السلمي، وغيرها من أشكال الحرية المختلفة، وبالتالي لا يمكن تصور تحقيق المشاركة السياسية بدون تدعيم تلك الحريات، والتي منها حق المواطنة المرتبطة بصورة مباشرة بحق المشاركة السياسية، كما تعد دورية الانتخابات من المحددات الأساسية للعملية الانتخابية، بمعنى أن تنظم بشكل دوري خلال المدة المحددة دستورياً دون افتعال أسباب وظروف استثنائية لتبرير تأجيل الاستحقاقات الانتخابية، خاصة عندما تكون الدولة لا تعرف حالات من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية؛ فالانتظام هو احترام النظام السياسي للمدة الانتخابية المحددة من أجل اتاحة المجال أمام المواطنين في تفعيل حقوقهم لإحكام شروط التداول أو التغيير، ذلك أن الوعي بالمواطنة يعتبر نقطة البدء الأساسية في تشكيل نظرة الفرد إلى نفسه بالمواطن الصالح، وتبرز هنا المشاركة كأساس لتحقيقها بقنواتها المتعددة، فمساهمة المواطنين في العملية السياسية ومشاركتهم في صنع وتنفيذ السياسات يعبر عن انتمائهم الحقيقي إلى مجتمع المواطنة.


 [email protected]

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت