على مفترق طرق " سيناريوهات ثلاثة "

بقلم: علي شنن

د.علي شنن
  • بقلم / د.علي شنن
  • استاذ التخطيط الاستراتيجي والدراسات المستقبلية المساعد

لم يستغرق مجتمعنا الفلسطيني وقتاً طويلاً في التفكير حتى أحدثت مجريات الانتخابات تقسيمات ثلاثة في صفوفه أدت بأفراده إلى الانسياق لأحدها. فالمفارقات الحياتية البعيدة جداً التي يعيشها هذا المجتمع واقعاً خلال سنواته الأخيرة، اثرت على طبيعة أيديولوجية التفكير لديه، فمن غير الممكن أن نتوقع من الفئة المجتمعية التي عاشت أسوء حالاتها الحياتية من فقر و تقشف ونقص في شتى متطلباتها المعيشية أن تجدد ثقتها بمخرجات العملية الإنتخابية، وفي المقابل لا يمكننا أن نتصف بمستوى ذلك الغباء الذي يجعلنا نتأمل بمن غلبت عليهم العنصرية الحزبية أن يسلكوا مسلكاً مغايراً للطريق الذي سيسلكه فصيلهم سواء كانوا مقتنعين بذلك المسلك أم لا، وعلى نقيض ما سبق فإنه من المؤكد أن هناك فريقاً ذو أيديولوجية مختلفة عن الفريقين السابقين، يتبنى أفراده مبدأ التغيير للوصول إلى مجتمع مدني خال من اليأس الذي يتبناه الفريق الأول، وأيضاً خال من العنصرية العمياء التي يتبناها الفريق الثاني، وبلا شك فإن هذا الفريق ينادي ( بما يتبنى من مباديء و ثقافات ) إلى ضرورة اغتنام هذه الفرصة المتاحة ( الانتخابات) لإحداث التغيير المنشود والمأمول من أجل الوصول مستقبلاً إلى هدف عام يتمثل بالمجتمع المدني المأمول .
وهذا بالضبط ما جعل مستقبلنا الفلسطيني قابع في هيئته ثلاثية الأبعاد على مفترق طرق يحدد بدوره وجهته المستقبلية القريبة كانت أو البعيدة. فتغليب أي تلك الفِرق الثلاث سيقودنا بأبعاده إلى مناطق ثلاثة مختلفة كلياً عن بعضها البعض لا يمكن تغيير المسار من أحدها للآخر إلا بعد تكبد عناء عظيم و وقت أعظم وخسارة وطنية ومجتمعية أعنف وهذا بالطبع إن تم اختيار المسلك الخاطئ .

السيناريوهات الثلاثة المتوقعة :
إن المتابع لنشاط عملية الإنتخابات بشكل عام، والنظرة الخاصة للمجتمع الفلسطيني إزاء هذه الانتخابات على وجه الخصوص، يجد أن هناك صعوبة بالغة جداً في توقع ما ستؤول إليه هذه الانتخابات في حال حدوثها، وبالطبع هنالك صعوبة في تنبؤ الطريق الذي سيتم سلوكه من الطرق الثلاثة لهذا المفترق، لذلك سأتيح فرصة التأمل للقارئ ومن ثم التوقع بأي تلك الطرق التي سيتم سلوكها من خلال ما سيتم توضيحه في هذه السيناريوهات الثلاثة الآتية :

أولاً: سيناريو التعلق بالموجود
والتعلق بالموجود يتبناه الكثيرين كحل مناسب من وجهة نظرهم، ويعود ذلك إلى اليأس التي تمكن منهم بسبب ما عاشوه من ظلم جعلهم يصلون إلى أقصى درجات التَطيُّر، وهذا تحديداً ما يحملهُ مناصروا الفريق الأول في خلجاتهم، الذين ذاقوا الأمرين في السنوات السابقة وعانوا اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً لدرجة جعلتهم يفقدون الأمل بأي نموذج كان، سواء كان هذا النموذج عبارة عن حزب أو شخصية عامة أو حتى مقترح لإيجاد حل لمعالجة مشاكلهم المتعمقة داخلهم مُنذ سنوات . وبالطبع فإن هذا الفريق سيكون أول العازفين عن عملية الانتخابات و الرافضين لصناديق الاقتراع.
وهنا سيكون لهذه الفئة دور قوي في إبقاء الواقع على ما هو عليه دون أي تغيير، فعزوف أولائك سيتيح فرصة جيدة لبعض الاحزاب بأن تتمتع بمنافسة قوية تجعلها تقترب من تحقيق الفوز بنسبة عالية في الانتخابات. وبالتالي الوصول إلى نفس النقطة التي بدأنا منها دون أي تغيير يذكر أو انجاز متعلق بالسبب الرئيسي لهذه الانتخابات .
وفي حال تحقق ما يقتضيه هذا السيناريو سنجد أن الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية و التعليمية ...إلخ، لن تحظى بأي شكل من أشكال التغيير الإيجابي، على عكس ذلك تماماً فإنه من المتوقع في ظل هذا السيناريو أن تتدهور الحالة الفلسطينية على جميع الأصعدة السياسية منها والاقتصادية لا سيما أن نظرة الدول المحيطة لفلسطين ستزداد سوء، وهذا بطبيعة الحال سيقود تلك الدول إلى أخذ جملة من التدابير و القرارات التي بدورها ستُطبِق في خناقها على دولة فلسطين بصورة أكثر حَزماً و تركيز من الحصار القائم في السنوات الأخيرة .

ثانياً: سيناريو التملق الحزبي
ومما لاشك فيه أن هذا السيناريو يعتمد في حدوثه على وجود عدد كبير من المجتمع لا يؤمن أساساً بأهمية الانتخابات في إحداث التغيير، وبالتالي عزوف أعداد كبيرة عن ممارسة حقهم في الانتخاب ( تحديداً ما حمله السيناريو الأول ) وهذا من جانب، ومن جانب آخر تغليب عامل العنصرية على عامل العقل لدى أنصار الأحزاب والتنظيمات بطريقة تجعلهم يغلِبُون مصلحة الحزب على المصلحة الوطنية العامة، وبالطبع لن يتحقق ذلك إلا من خلال غياب تأثير الفريق الثالث ( الذين يتبنون مبدأ وثقافة التغيير للوصول إلى مجتمع مدني) وضعفهم في نشر الوعي بين أفراد المجتمع متيحين بذلك فرصة قوية لمناصري الأحزاب والتنظيمات المتنفذة في خوض المعركة الإنتخابية بأريحية تامة وبطريقة تجعلهم يحظون بفرص قوية في جني مكاسب سياسية من خلال الحصول على نسب عالية أثناء عملية الإقتراع . وهذا بالطبع يختلف بنتائجه السياسية و الاقتصادية باختلاف الحزب أو التنظيم الذي سيقود بعد نتائج الانتخابات، وذلك بطبيعة الحال متعلق بما يملك التنظيم الذي سيمتطي القرار السياسي من خبرات سياسية وعلاقات دولية و أرضية مجتمعية تتيح له المجال في احداث التغيير المأمول، والعكس صحيح تماماً .

ثالثاً: سيناريو التألق بالتغيير
كما انه لاشيء يسود للأبد، وأن الحَسنة تخُص والسيئة تعُم،وهذا على صعيد الأُمَم، أما فيما يتعلق بالمجتمعات فإن التغيير لا يُطلب بالتمني وإنما يؤخذ بالثقافات، وهذا تحديداً ما قد تحمله بعض العقليات الموضوعية في مجتمعنا، ممن هم لا يعيشون التعصب الأعمى في تَبَعِيتهم التنظيمية ويسمحون لعنان فكرهم التحليق إلى ما بعد الحلم والتمني بل والتأمُل بوطنٍ إنتظرهُ الجميع، وقد ينتمي إلى هذا الفكر أيضاً من تخلوا أظافرهم من التشبث بأي التنظيمات الفلسطينية، فهم يرون أنهم أحراراً في أفكارهم و ميولهم وقراراتهم، وأياً كان هم فإنني أتوقع بأن عددهم ليس بالقليل، وأكثر ما يميز هذه الفئة عن غيرها أن أصحابها ينادون دوماً بالتغيير الإيجابي، لذلك فإنهم حتى ولو تخللهم عدداً ممن يميلون بانتمائات لفصيل هُنا أو لتنظيم هناك، فهذا لن يضر بهم طالما أن الهدف هو التغيير .
ولكن سيبقى تحقق هذا السيناريو ضعيفاً إذا لم يسرع رواده ممن ينادون بالتغيير الإيجابي لنشر الوعي بين أفراد مجتمعهم لا سيما أولائك الذين لا يجدون أملاً بأن هناك يوم قادم سيعيشونه كما يتمنون، وهم بالتحديد ما قصدناهم في السيناريو الأول في هذا المقال .

ومن جانب آخر، قد ننظر من خلاله بطريقة أكثر تأملاً . قد يحدث و نجد فصيلاً فلسطينياً ما يتبنى هذا المبدأ لتبني أبنائه و مناصريه المبدأ نفسه، فيسعى بصدق وثبات لتغليبه و تبنيه لا لشيء، وإنما قد يكون السبب لأنه الطريق الأقرب للخلاص الفلسطيني الجامع، والحل الأنسب للخروج من المأزق السياسي الأخطر على قضيتنا الفلسطينية مُنذ نشأتها .
فهذا السيناريو يتمثل في طريق تغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الحزبية و الشخصية في سبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من قضيتنا الفلسطينية المتناثرة الأطراف و المتمزقة الجسد و المُعذبة الروح .

ولعل الوعي بما نحن بحاجته الان لنكون وتكون فلسطين كما نتمنى غداً هو اكثر ما ينقصنا في هذه الاوقات. لا يعلم أحداً منا الحقيقة، قد تكون فرصتنا الأخيرة ..

وكما سبق أن ذكرت في إحدى مقالاتي السابقة، لا يهم من يقود ( أنا أم أنت ) المهم كيف سنصل بالنهاية للوطن .

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت