قفشات من اعلى مرتفعات بلاد الشام

بقلم: علي بدوان

علي بدوان من جبل الشيخ بالمنظار العسكري نحو صفد
  • بقلم علي بدوان ... عضو اتحاد الكتاب العرب

الطقس شديد البرودة. بل وصقيعياً يقزقز كالزجاج المُتحجر بثلوج سيبيريا المتجمدة منذ سنوات. لكن مش مهم ... المهم القيام بالواجب الملقى على عاتقنا في الموقع اياه.. ومحاولة حماية ووقاية الذات. فالبقاء الحي لكلٍ منا واجب ايضاً.

كانت قمة الجبل، أو المرتفع 2814، المعروفة باسم قصر الأمير العربي (شبيب التبعي)، واحدة من ثلاثة قمم أساسية في بلاد الشام (قمة جبل الشيخ 2814 + قمة الباروك في لبنان المعروفة باسم الغرفة الفرنسية + قمة الجرمق المُتربعة عل جبال كنعان في فلسطين عند مدينة صفد). كانت كأنها ثلاجة لايتوقف انخفاض زئبق مؤشر برودتها، بل يزداد هبوطاً كل لحظة، ليلامس المناخ البارد كل شيء، حتى الهواء الذي يتكاثف متحوّلاً الى ضباب تكاد لاترى ولاتسمع من هو بجوارك تماماً.

السرية المدافعة عن الموقع، والتي تحمل أمر القتال الميداني، والمحتشدة، كانت في جزء منها من (قوات أجنادين) من جنود جيش التحرير الفلسطيني، وتحت قيادتي باعتباري الضابط المجند الأقدم بين الموجودين...

كان العيلوطي الفلسطيني الشرس ابن مخيم اليرموك (محمود سليماني)، صاحب النشاط المُفرط، والطاقة الفائضة، يهوى اللعب تحت البرودة الشديدة، بل ويهوى مقارعة  زمرة من الحيوانات شبه الأليفة التي تُسمى (الحصيني) و (الثعالب)، والتي تأتينا وتجوب حولنا ساعات البرد الشديد، تبحث عن الغذاء. حيث لانبخل عليها...

أما اليرموكي الأخر، (محمد انشاصي) فكان يقضي كل وقته في المهجع تحت الأرضي، يتفنن بتحضير الوان الطعام من المواد (الجافة)، بذوقٍ وحرفية، كأنه "معلم عشي" في مطعم خمس نجوم من مطاعم دمشق وسهل الزبداني.

فيما كان (خالد جهاد خير) الترشحاوي العكاوي، وابن مخيم حندرات، يجلس يتقهقه، ويصول ويجول بالنكات هنا وهناك... يأخذ الأمور على بساطتها ... كذلك حال الفلسطيني الجزماوي ـــ من بلدة اجزم قضاء حيفا ـــ خالد مشينش. الذي كان يعمل بالأساس (قبل العسكرية) مع عمال الدفن في تربة باب الصغير. ووالده من شهداء القوافل الأولى في الثورة الفلسطينية المعاصرة.

جبل الشيخ


أما (يوسف) الفلسطيني (الغوراني) من مخيم جرمانا، خفيف الظل، (العونطجي) باللهجة الدمشقية، فهو لعيّب، يحاول دوماً اللعب على الجميع، فــ "يسمع عندما يريد"، ولايسمع (تنطرش أذناه) "عندما لايريد أن يَسمع" موضوعاً مُحدداً، خاصة مايتعلق منه بالتعليمات اليومية.

(يوسف الأخر)، من مخيم درعا، الفلسطيني البدوي الأساس من منطقة بيسان، الأسمر (أو القرب للحنطي)، لكنه صاحب العينان الخضراوتين اللامعتين، فكان قمة الهدوء والروعة والإلتزام والإتزان. بينما كان (محمد مشوّح جمعة) من مخيم (السيدة زينب)، المقاتل الفهلوي من بين كل مقاتلي السرية الفدائية لقوات اجنادين.

تلك المرحلة الجميلة، زينها القائد الأعلى مني مباشرة، والذي يتفقدنا كل بضعة أيام المرحوم النقيب توهان النادر (من عرب المواسي) صاحب القفشات والنكتة الدائمة والحاضرة. ومعه الملازم أول المرحوم (خالد مصطفى الحسين) والملازم أول (قاسم الرتعان). أما الزيارات الميدانية الأعلى فكانت تتم من قبل قائد القوات العميد الركن المرحوم (علي قاسم أسعد) من بلدة عين غزال قضاء حيفا، ونائبه العقيد الركن اسماعيل صرصور من مدنية اللد.

في تلك السنوات الماضية، كان التأخي، ووحدة الشعب والتاريخ، والمصير، والمستقبل ... هي السائدة عندما كنّا في الموقع من الجيش العربي السوري وجيش التحرير الفلسطيني، وبقيادتي باعتباري الأقدم من بين الضباط المجندين.

(الصورة : في الصيف بعد ذوبان الثلوج، أوجه رؤيتي، وبالمنظار العسكري نحو مدينة صفد شمال فلسطين).

 

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت