أصدر المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية " مدار" ، يوم الأحد، تقدير موقف بعنوان " انتخاب ميراف ميخائيلي ومكانة حزب العمل في المشهد السياسي الإسرائيلي" .
وفيما يلي نصه:
تقدير موقف
انتخاب ميراف ميخائيلي ومكانة حزب العمل في المشهد السياسي الإسرائيلي
14/2/2021
تهدف هذه الورقة إلى تحليل مكانة حزب العمل في المشهد السياسي الإسرائيلي ولا سيما في السنوات القليلة الماضية، وكذلك في دورة الانتخابات القادمة التي ستجري يوم 23 آذار المقبل.
تحاول الورقة التطرق إلى السؤال المركزي الذي يدور في أروقة المشهد الإسرائيلي، سياسيا وإعلاميا وأكاديميا، وفحواه: هل انتهى الدور السياسي والتاريخي لحزب العمل، الحزب المؤسّس لإسرائيل، وهل الحزب يلفظ أنفاسه الأخيرة، وما عودته في آخر لحظة من خلال انتخاب رئيس جديد له، يتمثل في عضو الكنيست ميراف ميخائيلي، واجتيازه نسبة الحسم حسب استطلاعات الرأي العام، سوى لحظة استفاقة مؤقتة من الغيبوبة التي تسبق الموت، وأن الحزب فعليا أنهى دوره التاريخي والسياسي في إسرائيل.
ستجتهد الورقة في الإجابة على كل ذلك، مع التركيز على رئيسة الحزب ميخائيلي.
خلفية
منذ هزيمة إيهود باراك في انتخابات رئاسة الحكومة العام 2001 أمام مرشح الليكود آنذاك أريئيل شارون، بدأ حزب العمل في مسار انتهى بفقدان مكانته كحزب سلطة، باستثناء فترة "المعسكر الصهيوني"، الذي كان تحالفا بين حزب العمل وحزب "الحركة" (هتنوعا) برئاسة تسيبي ليفني، ونافس على رئاسة الحكومة بقيادة إسحاق هيرتسوغ عشية انتخابات عام 2015. وقد حصل "المعسكر الصهيوني" في تلك الانتخابات على 24 مقعدا، غير أن الليكود فاز بعدد أكبر من المقاعد بحصوله على 30 مقعدا. وفي العقدين الماضيين كانت هذه الفرصة الوحيدة وعلى ما يبدو الأخيرة التي ظهر فيها حزب العمل كبديل للسلطة بشكل جدي، وبصورة مُحدّدة منذ انتخابات العام 2003 (حصل فيها حزب العمل برئاسة عمرام متسناع على 18 مقعدا وحصل الليكود برئاسة شارون على 38 مقعدا).
في ضوء هذا، يشكل العقدان الماضيان المرحلة التي تآكل فيها حزب العمل وفقد مكانته كحزب سلطة، ويعود ذلك إلى عوامل كثيرة لعل أهمها تداعيات الانتفاضة الفلسطينية الثانية على المجتمع الإسرائيلي، وفشل خيار المفاوضات، إلى جانب تحولات ديمغرافية، وتحولات في البيئتين الإقليمية والدولية، وارتفاع المستوى الاقتصادي في العقد الأخير نتيجة السياسات الاقتصادية الليبرالية اليمينية، وكذلك حالة الاستقرار الأمني والاستراتيجي النسبي في تلك الفترة، ما جعل منظومة اليمين بمثابة الخيار الأفضل للمجتمع الإسرائيلي[1].
بالإضافة إلى ذلك، تميز العقدان الماضيان بصراعات وانشقاقات داخلية في حزب العمل، وربما يعود ذلك إلى فقدان الحزب مكانته كحزب سلطة من جهة، حيث أن خسارة انتخابات تفتح المجال لتنافس من جديد على الرئاسة والنفوذ في الحزب، ومن جهة أخرى يعود إلى تحولات ديمغرافية في قيادة الحزب، ودخول جيل جديد للحزب اعتبر أن المشروع الاقتصادي- الاجتماعي هو المشروع الأهم للحزب وهو ما يمكن أن يميزه عن حزب الليكود بعد الفشل في المفاوضات ونجاح شارون في قمع الانتفاضة الفلسطينية الثانية. لذا فقد تناوب على رئاسة الحزب في العقدين الماضيين أكبر عدد من الرؤساء، لم يحظ أي منهم بمنصب رئاسة الحكومة، بينما للمقارنة تناوب على رئاسة حزب الليكود منذ تأسيسه أربعة رؤساء حظي جميعهم بمنصب رئاسة الحكومة (مناحيم بيغن، إسحاق شامير، أريئيل شارون، بنيامين نتنياهو حتى الآن). في المقابل تناوب على رئاسة حزب العمل في العقدين الماضيين سبعة رؤساء: بنيامين بن إليعازر، عمرام متسناع، عمير بيرتس (مرتين)، شيلي يحيموفيتش، إسحاق هيرتسوغ، آفي غباي، ميراف ميخائيلي.
الانتخابات الأخيرة وما بعدها
تولى عمير بيرتس رئاسة حزب العمل للمرة الثانية عشية انتخابات الكنيست الـ22، في أيلول 2019، بعد فشل آفي غباي في انتخابات الكنيست الـ21 في نيسان 2019، وتحالف بيرتس مع حزب "غيشر" برئاسة أورلي ليفي- أبكسيس المنشقة عن حزب "إسرائيل بيتنا"، واستمر بهذا التحالف للمرة الثانية رغم تأكيد فشله في انتخابات أيلول. وشهدت انتخابات 2020 انهيارا كاملا لحزب العمل، حيث أضر
التحالف بين ميرتس وبين العمل- غيشر بالقوة الانتخابية لهذا التحالف. فقد حصل الحزبان في انتخابات أيلول على 11 مقعدا (6 مقاعد للعمل- غيشر و5 مقاعد لميرتس)، فيما حصل التحالف في
أيلول على 7 مقاعد، أي أنّه خسر أربعة مقاعد. ويعود ذلك إلى أن التحالف ساهم في عزوف ناخبين للحزبين عن التصويت له. وبعد تأليف الحكومة قرر بيرتس الدخول إلى حكومة نتنياهو- غانتس جاعلا حزب العمل جزءا من حزب "أزرق أبيض" برئاسة غانتس. واعترضت ميراف ميخائيلي على هذه الخطوة وحاربتها حتى بعد تصويت حزب العمل على الدخول إلى حكومة نتنياهو، وبقيت على موقفها الرافض والمعارض واعتبرت أن تلك الخطوة تشكل تدميرا للحزب ومخططا لدمجه في حزب "أزرق أبيض"[2]. بعد حلّ الكنيست وتقديم الانتخابات، رفض عمير بيرتس إجراء انتخابات داخلية في الحزب، وفي نفس الوقت رفض الخروج من الحكومة بعد حلّ الكنيست. وتوجهت ميخائيلي إلى المحكمة ضد قرار بيرتس فحكمت لصالح إجراء انتخابات داخل الحزب. في هذه الفترة كانت أغلب استطلاعات الرأي تنذر بفشل الحزب في اجتياز نسبة الحسم، الأمر الذي كان سيحسم نهج بيرتس في دمج الحزب مع حزب "أزرق أبيض". بعد قرار المحكمة أجريت انتخابات لرئاسة الحزب فازت بها ميخائيلي، وبعد فوزها أظهرت استطلاعات الرأي فوز حزب العمل بـ7-8 مقاعد في الانتخابات، بمعنى أنه ضاعف قوته الانتخابية بعد فوزها، على ضوء هذه النتائج أعلن كل من بيرتس وإيتسيك شمولي اللذين كانا يشغلان منصب وزيرين في الحكومة عن انسحابهما من الحياة السياسية ولكنهما قررا
البقاء في منصبيهما في الحكومة حتى تشكيل الحكومة القادمة، على الرغم من أن أول قرار اتخذته ميخائيلي هو انسحاب حزب العمل من الائتلاف الحكومي.
ويمكن تفسير هذا التحول في النتائج بالعوامل التالية:
أولاً: بعد انضمام حزب العمل إلى الائتلاف الحكومي برئاسة نتنياهو ممثلاً بعضوي الكنيست بيرتس وشمولي من أصل 3 أعضاء كنيست، تراجع تأييد الحزب لدى قواعد الحزب التي اعتبرت هذه الخطوة بمثابة "خيانة" لمصوتي للحزب، فقرروا التصويت لأحزاب بقيت في المعارضة مثل حزب "يوجد مستقبل". وعندما تم انتخاب ميخائيلي عاد جزء من المصوتين للحزب، لا سيما بعد قرار الانسحاب من الائتلاف الحكومي.
ثانياً: عاد التحالف الذي قام به بيرتس في دورتي الانتخابات السابقتين مع حزب "غيشر" بالضرر على الحزب، لا سيما بعد أن حافظ بيرتس على هذا التحالف رغم إخفاقه في دورة انتخابات الكنيست الـ22 (أيلول 2019). كما أن ليفي- أبكسيس انسحبت من التحالف بُعيد الانتخابات وانضمت إلى حكومة نتنياهو- غانتس.
ثالثاً: أعاد انتخاب ميخائيلي الأمل لدى الكثير من المصوتين للحزب الذي قرروا عدم التصويت له بسبب توجه بيرتس لدمجه في حزب "أزرق أبيض"، والذي اعتبر أيضا أن رئيسه بيني غانتس خدع مصوتيه بانضمامه إلى حكومة مع نتنياهو.
رابعاً: انتهازية بيرتس، فالكثير من المصوتين لحزب العمل اعتبروا أن هذا الأخير دمر الحزب في الدورتين السابقتين، فضلا عن انتهازيته وتنقله بين الأحزاب المختلفة، وبعد انتخابه تراجعت قوة
الحزب أصلا في الانتخابات السابقة، احتجاجا على عودته كرئيس للحزب، بينما اعتبرت ميخائيلي بأنها إنسانة مثابرة في مواقفها الإيديولوجية والسياسية، فرفضت الانضمام لحكومة نتنياهو وظلت
في موقع المعارضة حتى بعد انضمام حزب العمل، وهو ما أعاد الكثير من المصوتين للحزب. كانت ميخائيلي من أشد المعارضين لدخول الحزب إلى حكومة نتنياهو، فقد كتبت حينها مقالا اعترضت بشدة فيه على هذا القرار، وحذرت من أن حزب العمل ينتحر سياسيا في هذه الخطوة. وكان عنوان مقالها "لحظة قبل الانتحار النهائي لحزب العمل"[3]. وبدأت ميخائيلي مقالها بنداء للقراء المؤيدين لحزب العمل: "لدينا بضعة أيام [تقصد قبل التصويت في مؤتمر الحزب على الانضمام للحكومة] لإنقاذ اليسار الصهيوني في إسرائيل. أريدكم وأريدكن معي لنمنع الانتحار النهائي لحزب العمل الذي يقوده عمير بيرتس وإيتسيك شمولي والذي سيؤدي إلى شطب الحزب في حكومة نتنياهو، الحكومة الأكثر خطورة وفسادا التي تشكلت هنا. يريدان أن يكون حزب العمل شريكا في إلغاء اتفاق السلام مع الأردن وشطب اتفاق أوسلو [على خلفية تأييد الحكومة لمخططات الضم]". وأضافت ميخائيلي أن هذه ليست المرة الأولى التي يقف فيها الحزب أمام مفترق طرق، وقد وصل الحزب لهذا الوضع برأيها، بسبب دخوله إلى حكومات يمين، وقيامه بتنفيذ سياساتها المدمرة، وبيرتس يفعل ما فعله إيهود باراك العام 2008، وآنذاك أسمعت برأيها نفس الكلمات الكبيرة حول صالح الدولة، وهناك أيضا كانت "الإنجازات" في الاتفاقات الائتلافية رائعة، ولكن انتهى الأمر إلى ما انتهى عليه الوضع، سواء فيما يتعلق بواقع الدولة أو بواقع الحزب.
من هي ميخائيلي وما هي مواقفها؟
تعتبر ميخائيلي من السياسيات الحديثات في المشهد السياسي الإسرائيلي، عمرها 54 عاما، وهي حفيدة نحميا ميخائيلي، السكرتير الأخير لحركة مبام اليسارية، وحفيدة يسرائيل كاستنر الذي اتهم في إسرائيل بالتعاون مع النظام النازي في هنغاريا، والذي وجد مقتولا في تل ابيب عام 1957 وبعد مقتله بعام تمت تبرئته من تهمة التعاون مع النظام النازي، ولكنه اتهم بإنقاذ مجرم حرب نازي من عقوبة الموت التي كانت تنتظره في نيرنبرغ.
بدأت ميخائيلي مشوارها كمقدمة برامج في التلفزيون والراديو في برامج ثقافية ورياضية، فيما بعد تحولت إلى منتجة أفلام وكاتبة مقالات رأي. في العام 1997 أقامت لوبي "مساعدة النساء" لتطوير مراكز مساعدة النساء اللاتي تعرضن لاعتداءات جنسية وكانت ناشطة في هذا اللوبي وفي منظمات اجتماعية أخرى. انضمت إلى العمل السياسي في انتخابات الكنيست الـ19 (2013) وشغلت منصب رئيسة كتلة قائمة "المعسكر الصهيوني" في الكنيست الذي ترأسها هيرتسوغ. كما أنها كانت رئيسة مجموعة تطوير المرأة في الكنيست، واليوم تشغل منصب عضو في لجنة التربية والتعليم في الكنيست وفي لجنة تطوير مكانة المرأة ورئيسة اللجنة الفرعية لمكافحة التجارة بالنساء والدعارة[4].
وقد اعتبرت ميخائيلي أنها "رابينية [نسبة إلى إسحاق رابين] في توجهاتها السياسية"، ففي لقاء لها مع صحيفة "معاريف" حول العلاقة مع الفلسطينيين، أكدت أنه "إذا أردنا أن نحافظ على دولة إسرائيل فإنه يتوجب أن تكون حدود بيننا وبين الفلسطينيين ولا يمكن أن تكون دولة واحدة للشعبين وثلاثة أديان". وحول الشأن الإيراني قالت ميخائيلي "إن رابين أدرك أن إيران تتجه لأن تكون الخطر القادم
قبل نتنياهو وزعم أنه يجب أن نوفر لأنفسنا ظروفاً أفضل من أجل مواجهة هذا التحدي. أنا أعتقد أن حل الصراع من خلال دولتين لشعبين يعتبر أولا مصلحة إسرائيلية، حتى لو لم تكن هناك دولتان فورا، على الأقل نبدأ بالاعتراف بأنه لا يمكن ضم الفلسطينيين الذين يعيشون في الأرض وأيضا لا يمكن ضم المناطق [المحتلة]"[5].
وبخصوص موقفها من الاستيطان، قالت ميخائيلي: "إن مشروع المستوطنات لم ينجح بصورة كبيرة. لا توجد هناك زيادة ديمغرافية ملفتة، والمذهل أن جزءاً كبيراً من الجمهور في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] غير مدرك أنه مستوطن. أقول ذلك هكذا، لم يأتوا لهناك لأسباب إيديولوجية. هم هناك من أجل السكن الرخيص والرفاهية، لذلك يجب التفريق بين النواة الإيديولوجية والسياسية وبين الجمهور في المستوطنات. في كل المخططات التي نوقشت حتى الآن، الأغلبية الكبيرة من المستوطنات سوف تبقى تحت السيادة الإسرائيلية وهم [الفلسطينيون] وافقوا على تبادل أراض. معنى ذلك هو التنازل عن أراض زراعية للمستوطنات القديمة، هذا أمر ليس سهلا، ولكن يجب دفع ثمن. المستوطنات المعزولة والبؤر غير القانونية لا يجب أن تكون بالطبع عائقا أمام المصلحة الإسرائيلية الأمنية والوجودية".
واعربت ميخائيلي عن معارضتها لـ"قانون القومية" في صيغته الحالية لأنه لا يضمن المساواة بين المواطنين في الدولة، واعتبرت ان الموضوع الاقتصادي- الاجتماعي سيكون الموضوع المركزي الذي ستعمل عليه في الكنيست المقبل.
إجمال
تؤكد معظم التحليلات في إسرائيل أن ميخائيلي سحبت حزب العمل من موت مُحقّق، وبعضها يؤكد أنه لا ضرورة للمبالغة بصيحات الإعجاب بالإنجاز، فقد لعبت في ملعب فارغ، وسددت هدفاً في مرمى مهجور، وانتُخبت بفضل آلاف الأصوات من الذين كلفوا أنفسهم عناء الذهاب إلى صناديق الاقتراع. وتتجه الأنظار حالياً إلى يوم الانتخابات لمعرفة ما ستكون عليه قوة هذا الحزب وكيف سيؤثر في وضع حد لحكم نتنياهو وسياسته ولا سيما في المجال الاقتصادي- الاجتماعي.
[1] . شلومو أفينيري، أهمية حزب العمل، هآرتس، 12/2/2021، ص: 16.
[2] . ميراف ميخائيلي، هآرتس، 12/2/2021، ص: 16.
[3] . ميراف ميخائيلي، لحظة قبل الانتحار النهائي لحزب العمل، هآرتس، 24/4/2020، ص: 14.
[4] . ساري مكوفر- بليكوف، أنا رابينية (من رابين) في توجهاتي: ميراف ميخائيلي ترمم حزب العمل، معاريف، 12/2/2021، أنظر الرابط: https://www.maariv.co.il/elections-2021/Article-820863
[5] . المصدر السابق.