القلمُ ودورُه في إحياءِ التراثِ الفِلَسْطِينِي وحِفْظِه

بقلم: د.عادل جوده

د. عادل علي جوده
  •   د. عادل علي جوده
  • عضو اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين
  • [email protected]

ثلاثُ مناراتٍ من مؤسساتِ المجتمعِ المدني تلتقي معًا لإقامةِ مؤتمرٍ دولي في المدةِ من 16 إلى 18 يناير/كانون الثاني 2021م تحتَ عنوان "القلم وما يسطرون"، وهي "جمعيةُ سماءِ الثقافةْ"، و"ملتقى الأوطانِ للآدابِ والفنونْ"، و"راديو صوتِ فضفضةْ"، وقد حظي المؤتمرُ برعايةٍ كريمةٍ من وزيرِ الثقافةِ والشبابِ الأسبق معالي الأستاذ طه الهباهبة.

وقد شَرُفْتُ بالمشاركةِ في هذا المؤتمرِ بورقةِ عملٍ تحتَ العنوانِ أعلاه، إلى جانبِ كوكبةٍ من المفكرين والكتابِ والأدباءِ الذين أثرَوُا المؤتمرِ بمشاركاتٍ متنوعة غطت مختلفَ المحاورِ التي تضمنها المؤتمر، ويسرني أن أنقلَ للقارئِ الكريمِ تفاصيلَ مشاركتي على النحوِ الآتي:

الأخواتُ والإخوةُ؛ السلامُ عليكُمْ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهْ،

لقدْ أحسنَ القائمونَ على هذا المؤتمرِ إذ حرِصُوا على أن تتمحورَ باكورةُ مؤتمراتِهِم حولَ (القلمْ)، وكأنِّي بهِمْ يحاكون أولَ كلمةٍ أنزلَها اللهُ سبحانَهُ وتعالى على رسولِنا الكريمْ عليهِ أفضلُ الصلاةِ وأتمُّ التسليمْ، وهي كلمةُ (اقرأ)؛ أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمْ، بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمْ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}،

ثمَّ وكأنِّي بهِمْ يتدبرونَ اشتمالَ القرآنِ الكريمِ على سورةٍ كاملةٍ تحملُ اسمَ (القلمْ)، افتُتِحَتْ بحرفِ (ن) وهوَ أحدُ الحروفِ الـمُقَطَّعَةِ مثلُ (ص) و(ق) وغيرِهما، ثم بعدَ هذا الحرفِ جاءَ القسمْ، قَسَمٌ منَ اللهِ سبحانَهُ بالقلمْ {وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}،

إذنْ هيَ القراءةُ وأساسُها الكتابةْ، أيْ لكيْ يقرأَنا الآخرون علينا أنْ نكتبَ، وهأنذا أكتبُ، ويبقى السؤالُ: هل هنالكَ عينٌ تقرأُ، وأذنٌ تسمعُ، وضميرٌ حيٌّ بالحقِّ يقنعُ؟

يأتي عنوانُ ورقتي "القلمُ ودورُهُ في إحياءِ التراثِ الفِلَسْطيني وحفظِهْ" في هذهِ الآونةِ الحرِجَةِ التي يعيشُها مجتمعُنا الفِلَسْطيني بخاصةٍ، وتعيشُها مجتمعاتُنا العربيةُ والإسلاميةُ بعامةْ، فنحنُ نواجِهُ عدوًّا شرسًا ماكرًا، نواجِهُ عدوًّا لا ينامُ ليلَهُ، بلْ يُوصِلُهُ بنَهَارِهِ في التخطيطِ للنيلِ، ليسَ فقطْ من أرضِنا وممتلكاتِنا، بلْ ومن تاريخِنا وتُراثِنا وهُويَّتِنا وآثارِنَا، لقد هاجموا كلَّ ما يتصلُ بذلك؛ هاجموا أشجارَ الزيتونِ واقتلعوها، هاجموا مأكولاتِنا وملبوساتِنا وسرقوها، هاجموا عاداتِنا وأغانينا ودبكتَنا ولأنفسِهم نَسَبُوها، حتى الثوبَ الفِلَسْطيني سجلتْهُ دولةُ الاحتلالِ باسمِها في منظمةِ اليونسكو، ولمْ تَزَلْ محاولاتُهُمْ قائمةً لاختلاسِ موروثِنا أمامَ أعينِنا، ونحنُ بكلِّ أسفٍ لمْ نزلْ في وضعِنا الـمُتَدَنِّي من الفرقةِ والتحزُّبِ والانشقاقْ.

الأخواتُ والإخوةْ؛ أوجزُ تساؤلاتِ ورقتي في الآتي: ما هوَ التراثُ؟، وما أهميتُهُ؟، وما أهميةُ تسخيرِ القلمِ في إحياءِ تراثِنا وحفظِهْ؟

أما التراثُ؛ فهو ما يرثُهُ الأبناءُ عنِ الآباءِ والأجدادْ، وإني لَأَرى التراثَ كشجرةٍ طيبةٍ مباركةٍ أصلُها متجذرٌ في عمقِ الأرضِ، وفرعُها ينتفضُ عاليًا في السماءِ، وأوراقُها ترفرفُ انتعاشًا بعزَّتِها وإبائِها وشموخِها، التراثُ هوَ الكَنْزُ الحقيقيُّ الذي يُوَرِّثُهُ الأجدادُ للأبناءِ ويأتمنونَهُم عليهْ، فإن أحيَوْهُ وحافظوا عليهِ يكونوا قد أدَّوُا الأمانةَ وسلموها لأبنائِهِم وأحفادِهِم، وهكذا يبقى التراثُ آمناً تتناقلُهُ الأجيالُ بِجَلَدٍ وثَبَاتٍ مهما تقلبتِ الأزمانُ ومهما تعاظمتِ الأزَماتْ.

ويتنوعُ التراثُ في أقسامِهِ؛ فهنالكَ تراثٌ ديني، وآخرَ ثقافي، وثالثٌ أدبي، ورابعٌ حضاري، إلخ.

وأما أهميةُ التراثْ؛ فتكمنُ في القيمةِ النادرةِ للموروثِ المنقولِ من جيلٍ إلى جيلٍ، سواءَ كان موروثًا حضاريًّا يتصلُ بالأماكنِ المقدسةِ أو الأثريةِ، أو ثقافيًّا يتصلُ بالعاداتِ والتقاليدِ، أو أدبيًّا يتعلقُ بالقصصِ والحكاياتِ، وهذه كلُّها لا يمكنُ التفريطُ بها على الإطلاقِ، وإلا تضيعُ هُوِيَّةُ المجتمعِ، وتنتقصُ هيبتُهُ، وتنهارُ مكانتُهْ.

وأما عن أهميةِ تسخيرِ القلمِ في بلورةِ ما نمتلكُهُ من معالمِ القوةِ في لغتِنا العربيةِ، وفي قدراتِنا الأدبيةِ والفنيةِ والإعلاميةِ، واستثمارِ ذلكَ في إحياءِ تراثِنا وحفظِهْ، فقد أكرمَنا اللهُ سبحانَهُ وتعالى باللغةِ العربيةْ، لغةُ القرآنِ الكريمِ بفصاحتِها وبلاغتِها وتَعَدُّدِ مفرداتِها، نحنُ نمتلكُ اللغةَ الأقوى من بينِ لغاتِ العالمِ، فقبلَ شهرٍ من الآن، وتحديدًا في الثامنِ عشرَ من ديسمبر 2020م احتفلْنَا نحنُ أهلُ الضادِ باليومِ العالميِّ للغةِ العربيةِ، واشرأبَّتْ أعناقُنا وارتسمتِ الابتساماتُ على شفاهِنا ونحن نستعرضُ تَمَيُّزَ لغتِنا عن اللغاتِ الأخرى، فعلى سبيل المثالِ لو تأملْنا عددَ كلماتِنا وقارنَّاها بأعدادِ الكلماتِ في اللغاتِ الأخرى نجدُ أنَّ عددَ كلماتِ اللغةِ العربيةِ يزيدُ عن اثني عشرَ مليونًا وثلاثِمائةِ ألفِ كلمةٍ دونما تكرارْ؛ أي ما يعادلُ خمسةً وعشرينَ ضعفًا لعددِ كلماتِ اللغةِ الإنجليزيةِ التي تتكونُ من ستّـِمائةِ ألفِ كلمةٍ فقط، وهيَ التي تأتي في الترتيبِ الثاني بعد اللغةِ العربيةِ، ومعَ ذلكَ يأبى البعضُ منا إلا أن يُقْحِمَ بين مفرداتِهِ العربيةِ بضعَ مفرداتٍ بالإنجليزيةِ أو الفرنسيةِ، وإنهُ لأمرٌ عجيبْ. [مرجع 1]

إذنْ نحنُ نمتلكُ اللغةَ الأقوى بمفرداتِها، ببلاغتِها وبيانِها، بعمقِها ودقتِها، بشمولِها وقوتِها، وحريٌّ بنا أن نُسخِّرَها في إحياءِ تراثِنا وموروثِنا الحضاري وإخراجِهِ ليسَ فقطْ على شكلِ مقالاتٍ وقصصٍ وأشعارْ؛ على أهميتِها، بل وتقديمِها للآخرينَ عبرَ المعارضِ والمؤتمراتِ كمؤتمرِنا هذا الذي نعتزُّ بهْ، وأيضًا على شكلِ مسلسلاتٍ تلفزيونيةٍ ومسرحياتْ.

لقد آلمني أشدَّ الألمِ حينما كنتُ أعيدُ كتابةَ إحدى أغانينا التي تصورُ حقبةً أصيلةً منْ تاريخِ نضالِنا وهي القصةُ المعروفةُ؛ (ظريفُ الطولْ)، إذ وقعتْ عيني على فيديو يصورُ ظريفَ الطولِ متيمًا يحاربُ من أجلِ فتاتِه التي يحبُّها، لقد قَدَّمَ هذا الفيديو تشويهًا حقيقيًّا لهذِهِ القصةِ، فكلُّنا يعلمُ أن حكايةَ (ظريفِ الطولِ) ترمزُ إلى شابٍ فِلَسْطيني اتخذَ الأرضَ معشوقةً لهْ، ذاك الشابُّ الذي لم تصرفْهُ بناتُ القريةِ كلُّهُنَّ عن عشقِهِ لأرضِهْ؛ أرضُ فِلَسْطينَ التي من أجلِها كانَ يُسخِّرُ كَسْبَ عرقِهِ وتعبِهِ لشراءِ سلاحٍ يوزعُهُ على شبابِ القريةِ لصدِّ العصاباتِ الصهيونيةِ التي تُغيرُ على القريةِ من وقتٍ لآخر. الجديرُ بالذكرِ هنا أن الزميلةَ العزيزةَ الأديبةَ أسماءَ مباركْ ـ من دولة الكويتِ ـ ترجمت (مشكورة) هذه القصةَ إلى اللغةِ الإنجليزيةِ وقدمتْها ضمنَ نشاطٍ ثقافيٍّ مميزٍ نظمَهُ نادي توستماسترز الدولي.

مثلُ هذه النماذجِ كانتْ دافعًا لإنشاءِ العديدِ من مؤسساتِ إحياءِ التراثِ في فِلَسْطينْ، إلا أنَّ المتأملَ في واقعِ هذهِ المؤسساتْ، يجدُ أنها تتعرضُ للاعتداءاتِ الحاقدةِ من قبلِ دولةِ الاحتلالِ، لكنَّها ما انفكت تواجِهُ تلكَ الاعتداءاتِ بعزمٍ وإباءٍ لمواصلةِ مهماتِها المحققةِ لأهدافِها، ومن هذه المؤسساتِ على سبيلِ المثالِ لا الحصرْ "مؤسسةُ إحياءِ التراثِ والبحوثِ الإسلاميةْ"، و"مؤسسةُ الأقصى للوقفِ والتراثْ"، و"بيتُ الشرقْ"، و"إسعافُ النشاشيبي"، وغيرُها.

والواقعُ أنَّ تلكَ الاعتداءاتِ تمثلُ جزءًا من الهجمةِ الصهيونيةِ الشرسةِ في مسيرةِ التهويدِ لمدينةِ القدسِ على وجه التحديد، عبرَ طمسِ المعالمِ العربيةِ الأصلْ والكنعانيةِ الجذورِ، من خلالِ سَرِقَةِ التراثِ، وتدميرِ أيِّ شيءٍ يُثبتُ الحقَّ الفِلَسْطيني في المدينةِ المقدسةْ، وتزييفِ الحقائقِ، وسياسةِ التطهيرِ العِرْقي، وترحيلِ العائلاتِ الفِلَسْطينيةِ المقدسيةِ والاستيلاءِ على بيوتِها وعقاراتِها، عدا عن حفرِ الأنفاقِ، وجدارِ الفصلِ العنصريِّ وما أحدثَهُ من آثارٍ سلبيةٍ على المجتمعِ الفِلَسْطيني سيما في مجالِ الحركةِ والتنقُّلِ من مدينةٍ إلى مدينةٍ ومن حارةٍ إلى حارةْ.

ومعَ كلِّ ذلك، تواصلُ هذه المؤسساتُ دورَها البطولي في الصمودِ والتصدِّي للاعتداءاتِ الصهيونيةِ والردِّ عليها بمواصلةِ تنظيمِ الفعالياتِ والأنشطةِ التي تؤكدُ عروبةَ الأرضِ، وتدحضُ الادعاءاتِ الصهيونيةَ رغمَ ما تواجهُهُ من عراقيلَ لسيرِ عملِها ومنعِ إقامةِ أنشطتِها، وإقصاءِ العاملينَ عنها، وإغلاقِ مقراتِها أوِ اقتحامِها ومصادرةِ محتوياتِها، وأوضَحُ مثالٍ لهذهِ الاعتداءاتِ ما تعرَّضَت لهُ "جمعيةُ الدراساتِ العربيةِ ببيتِ الشرقِ"؛ حيثُ تمَّ إغلاقُها ومصادرةُ محتوياتِها، ومثالٌ آخرَ هنالكَ "مؤسسةُ إحياءِ التراثِ والبحوثِ الإسلاميةِ" وما تمثلُهُ من أهميةٍ كبيرةٍ في أعمالِها رَغْمَ ما تواجهُهُ من عدوانْ.

فمؤسسةُ إحياءِ التراثْ والبحوثِ الإسلاميةْ هي المركزُ الأرشيفيُّ الأكبرُ إنْ لم يكنْ الأوحدَ منْ حيثُ حجمِ قدراتِها وإمكاناتِها في مجالِ جمعِ التراثِ العربيِّ الإسلاميِّ في كافةِ المدنِ الفِلَسْطينيةِ وبخاصةٍ مدينةُ القدسْ، وفهرستِهِ وتصنيفِهِ وأرشفَتِهْ، بالإضافةِ إلى ريادتِها في ترميمِ الوثائقِ والمخطوطاتِ وصيانتِها وحفظِها، وقد بلغَ مخزونُ هذه المؤسسةِ خمسةَ ملايينَ وثيقةٍ عربيةٍ وعثمانيةٍ تمثلُ حُقَباً تاريخيةً مختلفةْ؛ حقبةُ الدولةِ العثمانيةْ، وحقبةُ الانتدابِ البريطاني، وحقبةُ الحكمِ الأردني، بتواريخَ وموضوعاتٍ متنوعةْ، بالإضافةِ إلى أرشيفٍ كبيرٍ من المخطوطاتِ النادرةِ الأصليةِ والمصورةْ، ومراراً تحاولُ قواتُ الاحتلالِ فصلَ هذه المؤسسةِ عن مدينةِ القدسِ وقطعِ أيِّ صلةٍ بينها وبينَ المؤسساتِ الأخرى والجامعاتِ والمراكزِ الموجودةِ خارجَ الجدارِ وداخلَه، مما أثَّرَ سلبًا على الباحثينَ وطلبةِ العلمِ وخصوصًا الفِلَسْطينيين، بالإضافةِ إلى الآثارِ السلبيةِ المترتبةِ على وجودِ معسكراتِ الجيشِ المتمركزةِ في حدودِ المؤسسةِ مما جعلَ مجموعةً من الفِلَسْطينيين يتركون العملَ فيها بسببِ الاعتداءاتِ التي يتعرضون لها يومياً من جهةْ، ولعدمِ حصولِهم على تراخيصَ الوصولِ إليها من جهةٍ أخرى، والمؤسسةُ بسببِ هذا الوجودِ العسكريِّ تخشى من تنفيذِ عمليةِ اقتحامٍ مباغتَةٍ كتلكَ التي حلَّتْ ببيتِ الشرقِ، وبالتالي تخشى من فقدانِ مخزونِها التراثيِّ الكبيرْ. [مرجع 6]

والواقع أن العديدَ من مؤسساتِ إحياءِ التراثِ في فِلَسْطينَ، تسعى إلى تحويلِ مخزونِها التاريخي من مادةٍ ورقيةٍ إلى إلكترونيةٍ، ونقلِ نسخٍ احتياطيةٍ منها لمؤسساتٍ مماثلةٍ خارجَ فِلَسْطينْ، وتوفيرِ مخازنَ آمنةٍ لحفظِ أصولِ هذه الثرواتِ على نحوٍ يحولُ دونَ وصولِ المحتلِّ إليهَا، وتوفيرِ أدواتِ بحثٍ متقدمةٍ تعطي نتائِجَ دقيقةً وسريعةً ليتمكنَ الباحثونَ من الوصولِ إلى المعلومةِ بيسرٍ وسهولةْ.

الأخواتُ والإخوةُ،

قبل أن أختمَ أؤكدُ أنَّنا في أشدِّ الحاجةِ لأن يطلقَ كلٌّ منا العنانَ لقلمِهِ، ليس فقط لتسليطِ الضوءِ على مسألةِ إحياءِ التراثِ وحفظه، إنما أيضًا لإثراءِ ثقافةِ الآخرينَ حولَ قضايانا المختلفة، وفي مقدمتِها قضيتُنا الأولى؛ فِلَسْطِينُ الأرضِ والشعبِ والتاريِخِ.

وفي الختامِ أضعُ أمامَ أنظارِكم توصياتِ ورقتي على النحو الآتي:

التوصيةُ الأولى:  

تقديمُ الدعمِ المالي اللازمِ للمؤسساتِ الثقافيةِ الموجودةِ داخلَ فِلَسْطينْ لتعزيزِ صمودِها وتصديها للهجماتِ المتلاحقةِ التي تواجهُها على أيدي الاحتلالْ، وهنا أخرجُ من دائرةِ مَنْ يحاولُ إخراجَ فِلَسْطينَ من حضنِها العربي وعمقِها الإسلامي، وأسجلُ همسةَ عتابٍ عاجلةْ؛ عتابُ الأرضِ والدمِ والتاريخْ، إلى أصحابِ رؤوسِ الأموالِ وهمْ كثرْ وللهِ الحمدْ، ولا يقتصرُ عتابي على رجالِ الأعمالِ الفِلَسْطينيينَ فقط، بل والعربِ والمسلمينَ وغيرِهم من أصحابِ الضمائرِ الحيةِ: متسائلًا أينَ أنتم وأينَ أموالُكُم من مواقفِ العزةِ والشرفْ؟

التوصيةُ الثانية:

أنْ يُسَخِّرَ رجالُ الفكرِ والقلمِ في العالَـمَيْنِ العربي والإسلامي ما يمتلكونَهُ من طاقاتٍ وقدراتٍ سعيًا لتحقيقِ الآتي:

واحد:    فضحُ ما تتعرضُ لهُ مؤسساتُ إحياءِ التراثِ الفِلَسْطيني من اعتداءاتٍ على أيدي قوات الاحتلالْ.

اثنان:   الإسهامُ في النهوضِ بالوعيِ الشعبي للوقوفِ على الحقِّ الفِلَسْطيني عن طريقِ إقامةِ المعارضِ الفنيةِ والمؤتمراتِ الثقافيةِ، بمشاركةٍ حقيقيةٍ من قبلِ القائمين على مؤسساتِ الثقافةِ داخلَ فِلَسْطينْ.

ثلاثة:    مواجهةُ وسائلِ الإعلامِ المختلفةِ عربيًّا وإسلاميًّا بمسؤولياتِها تجاهَ إحياءِ التراثِ الفِلَسْطيني، واحتضانِ ما يُقدَّمُ لها من مسلسلاتٍ ومسرحياتٍ تسهمُ في إبرازِ التراثِ الفِلَسْطيني، وكشفِ ما يتعرضُ لهُ من سرقاتْ.

التوصيةُ الثالثة:

دعوةُ مؤسساتِ المجتمعِ المدني النشطةْ، وفي مقدمتِها "ملتقى الأوطانِ للآدابِ والفنونْ"، و"جمعيةُ سماءِ الثقافةْ"، والنوادي الأدبيةُ بمختلفِ مسمياتِها، لاستثمارِ مخرجاتِ التقنيةِ المتاحةِ (منصةُ زوومْ مثالًا)، بإقامةِ المزيدِ من المحاضراتِ والندواتِ وورشِ العملْ، لتسليطِ الضَوْءِ على مؤسساتِ إحياءِ التراثِ في فِلَسْطينْ، ولفتِ الانتباهِ لمؤازرتِها في تحقيقِ أهدافِها.  

هذا ما تمكنتُ من تقديمِهِ، فإنْ أصبتُ فبتوفيقٍ من اللهِ سبحانَهُ، وإلا فألوذُ بالاستغفارِ من عجزي وتقصيري، واللهُ المستعانْ.

وهنا لا يسَعُني إلا أن أسجلَ التحيةَ عاليةً لملتقى الأوطانِ، وسماء الثقافة، وفضفضة. وتحيةً خاصةً أنثرُ عبيرَها بينَ يدي الأديبةِ المتألقةِ هيامْ ضمرةْ مقدرًا لها ما بذلتْهُ من جهدٍ مثمرٍ، ووقتٍ مباركٍ، وما تحققَ من إنجازٍ يليقُ بهمَّتِها. وتحيةً كبرى يجللُها الامتنانُ والتقديرُ لمعالي الوزير طه الهباهبة الذي أسعدَنا برعايتِهِ لهذا المؤتمرْ. وتحيةً ملؤها الوداد للضيوف الكرام الذين أثرَوْا هذا المؤتمرَ بعبقِ أنفاسِهم.

سبحانكَ اللهمَّ وبحمدِكْ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا أنتْ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكْ، وصلاةُ ربي وسلامُهُ على سيدِنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصَحْبِهْ، والحمدُللهِ ربِّ العالمينْ.

والسلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهْ.

المراجع:

1

"مقارنة بين عدد كلمات اللغات في العالم"؛ عزام محمد الدخيل، اعتماداً على عدد الكلمات في كل لغة كما تم ذكرها في أهم المراجع والمعاجم ومن بينها "معجم العين"؛ للخليل بن أحمد الفراهيدي.

2

"إسرائيل تسرق التاريخ والتراث والفن المصري الفلسطيني، وتستولي على أربعة آلاف حكاية شعبية"، شيماء أبو عميرة؛ الباحثة في الشؤون الإسرائيلية في جامعة عين شمس، تقرير منشور عبر الجغرافيا المصرية الإلكترونية، 13 نوفمبر 2020م.

3

"إسرائيل تسرق الكوفية الفلسطينية بعد القرصنة على اليرغول والدلعونا والفلافل"، تقرير دار الحياة، 27 يونية 2020م.

4

"إسرائيل تسرق تراث العرب، أفيخاي أدرعي ينسب أكلات عربية للمطبخ الإسرائيلي؛ الفلافل المصرية، والشكشوكة الفلسطينية، والحمص اللبناني، والشاورما السورية، أصبحت أكلات عبرية"، تحقيقات اليوم السابع، 17 أكتوبر 2019م.

5

"إسرائيل تسرق الدحية في إطار تهويد التراث الفلسطيني"، تقرير، فلسطين اليوم، 24 سبتمبر 2018م.

6

"وقفة في ثنايا الملتقيات الثقافية؛ القدس ومسؤولية إحياء التراث"، عادل علي جوده، مقال منشور ـ جريدة الجزيرة بتاريخ 11/1/2011م ـ الرياض.

7

"البوجي: إسرائيل تسجل التراث الفلسطيني باسمها في اليونسكو"، حمزة البحيصي، مقال منشور عبر إيلاف، 31 ديسمبر 2010م.

8

"سرقة هوية شعب"؛ هاني وفا، مقال منشور ـ جريدة الرياض 24 إبريل 2001م ـ الرياض.

9

قراءة متأنية في المواقع الإلكترونية للمؤسسات الثقافية أعلاه، واقتباسات بتصرف.

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت