لم يكن يخطر ببال الطفل "م.ي"، أن يصل به الأمر لغرفة العناية المركزة في مجمع الشفاء الطبي، نتيجة لذنب لم يقترفه، كلفه اعتداء والده عليه بالضرب المبرح متسبباً له في كسور وندوب متفرقة في جميع أنحاء جسده.
الطفل ابن الـ10 أعوام، الذي من المفترض أن يكون بين مقاعد الدراسة، يعمل مع والده على بسطة لبيع المشروبات الساخنة في منطقة الصبرة بمدينة غزة، نتيجة للأوضاع الاقتصادية.
وفي التفاصيل، اتضح ان الطفل خدعه أحد الزبائن، حينما أعطاه نقوداً من فئة مئة شيكل، مقابل كأس قهوة اشتراه، حيث قام الطفل بإعطائه الباقي، ليكتشف والده أن المئة شيكل مزورة، وعندها جن جنونه، وما أن وصل البيت مصطحباً طفله معه، حتى انهال عليه بالضرب المبرح بالعصا، محدثاً أضرار جسيمة في جسد طفله.
وبحسب مصادر مقربة من الضحية، فإن الطفل يرقد في العناية المركزة بمستشفى دار الشفاء، حيث تسبب اعتداء والده عليه، بجروح في وجهه، وورم في عينيه، وعلامات احمرار شديدة في جميع انحاء جسمه من هول ما تعرض له من ضرب، حيث جسمه الضعيف الذي لا يقوى على تحمل ما رأته عيناه اللتان أصابهما الورم جراء الضرب.
وبالكاد يستطيع بائعو المشروبات الساخنة على بسطات، توفير لقمة عيشهم، إذ لا يتعدى دخل البسطة 15 شيكلا في اليوم الواحد في أحسن الأحوال.
يشار إلى أن البسطات انتشرت في قطاع غزة، بفعل ارتفاع نسبة البطالة والوضع الاقتصادي العصيب، الذي دفع بالشباب الذين تقطعت بهم السبل إلى فتح بسطات من أجل تحصيل قوتهم.
الدكتور فضل أبو هين مختص في علم النفس، عزا في حديث لصحيفة "الحياة الجديدة" الفلسطينية الرسمية، هذه القضية إلى الظرف العام الذي يعيشه قطاع غزة من ضغوط اقتصادية وأزمات، وأن كل مجتمع يعاني من هذه الضغوط والازمات لابد أن يدفع ثمنه ضحايا من المجتمع، وعادة ما يكونوا الأطفال الحلقة الأضعف عند أولياء الأمور لتفريغ تلك الضغوط.
وأوضح أن هذه الضغوط لها أثر نفسي سلبي تخلق توترات نفسيه لأنها تتعلق بنظام إشباع الحاجات والحرمان من إشباع الحاجات، وطالما وجد الآباء صعوبة في تلبية حاجات أبنائهم، وكانت هناك ضائقة، سيحدث تغيرات على صعيد وعي الابناء وصبر الأبناء وتسامحهم مع أبناءهم، وستنقلب لعدم تسامح وعدوان وتوتر سواء على صعيد الأسرة والجيران.
وأضاف، أن الأمر لم يتوقف على مثل هذا السلوك العنيف من والد تجاه طفله، بل وفي مثل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة والازمات المتلاحقة ترتفع نسبة المخدرات والإدمان والطلاق والهجرة، ومنها "العنف" الذي يتم تفريغه في الدائرة الأولى وهي الزوجة والأبناء.
وأكد على أنه كلما كان الوضع صعباً ومريراً للآباء تكون حدة العنف أكبر، والعكس. فيتحول سلوكه لسلوك قاسي وعقابه يكون قاسيا وعنيفاً.
في ذات السياق، أوضح ابو هين، أن مثل هذا الطفل الأصل أن يكون على مقاعد الدراسة، وليس على بسطة لبيع المشروبات الساخنة، عازياً سبب ذلك إلى حالة التعليم في الوقت الراهن في ظل كورونا، وإغلاق المدارس على مدار ثلاثة أشهر، ما جعل اباءهم يصطحبونهم لأعمالهم، وهذا يشكل ناقوس خطر على هؤلاء الاطفال.
ووجه الأخصائي النفسي أبو هين، نصيحة للآباء بأن يعطوا كل الحب والتقدير والاحترام لأبنائهم لأنهم أغلى ما يملكون، مضيفاً "كما أن الأجساد تنمو بالطعام فإن النفوس والعقول والعواطف تنمو بأحسن التعاملات".