من بين السطور "سنخلق" طريقاً للعبور

بقلم: علي شنن

د.علي شنن
  • بقلم/ د.علي شنن
  • أستاذ التخطيط الاستراتيجي والدراسات المستقبلية المساعد

[email protected]

أما قبل، "من بين السطور "
لا يستطيع أحد أن يُحيّد تاريخاً من النضال، حتى لو تحالف في سبيل ذلك مع ما أفرزه هذا التاريخ من قذارة تجسدت في هيئة بشر، ولا يمكن لمخلوقٍ كان أن ينكر ما حققه ذلك النضال من انجازات وطنية يشهد عليها كل من شهداء و محررين وجرحى و أسرى، حتى جنبات العدو التي أوجعتها ضربات المناضلين تشهد لهم تاريخهم النضالي .
ولعل من أهم أقوى الأسباب التي أوصلتنا للواقع المرير الذي نعيشه هو تخلي بعض القيادات الفلسطينية عن هذا التاريخ، وذلك من خلال التخلي عن مبدأ الوطن أولاً، فعندما كُنا نتبنى مبدأ " تذويب المصالح الشخصية أمام مصلحة الحزب، وتذويب مصلحة الحزب أمام مصلحة الوطن" كان الوطن في أعلى مستوياته، وكانت قضيتنا الفلسطينية حاضرة في جميع المحافل السياسية سواء على الصعيد الدولي والإقليمي آن ذاك، وعندما أصبحنا " نذوب مصلحة الوطن من أجل مصلحة الحزب، ونذوب مصلحة الحزب من أجل مصالحنا الشخصية " أصبح وطننا في أدنى مستوياته، بل ويعاني من شتى أشكال القهر و الإذلال و الحصار، وباتت قضيتنا الفلسطينية غائبة عن المحافل السياسية لدرجة أنه بات يُستهان بها عالمياً .. وهذا للأسف واقع.
ومع الحضور القوي للشرعية المتمثلة بمنظمة التحرير الوطني الفلسطيني وقائدها العظيم فخامة السيد الرئيس محمود عباس "أبو مازن" وما تقابله هذه المنظمة من جبهات قتالية خطيرة ومتعددة تكاد تقترب من مركز التماس لقضيتنا الفلسطينية وتؤثر سلباً على صلابتها وشرعيتها وحصنها الحامي للشعب الفلسطيني من جانب ولقدسية الأراضي الفلسطينية وعلى رأسها القدس الشريف من جانب آخر، نجد أن هذا الحضور و تلك الحصون تكاد أن تكون جميعها مصابة بمرض "الوحدوية" في مواجهة كل تلك المخاطر و المصاعب، لا سيما أن من بينها ما هو في عمق الجسد الفلسطيني، وأيضاً متواجد (أثراً و تأثيراً) داخل البيت الفلسطيني الشامل، ولا يقصد هنا بالبيت الفلسطيني الشامل بمنظمة التحرير ولكن بقطب فلسطيني معارض زاد من صعوبة مواجهة المنظمة لتلك المخاطر والتحديات الإقليمية والدولية التي تقف وحيدة في مواجهتها .
هذا، و بالإضافة إلى العديد من العوامل التي تعرقل تحقيق الهدف الفلسطيني العام لمنظمة التحرير الفلسطينية " المتمثل في تحرير فلسطين من البحر إلى النهر و عاصمتها القدس الشريف " والتي تلعب جميعها دوراً هاماً في توفير فرصة خصبة للعدو الصهيوني باغتنام تلك المعرقلات التي تواجه المنظمة وتحويلها إلى تسهيلات تساعده على تحقيق أهدافه بأقصر وقت وأقل جهد و تكلفة، دون حتى أدنى مستويات الرقابة أو التقييد .
لا نعلم، قد تكون جميع تلك المجريات ما هي إلا أدوات تنفيذ أعدتها إسرائيل داخل خطط موضوعة منذ زمن بعيد، وقد سيقَ الجميع بما فيهم التنظيمات الفلسطينية إلى ذلك المربع الذي يُشكِل " أرض الملعب" ومسرح التنفيذ المستدام لتلك الخطة الموضوعة، فكم الضغوط وأنواعها وأشكالها وكثرة مصادرها واختلاف تلك المصادر وتزامنها جميعاً في حقبة زمنية واحدة يجعلنا نشك بأن اجتماعها معاً ليس صدفة، بل هي تجري وفق استراتيجيات وسيناريوهات تم وضعها مسبقاً بأيدي وعقول تحمل درجة عالية من الخبرة والذكاء. وهذا ما جعلها تُحقق الهدف المرجو منها بدرجة عالية من الإحكام والدقة المتناهية .

أما بعد، " طريق العبور "
أن تتخطى كل ذلك، وتخطو خطوة إلى الأمام ناظراً للمستقبل وأنت تُعاني من واقع أقل ما يمكن وصفه بأنه مُحبط جداً لدرجة السوء!، فهذا يقع تحت نقيضين من الاحتمالات؛ الأول: أنك وصلت إلى أعلى درجات اليأس واتخذت قرار بالانتحار، والثاني: بأنك تملك من السمات و الصفات القيادية ما يجعلك تثق كل الثقة بأن خطواتك القادمة في مكانها الصحيح، وأن هذا الواقع السيء والمُحبط سيتلاشى مع أول شعاع نور تُرسله إلينا شمس المستقبل " وقد يكون في ذلك أعلى درجات المجازفة" .
وهذا بالضبط ما حدث مع زعيم منظمة التحرير الفلسطينية، لقد تخطى كل المعيقات الوطنية والدولية، وأخذ خطوة جريئة إلى المستقبل، ورغم كل المشكلات السياسية سواء كانت على صعيد الوطن الواحد وما تعانيه قضيتنا من انقسام دام سنوات طويلة، أو على صعيد العالم وما تشهده فلسطين من خناق وحصار وتحالفات دولية و اقليمية تهدف إلى انهاء القضية الفلسطينية، ألقى كل ذلك من وراء ظهره وتقدم بخطوة مصيرية للمستقبل الفلسطيني مُعلناً بذلك قرار الانتخابات الفلسطينية، فقد ساعدته خبرته المخضرمة في العمل السياسي وحنكته في التفاوض والحوار ومعايشته لعمالقة منظمة التحرير في الحقب الزمنية الأولى للمنظمة إلى تسخير كل تلك المشكلات و العقبات و المعيقات وتحويلها إلى طريق عبور للمستقبل من خلال الانتخابات .
ولعل الناظر إلى الانتخابات الفلسطينية يجدها تشكل بصيص أمل لما هو قادم للكل الفلسطيني، ومستقبل طال انتظاره عند الكثيرين، وخلاص قد يتحقق وينقذ الجميع من مخلفات الانقسام و الحصار، شيء من نور قد يوهج في قلب مجتمعٍ أرهقته كثرة الخلافات و التجاذبات و التملقات، فمضى كمكفوفٍ ينتظر أيُ مارٍ يمسك بيده عابراً به الطريق إلى الطرف الآخر من الأمان .
قد يكون هذا الكفيف شاباً ضاع مستقبله، أو فتاة بلغت الثلاثين من العمر ولم تتزوج، أو مُهاجراً يلعق مرارة الغربة كل يوم، أو تاجراً أجبرته الظروف أن يعلن إفلاسه، أو طفلاً يبيع العشرات من قطع الحلوى على المفترقات وأكبر أمانيه أن يتذوق قطعة منها، أو جيلاً كاملاً استيقظ ليجد نفسه على قارب قديم وسط البحر، يا ويلي كم كفيف يقطن وطني هذه الأيام، وكم من أملٍ ينتظر هؤلاء، أو همٍ ..
"
ولعل الانتخابات تكون أمل اولئك الأكِفّاء للعبور"

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت