الثقافة في خدمة الاستيطان

بقلم: نهى نعيم الطوباسي

نهى نعيم الطوباسي
  • نهى نعيم الطوباسي

مازالت إسرائيل تواصل عدوانها بالتوازي تاريخيا وجغرافيا على الشعب الفلسطيني، مستخدمة كل أشكال الاستعمار وأدواته العسكرية، والاقتصادية والثقافية، لتهويد القدس وفرض السيادة الإسرائيلية على كافة الأرض الفلسطينية. وتسعى دولة الاحتلال بأحزابها اليمينية المتطرفة وما بقي من يسارها الصهيوني، إلى توطيد المشروع الاستيطاني وتعميقه أكثر. من الواضح أن إسرائيل تتخذ من الثقافة سلاحا وتكتيكا استراتيجيا للتوغل الاستيطاني، وحماية وجودها من جهة ثانية، وقد يتفق ذلك مع "نظرية الحاجات" التي وضعها عالم الأنثروبولوجيا الإنجليزي ثم الأميركي لاحقا، برونيسلاف مالينوفسكي والتي تنادي "بأن  البشر يكونون نوعا حيوانيا يمتلك حاجات أساسية وهي  الغذاء، والتكاثر، وحماية النفس، وهو ما يدفعه إلى  خلق مؤسسات اقتصادية وسياسية وتربوية ومحاولة التنسيق بين تلك المؤسسات، وهذا ما يجعله قادر على أن يحمي نفسه من خلال تلك المؤسسات ومن خلال العناصر المكونة للثقافة".

وبما أن إسرائيل لا تمتلك مقومات ثقافية مشتركة، وتلك الخصائص المتجانسة لأي إنتاج ثقافي وحضاري والتي تميز شعبا عن الآخر، وترسم الملامح والشخصية الوطنية لأي مجتمع. مثل المعتقدات والفن والأخلاق والقانون والعادات وكل القدرات الأخرى، التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضوا في المجتمع. وهي بالتالي تدرك أنها لا تمتلك تلك المقومات، وتدرك مدى انعدام الانسجام والتناغم بين سكانها وبين فلسطين كونهم أغرابا، وبالتالي تحاول أن تخلق لنفسها تاريخا من العدم على أنقاض المدن والقرى الفلسطينية، والتاريخ الفلسطيني، فتوظف حاليا مؤسساتها كافة، وأدواتها وأنشطتها الثقافية كأدوات لحماية وجودها واحتلالها واستيطانها، فكل الأدلة والبراهين تشير إلى أن إسرائيل لن توقف الاستيطان، بل على العكس من ذلك،  تحاول دمج الفكر الاستيطاني بكافة المؤسسات الإسرائيلية وجعله مظهرا ثقافيا حضاريا وتعليميا ليسيطر على الحياة الإسرائيلية بأشكالها وعلى الخطاب الإسرائيلي، بدليل أيضا أن دولة الاحتلال تركز  في الآونة الأخيرة على إقامة النشاطات الثقافية بأنواعها وأشكالها في المستوطنات، وذلك للترويج للمستوطنات كمعالم ثقافية رمزية بالنسبة للإسرائيليين، وربط المستوطنين بها روحيا ودينيا وتاريخيا وثقافيا، وهذا ما جعل ميـري ريجيـف الوزيرة من حزب الليكود اليميني الحاكم عند توليها حقيبة الثقافة،  تعلن أنها سـوف تخصـص موازنة عالية من أجل تشـجيع ودعم الفعاليات الثقافية في المسـتوطنات.

نشرت وزارة الثقافة تقريرا في كانون الثاني 2021 عن توظيف إسرائيل للثقافة في المشروع الاستيطاني، حيث استعرض التقرير أهم الأنشطة الثقافية في المستوطنات في السنوات الخمس الأخيرة، كجزء من حرب الاحتلال المفتوحة على حقوق الشعب الفلسطيني، وعلى روايته الأصيلة، وتراثه المادي وغير المادي.حيث يشير التقرير إلى العديد من الحقائق أهمها: ارتفاع عدد النشاطات الثقافية في المستوطنات فــي العــام 2016 إلــى 443 نشاطا، وزيادة ميزانيـة وزارة الثقافـة مـن 496 مليونا فـي عـام 2015 إلـى 710 ملايين فـي عـام 2019. حيث ذهبت معظم تلك الزيادة إلى الأنشطة الثقافية في المستوطنات، وإلى تكثيف برامج المحاضرات الثقافية في المستوطنات، والتي تحرض على التطرف والدفاع عن الرواية الإسرائيلية.

كما بلغـت نسـبة دعـم نشـاطات المسـتوطنات، قرابـة خمسـين في المائة من الدعم العام  للثقافة في كل إسرائيل، وحسب التقرير فإن جميع  الفعاليات الثقافية، والتي يتم تنظيمها في داخل الفضــاءات الثقافيــة المختلفــة داخــل المســتوطنات، مــن مراكــز ثقافيــة ودور عــرض وصــالات ومتاحف ومسارح وأمسيات موسيقية وشعرية وأدبية والمهرجانات جميعها تشجع على سرقة الأرض الفلسطينية وتهجير الشعب الفلسطيني وتروج للفكر العنصري الاستيطاني. وفيما يمكن تسميته حرب المتاحف، يوجــد فــي المســتوطنات أكثــر مــن خمسة عشر متحفــا، يتم توظيفها من أجل تشويه التاريخ وغسل عقول الإسرائيليين والزائرين بإقناعهم، أن فلسطين أرض يهودية، ونشر معروضات ومقتنيات مزيفة أو تم سرقتها ونسبها للإسرائيليين بروايات باطلة.  

يظهر زحف الرواية الإسرائيلية خللا ما في آليات التصدي لها، فلا بد من مراجعة نقاط القوة والضعف في القطاع الثقافي في فلسطين. وبالتأكيد من تلك الاختلالات الانقسام الفلسطيني الداخلي، فما تم خسارته جرّاء الانقسام منذ وقوعه حتى الآن كفيل بالتصدي لكل مخططات الاحتلال وأنشطته  الثقافية الاستيطانية وتفعيل مقاطعتها، وإنشاء مئات الفضاءات الثقافية التي ترسخ الوجود الفلسطيني، وتحصن الرواية الفلسطينية من أي تشويه.

أخيرا سيأتي يوم وسينتصر الشعب الفلسطيني في معركة الدفاع عن وجوده  الأصيل على أرضه، ولكن حتى ذاك الوقت لا يجب أن نسمح بخسارة روايتنا الفلسطينية، عمقنا وبعدنا الروحي والتاريخي الأصيل، ونافذتنا المشرقة على كل العالم. فالعاصفة ستمر لكن لتمر دون أن تقتلع زيتوننا وجذورنا التاريخية معها. فتفكيك المستوطنات والأنشطة الثقافية ليس مستحيلا مهما بلغت قوة الاحتلال، إذا ما تضافرت الإمكانيات، ووحدت البوصلة، فكل تلك القوة أسست على وهم أما فلسطين فهي أصل الحكاية والحقيقة القوية التي لا تقهر.

ماجستير في حل الصراعات والتنمية

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت