- عمر حلمي الغول
موضوع اللقاح المضاد لفايروس الكورونا بغض النظر عن اسمه وبلد المنشأ بات توفيره ضرورة لكل شعوب الارض، لإنه إنتشر في ارجاء المعمورة، ولم يقتصر على شعب او مجموعة شعوب بعينها، وهو ما يستوجب تأمينه لكل الامم دون استثناء، وليس لشعب دون آخر. وبالتالي من الضروري حشد الجهود الجمعية للبشرية وعلى ارضية التكافل والتكامل لضمان وصول اللقاح للجميع ودون تمييز بين غني وفقير، وبين دول مركز ودول محيط. وعلى الأمم المتحدة تقديم الدعم المطلوب للدول الفقيرة وتأمين وصول اللقاح لشعوبها.
وكما يعلم الجميع، ان تداعيات ازمة اللقاح على العديد من الدول، ومنها الولايات المتحدة وتركت بصمات قوية على العملية الديمقراطية فيها، وساهمت بشكل مباشر في خسارة الرئيس السابق دونالد ترامب السباق في انتخابات الرئاسة في تشرين ثاني، نوفمبر 2020. ايضا القت ازمة الكورونا ثقلها على الشارع الأرجنتيني نتاج سوء توزيع التطعيم على قطاعات الشعب، ونفس الشيء تفاقم الوضع سوءً في المشهد اللبناني لجهة التمييز في توزيع اللقاح على فئات وشرائح الشعب اللبناني، ومازالت اثارها دائرة وتتفاعل حتى اللحظة الراهنة، وهناك دول عديدة تعاني من تداعيات جائحة "كوفيد 19".
واذا توقفنا امام الواقع الفلسطيني، نلحظ بعض الاخطاء رافقت اليات التعاطي مع الفايروس، وثم في عملية توزيع كمية اللقاحات المتوفرة، التي وصلت للوطن الفلسطيني. وقبل ان ندون الملاحظات السلبية والنواقص، تجدر الإشارة إلى ان القيادة الفلسطينية كانت السباقة في إتخاذ الإجراءات الإحترازية وخاصة في مدينة بيت لحم، وانعكست إيجابا اواسط العام الماضي. لكن بحكم الشروط المعقدة، التي يعيشها الوطن الفلسطيني نتيجة وقوعه تحت سيطرة الإستعمار الإسرائيلي، والتداخل مع مكوناته وقطعان مستعمريه، وعدم تقيد المواطنين بالبرتوكول الطبي، لم تتمكن الحكومة الفلسطينية من وضع حد لانتشار الفايروس، حتى قطاع غزة المحاصر لم يسلم من إنتشار الفايروس، وبات بيئة موبوءة به.
بيد ان ما تقدم، لم يلغِ وقوع الهيئات الحكومية المختصة بمجموعة من الأخطاء، منها: أولا غياب الرؤية الوطنية الشاملة في كيفية التعاطي مع الفايروس، ووقعت لجنة الطوارىء اسيرة منطق رد الفعل اليومي والجزئي والمناطقي؛ ثانيا عدم المبادرة في التشبيك مع الدول والشركات العالمية المنتجة للقاحات المضادة من البداية، وبقيت جهات الإختصاص اسيرة سياسة الإنتظار؛ ثالثا اعتمدت اللجنة الحكومية على سياسة تلقي المساعدات من بعض الدول الصديقة او منظمة الصحة العالمية، وهي تعلم ان حجم الدعم من المؤسسات والدول لا تفي بحاجات الشعب من اللقاح؛ رابعا تأخرت في تحميل دولة الإستعمار الإسرائيلية المسؤولية الأولى عن ما اصاب ابناء الشعب الفلسطيني من إنتشار الوباء، ولم تطالبها بضرورة تأمين اللقاح، وأصرت على التعامل مع تداعيات الوباء كدولة مستقلة وذات سيادة، وهذا ترك بصمات سلبية في تأمين الكميات المطلوبة لتطعيم الشعب؛ خامسا لم ترصد المبالغ الضرورية لشراء اللقاح في الوقت المناسب، وبقيت تنتظر دعم الدول المانحة، مع ان هناك اموال رصدت لتسديد رجال الاعمال والشركات الخاصة، وكان من الممكن تدوير الزوايا في هذا المجال... إلخ
وعندما تم توفير عشرات الاف من اللقاح للتطعيم ايضا لم تحسن وزارة الصحة واللجنة الحكومية من التصرف وفق الية صحيحة، ووقعت في أخطاء واضحة، منها: اولا عدم وجود خطة علمية لمنح اللقاح وفق الأولويات المعمول بها في دول العالم: الطواقم الطبية، كبار السن بالتدريج، المناطق الأكثر إنتشارا للوباء ... إلخ؛ ثانيا سيادة منطق المحاباة في منح اللقاح؛ ثالثا التركيز في منح اللقاح على الهيئات القيادية دون معايير السن، ودون ضوابط علمية ومنهجية؛ رابعا عدم تأمين اللقاحات لكل ابناء الشعب في وقت محدد، أو وقت متقارب؛ خامسا سادت سياسة الإرتجال والفوضى على الصعد المختلفة؛ سادسا عدم الاخذ بالحسبان ابناء الشعب في الشتات في عملية التطعيم، وما ارسل من لقاحات لبعض الدول العربية، إقتصر على عدد محدود من العاملين في السفارات والمؤسسات الفلسطينية، ولم يشمل ابناء الشعب عموما.
ورغم الاخطاء التي شابت عملية مواجهة الوباء، وآليات توزيع اللقاحات، وحتى اساليب وطرق الوقاية، مازال هناك امكانية لاعادة ترتيب وتنظيم العمل وتجاوز الارباكات والاخطاء، التي وقعت. فهل ترتقي جهات الإختصاص لمستوى المسؤولية، والتقاط زمام المبادرة لمواجهة التحدي الماثل؟ آمل ذلك.
[email protected]
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت