من الحوار الوطني الى الاشتباك البرامجي

بقلم: عمر نزال

عمر نزال
  • عمر نزال

انتهى الحوار الوطني في القاهرة الى ما انتهى اليه، نهاية اقرب الى صيغة لا غالب ولا مغلوب بالنسبة لحركتي فتح وحماس، وأقرب الى المغلوب بالنسبة لعدد من الفصائل التي طمحت ووضعت على اجندة الحوار نقاط هامة تم القفز عنها او رفضها، وهو ما انعكس في بيان القاهرة الذي تضمن جملة من القضايا المتفق عليها بين الفصائل الاربعة عشر المشاركة في الحوار، وتجاوز نقاط أخرى طرحت في الكلمات والمذكرات التي قدمتها بعض الفصائل، وخاصة الجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، وحركة الجهاد الاسلامي.
حوار القاهرة الجمعي، تلاه مباشرة حوار آخر ثنائي بين فتح وحماس، لبحث تفاصيل القضايا التي اعلنت في بيان القاهرة، وقضايا ثنائية تخص الحركتين لم يعلن عن فحواها او ما وصلت اليه، لكن المقابلة على شاشة الميادين التي جمعت كل من جبريل الرجوب وصالح العاروري،عكست اتساع قاعدة التوافق بين الطرفين والاجواء الايجابية التي سادت الحوار في حلقتيه، الشامل والثنائي.
وتؤشر المعطيات المتوالية منذ أكثر من شهرين، الى اقتراب القطبين أكثر فأكثر من ذات البرنامج والتوجهات السياسية، وارتهانهما أكثر فأكثر الى التطورات والمعطيات الدولية والاقليمية الناجمة عن فوز الرئيس الامريكي جو بايدن وتوجهات ادارته الجديدة، ومن ابرز هذه المعطيات،(المصالحة الخليجية)، وعودة الدفئ العلني للعلاقات التركية – الاسرائيلية، وتبريد العلاقات الامريكية – الايرانية، وهي معطيات تمهد للعودة الى مسار التسوية ومسلسل التفاوض، والذي من الممكن ان تنضم اليه حركة حماس بصورة مباشرة او غير مباشرة، نظراً لتوجهات الحزب الديمقراطي وتاريخ علاقاته وتجاربه السابقة مع الاخوان المسلمين في تركيا ومصر وتونس والمغرب وغيرها.
هذه المستجدات السياسية، وتقاطع الحركتين في العديد من الرؤى والسياسات الاقتصادية – الاجتماعية، وادارة شؤون المواطنين حيثما تحكم كل حركة، تفرض على الاطراف الاخرى خارج القطبين تحديات كبيرة واعباء اكثر ثقلاً من كل ما مضى.
ومع اتضاح سقف التوافقات الوطنية على القواسم والقضايا المشتركة عبر الحوارات الفصائلية، والذي وان ارتفع قليلاً، فانه لم ولن يصل حد التماثل، ولا حتى الوصول الى طموحات ومطالب الكل الفلسطيني، وهذا طبيعي وبديهي، في ظل اختلاف وتباين البرامج السياسية والاقتصادية – الاجتماعية، وتعدد الرؤى حول مجمل القضايا الديمقراطية.
من هنا فان الخطوة التي تلي، دون اغفال ضرورة وأهمية الحوار الوطني وتعميقه، هي الاشتباك والتصارع على البرامج والرؤى المختلفة، وهو ما يمثل جذر التباين ويبرر تعدد فصائل العمل الوطني وسياساتها. هذا الاشتباك على قاعدة ( وحدة – صراع – وحدة ) التي لا تزال صالحة طالما نعيش مرحلة تحرر وطني ديمقراطي، له ادوات ووسائل عديدة، احدها الاحتكام الى الجماهير عبر صناديق الاقتراع حيثما اتيح ذلك، مع الاخذ بعين الاعتبار محاذير اجراء انتخابات في ظل الاحتلال، مع انها جرت في السابق أكثر من مرة منذ عام 1972، ومحاذير المرجعية السياسية لهذه الانتخابات وكون احد دوافع اجراءها هو الضغوط الدولية.
أن الانتخابات التشريعية المقرر اجراؤها في ايار القادم، ليست خياراً نموذجياً لمعالجة حالة الاستعصاء القائمة في الساحة السياسية، لكنها قد تكون فرصة لتحريك المياه الراكدة، ومدخلاً نحو فكفكة الحالة الراهنة، وفتح افق جديد لاعادة الاعتبار للقضية الوطنية، وتفعيل المواجهة مع الاحتلال، وهو ما يفرض الاستعداد لخوضها باعتبارها شكلاً من أشكال النضال والصدام مع الاحتلال وسياساته واجرائاته، وباعتبارها شكلاً من أشكال الاشتباك الديمقراطي البرنامجي مع الاطراف المتنافسة.
ان هذه الرؤية تتطلب خوض الانتخابات التشريعية القادمة، باعتبارها حلقة ستفضي الى انتخاب واعادة تشكيل المجلس الوطني وتفعيله، كمرتكز اساس لاعادة بناء وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها وامتداداتها، وباعتبارها الجسم الجامع والممثل للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، وهو المطلب الوطني والشعبي الذي طالما سعى اليه الجميع، وتتطلب خوضها بالنظر للمهام المنوطة بالمجلس التشريعي والمتعلقة بجملة القضايا التي تمس حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، وتعزز قدرتهم على الصمود والمواجهة.
هذه الرؤية تشترط تشكيل أوسع تحالف ممكن، من مكونات التيار الوطني الديمقراطي، تشق طريقاً بديلاً لما هو قائم، وفق برنامج سياسي واضح، يقدم اجابات شافية قابلة للتحقق، ووفق رؤية واقعية لتعزيز الصمود والتنمية، تدرء الفساد والمحسوبية، وتحقق العدالة الاجتماعية.
ان التحالف المنشود، يجب ان يقفز عن النمط التقليدي للجمع الحسابي بين مكوناته، وان لا يعيد ما سبق من محاولات وتجارب أفشلتها القوى الذيلية الساعية لتحقيق مكاسب ذاتية لقادتها، تحالف يفرض نفسه كطريق وخيار أول، وليس ثالث.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت