تحت رعاية ومشاركة رئيس الوزراء الفلسطيني، د. محمد اشتية، انطلقت أعمال المؤتمر الوطني الأول للحوار الاجتماعي تحت عنوان "معالجة تحديات سوق العمل"، يوم الأربعاء، والذي يأتي انطلاقاً من الحاجة الماسة للحوار الاجتماعي كأداة فعالة للتصدي للأزمات، وانسجاما مع توجهات الحكومة الفلسطينية الثامنة عشرة وخططها وبرامجها، خاصة التوجه نحو الانفكاك عن الاحتلال، وخطط التنمية بالعناقيد، وتعزيز صمود المواطنين، وتنفيذا لاستراتيجية قطاع العمل التي تهدف إلى تطوير قطاع العمل بمشاركة أطراف الإنتاج الثلاثة.
وقال رئيس الوزراء اشتية، في كلمه له، إن المؤتمر يأتي في ظل ظروف استثنائية حيث أن فلسطين أمام ثلاثة تحديات، وهي الإدارة الأمريكية الجديدة التي أعلنت عن تغيير بعض القضايا المتعلقة بفلسطين والصادرة عن الرئيس الأمريكي السابق، وكذلك انجاز العملية الانتخابية في أيار القادم وما سينجم عنها من عودة الحياة الديمقراطية إلى فلسطين، وأزمة كورونا وما ترتب عليها من آثار اجتماعية وسياسية واقتصادية وصحية ونفسية تزامنا مع ممارسات الاحتلال الإسرائيلي من توسيع الوجود الاستيطاني وبناء مستعمرات جديدة.
وأشار اشتية، عبر منصة زوم، أن المؤتمر يشكل استجابة فعالة لسياسات وبرامج الحكومة، وفي مقدمتها الانفكاك عن الاحتلال، وبناء اقتصاد وطني قادر على خلق فرص عمل، ويحافظ على استقرار سوق العمل من خلال تعزيز المنتج الوطني، ويساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وأكد اشتية على أهمية الحوار الاجتماعي بين أطراف الإنتاج لمواجهة الجائحة وانعكاساتها على سوق العمل، لأن البطالة في قطاع غزة تتجاوز 50%، بينما نسبة الفقر تصل إلى 60%، أما في الضفة الغربية بلغ معدل البطالة 19%، وهذه الأرقام تتطلب تضافر الجهود للحفاظ على عمالنا في أماكن عملهم وللحفاظ على المنشآت والمصانع والشركات من الإفلاس، لذلك لا بد من تقاسم العبء ومواجهة الأزمات من خلال الحوار المشترك.
وأشار اشتية إلى أهمية انتزاع حقوق عمالنا داخل الخط الأخضر من خلال تشكيل فريق يعمل على ذلك، منوها إلى تقديم المساعدات للعمال المتضررين من الجائحة، وقروض ميسرة للشركات الصغيرة والمتوسطة بما قيمته 410 مليون دولار، جزء منها قروض من الاتحاد الأوروبي وجزء آخر من سلطة النقد.
كما تحدث اشتية عن معاناة فلسطين من انكماش اقتصادي عام 2020 بنسبة 11.5% ونسعى إلى التعافي من خلال إجراء مجموعة من التعديلات على عدة قوانين، منها: قانون العمل، وقانون الشركات، وقانون الاتصالات، كما سيتم خلال شهر آذار الجاري إطلاق 40 وثيقة تشمل اطلاق الاستراتيجية الوطنية للتشغيل اليوم، وخطة التنمية الشاملة الوطنية لعام 2021-2023، والتنمية بالعناقيد وغيرها، كما أنه تم إلغاء 120 تخصصا في الجامعات لعدم الحاجة لها، وتم إدراج 60 تخصصا جديدا يحتاجه سوق العمل، وتسليط الضوء في مناهج المدارس والجامعات على التعليم المهني، بالإضافة إلى أن الحكومة تعمل حاليا على إنشاء جامعة للتعليم والتدريب المهني والتقني، وبنك للتنمية، وذلك للنهوض بواقعنا الاقتصادي.
أما مدير عام منظمة العمل الدولية جاي رايدر، فقد أكد في كلمته أن العالم يواجه أزمة صحية واجتماعية واقتصادية وإنسانية بسبب كورونا، وعلى صعيد قطاع العمل فإن آثار الجائحة انعكست جليا على المستوى الفلسطيني، حيث أنه في الربع الأخير من 2020 زادت البطالة بنسبة 25%، مؤكدا أن بعثة تقصي الحقائق التابعة للمنظمة ستقوم بإعداد تقرير حول أوضاع العمال في فلسطين لتضع المنظمة في صورة الوضع على أرض الواقع، كي نساهم بتقديم الدعم لهم ولعائلاتهم.
وأضاف رايدر أن التركيز على الحوار الاجتماعي سيساهم في التعافي من آثار الجائحة، لأهميته في الحصول على أجور عادلة، وتأمين الحماية الاجتماعية، وفتح سبل الاستثمار، لمواجهة البطالة والنهوض بالاقتصاد الفلسطيني من خلال الاستراتيجية الوطنية للتشغيل التي تتمحور حول الإنسان وحقوق العامل الفلسطيني.
من جهته، أكد مدير عام منظمة العمل العربية فايز المطيري، في كلمته عبر زوم، على أهمية الحوار الاجتماعي في ظل الجائحة للحفاظ على علاقات العمل، حيث يناقش الحوار سياسات التشغيل وتوسيع مظلة التغطية الاجتماعية للوصول إلى الفئات الأكثر تأثرا كالنساء، وهذا يساهم في الحد من تداعيات الجائحة، وبناء اقتصاد وطني، سيما نتيجة ما تعانيه فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي وتعليق بعض الدول دعمها للشعب الفلسطيني، مضيفا أن اطلاق الاستراتيجية الوطنية للتشغيل سيساهم في خفض معدلات البطالة والفقر وتجاوز الأزمات.
وأكد وزير العمل د. نصري أبو جيش، خلال كلمته، أن فلسطين تواجه جائحتين، الأولى جائحة كورونا التي أثرت على كافي مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية، لكن فلسطين واجهت الجائحة بسلسلة من الإجراءات للحد من آثارها، أما الجائحة الثانية تواجه فلسطين تصعيدا خطيرا في سياسات الاحتلال من توسع استيطاني ومصادرة الأراضي، والتحكم في المعابر والحدود، ومواصلة إغلاق قطاع غزة، وسياسة الابتزاز باستخدام أموال المقاصة، كما تهربت من التزاماتها تجاه آلاف العمال الفلسطينيين خلال الجائحة.
وقال أبو جيش إن الوزارة عملت خلال عام 2020 على مواجهة تحدي البطالة، وتحسين فرص التشغيل، وزيادة مشاركة المرأة والشباب وذوي الإعاقة في سوق العمل، ونجحنا في إخراج الاستراتيجية الوطنية للتشغيل إلى النور، ومراجعة الإطار القانوني لقطاع العمل في (قانون العمل، التنظيم النقابي، مشرفي السلامة والصحة)، كما نواصل العمل على تنفيذ برنامج العمل اللائق الثاني بالشراكة مع منظمة العمل الدولية، ونعمل على إعادة توجيه البرنامج بما يستجيب للتغيرات في عالم العمل التي أحدثتها الجائحة، كما عملنا على ابرام اتفاق ثلاثي في بداية الجائحة لحفظ حقوق العمال، وأنشأنا صندوقا لدعم عشرات الآلاف من المتعطلين، وعالجنا آلاف الشكاوى والخلافات بين طرفي الإنتاج، كما نعمل نحو سياسات أجور وحدّ أدنى للأجور.
وأضاف أبو جيش أن الجائحة أثبتت وجود فجوة كبيرة في منظومة الحماية الاجتماعية تمثلت بغياب قانون الضمان الاجتماعي، وهو ما يتطلب البدء بمراجعة شاملة للقانون تضمن مصالح كافة الأطراف، كما أننا نطور رؤيا وطنية تجاه ملف العاملين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر على أساس اشتباك قانوني حقوقي من أجل حقوق عمالنا لدى المُشغِل الإسرائيلي، وندعو منظمة العمل الدولية لتكون شريكاً لنا في هذا الجهد، منوها أن المؤتمر يُمأسس اللجان الثلاثية ويعيد تفعيلها خاصة لجنة السياسات العمالية، ولجنة الأجور، واللجنة الوطنية لتشغيل النساء، ولجان الشراكة الثلاثية في المحافظات.
من جانبه، أشار الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين شاهر سعد إلى أن 150 ألف عامل فقدوا عملهم خلال الجائحة، ما فاقم من مشكلة البطالة، في ظل عدم توفر الحماية الاجتماعية للعمال بسبب غياب قانون الضمان الاجتماعي وعدم تطبيق الحد الأدنى للأجور، مؤكدا السعي لتفعيل الحوار بين كافة أطراف الإنتاج لتعزيز صمود عمالنا، ومكافحة آفتي الفقر والبطالة، من خلال اطلاق الاستراتيجية الوطنية للتشغيل، واطلاق الحوار الوطني لإنشاء مؤسسة الضمان الاجتماعي، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتنظيم العمل النقابي، وضمان حقوق عمالنا وفق المواثيق الدولية، وتعديل قانون العمل، وإنشاء محاكم عمالية، وتأسيس صندوق للمعونة لمحاربة الفقر والبطالة، وتعزيز الصندوق الفلسطيني للتشغيل والحماية الاجتماعية للعمال.
وطالب سعد بفتح مكتب لمنظمة العمل الدولية في أراضي الـ 48 لمتابعة مشاكل عمالنا، حيث هناك أكثر من 200 ألف عامل يُسرقون من سماسرة العمال والمشغلين الإسرائيليين.
أما رئيس اتحاد الغرف التجارية والصناعية والزراعية الفلسطينية عمر هاشم، فقد تحدث عن معاناة القطاع الخاص جراء الجائحة التي أدت إلى الركود الاقتصادي وخفض معدلات الاستثمار، مؤكدا على أهمية الحوار الاجتماعي لعودة الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها، حيث وقع القطاع الخاص الاتفاق الثلاثي مع أطراف الإنتاج لحماية العامل وصاحب العمل على حد سواء، كما ساهم القطاع الخاص في دعم صندوق وقفة عز لدعم العمال.
وأشار هاشم لأهمية المشاورات لتعديل قانون العمل، والحد الأدنى للأجور، بالإضافة إلى ضرورة استئناف الحوار حول الضمان الاجتماعي، وتعزيز الصندوق الفلسطيني للتشغيل لدعم برامج التشغيل، منوها كذلك إلى وجود بعض القوانين التي بحاجة لتعديل مثل قانون الشركات، لأهمية ذلك في تحفيز الاستثمار وتنمية الاقتصاد.
وتم خلال الجلسة الأولى للمؤتمر مناقشة أثر جائحة كورونا على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، من خلال استعراض وزير التنمية الاجتماعية د. أحمد مجدلاني لواقع المجلس الاقتصادي الاجتماعي الفلسطيني، وتحدثت وكيل وزير الاقتصاد منال فرحان حول أثر جائحة كورونا على المنشآت الاقتصادية، بينما تناولت وزيرة المرأة د. آمال حمد آثار الجائحة على المرأة الفلسطينية، بالإضافة إلى استعراض رئيس الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني د. علا عوض لإحصائيات سوق العمل الفلسطيني حول واقع قطاع العمل خاصة خلال الجائحة.
وفي الجلسة الثانية للمؤتمر، تم عرض ورقة حول "الاعتماد على الحوار الاجتماعي لإيجاد حلول ولإعادة البناء بشكل أفضل: الاتجاهات والممارسات الجيدة على المستويين العالمي والإقليمي"، وورقة حول "دور الحوار الاجتماعي القطاعي أثناء الجائحة وما بعدها"، كما تم عرض تقديمي من قبل المجتمع المدني حول فرص عمل الشباب وتحولات الوظائف في سوق العمل.
جدير بالذكر، أن المؤتمر عقد بمشاركة أكثر من 400 شخصية عربية ودولية عبر منصة زوم، وحضور ما يقارب 100 شخصية في المؤتمر من ممثلي الشركاء الدوليين والمحليين، في المقر العام لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.