- بقلم: د. أماني القرم
أثار تعرض سفينة تجارية لهجوم غامض قبالة سواحل عمان، كانت في طريقها من ميناء الدمام بالسعودية متجهة نحو سنغافورة، إلى عودة المخاوف الأمنية بشأن تصاعد التوترات في مياه الخليج العربي وارتفاع صوت الاتهامات المتبادلة بين إيران واسرائيل . فقد تبين أن السفينة المسماة "إم . في. هيليوس راي" تابعة لشركة شحن إسرائيلية كبرى مقرها تل أبيب مملوكة لأحد أبرز رجال الأعمال وأقطاب الشحن الاسرائيليين "ابراهام أونغر" المعروف عالمياًّ باسم "رامي أونغر". الهجوم الغامض لم يكشف عن سببه حتى الآن إن كان هجوماً صاروخياً أو لغماً داخلياً لكن اللافت في الأمر أنه محدود وربما "مدروس" ! وكل ما قيل أنه خلّف ثغرتين بطول متر ونصف في جانب السفينة الايمن ولم يصب أحد من طاقمها بأذى، فقد استطاعت السفينة بعده الابحار والرسو في ميناء دبي لإصلاح الضرر وللتحقيق بعد وصول وفد أمني اسرائيلي هناك .
الغموض في الكشف عن تفاصيل الحادث يثير عدداً من التساؤلات:
الأول: مغزى التوقيت أو بالأحرى تصعيد التوتر لماذا الآن؟ اسرائيل تصر على اتهام ايران، وما يشاع في وسائل الاعلام الاسرائيلية أن هناك مناقشات مستفيضة داخل كل من المؤسستين السياسية والأمنية حول طبيعة الهجوم وكيفية الرد! فيما ينكر الجانب الايراني الاتهام الاسرائيلي وبشدة ويؤكد على أن أمن واستقرار الخليج أحد أهدافه الخارجية. هذا الدفع بتصعيد التوتر بين الطرفين يأتي في ظل إدارة أمريكية منفتحة على التقارب مع ايران وتحاول إقناعها بالعودة الى طاولة المفاوضات، والاستعداد للانضمام مجددا للاتفاق النووي. وهو الأمر الذي ترفضه اسرائيل بكافة أطيافها وتحاول تخريبه. وعليه فأي تصعيد جاري من شأنه عرقلة مجهودات إدارة بايدن للعودة الى الاتفاق النووي.
ثانيا: الهدف من الهجوم. هل هو فعلا كما تدّعي اسرائيل بمثابة رد على مقتل العالم النووي فخري زادة وعلى الضربات الاسرائيلية على المعاقل الايرانية في سوريا ؟ أم أنّ ايران تريد إثبات سيطرتها واستعراض قوتها في هذه المنطقة؟ صحيح أن مقتل زادة جاء في الصميم، حيث أُعتبر اختراقاً للمنظومة الأمنية في طهران، لكن سبق اغتيال زادة النيل من شخصية أشد تأثيرا وأكثر أهمية بمراحل هو قاسم سليماني، واقتصر الرد الايراني المحسوب وقتها على عشرات الصواريخ التي أطلقت على قواعد أمريكية في العراق. والسلوك الايراني يميل دوماً الى البراجماتية والمصلحة الاستراتيجية فهل من المعقول أن تنزلق ايران الى مواجهة عسكرية تعلم جيداً أنها خاسرة من جميع النواحي لمجرد ثقبين في سفينة شحن؟!
ثالثاً: حول مالك السفينة ابراهام رامي أونغر. رجل الأعمال الثري وقطب الشحن الدولي صاحب العلاقة الوطيدة بالموساد. في العام 2014 نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً حول مجموعة ضغط امريكية (لوبي) مناهضة تسمي نفسها "متحدون ضد ايران النووية"، هدفها تصوير إيران في الرأي العام الأمريكي على انها أكبر مهدد عالمي . شنت هذه المجموعة حملة سميت "حملة التشهير والعار" استهدفت خلالها الشركات العالمية التي تنتهك العقوبات الدولية على ايران وقامت بنشر أسمائها كي يتم حظر التعاون معها وفرض عقوبات عليها. تبين أن المعلومات التي حصل عليها اللوبي المناهض لايران جاء عبر وسيط اسرائيلي له علاقة مميزة بالموساد هو "رامي أونغر" مالك السفينة ذاتها!! ولأن التعاون المعلوماتي بين مؤسسات رسمية ومجموعات ضغط أمر ضد القانون الأمريكي (فما بالك بالموساد وهو وكالة تجسس أجنبية) ، قام أحد مالكي الشركات المحظورة التي تم نشر اسمها برفع قضية في المحاكم الامريكية ضد اللوبي المناهض لإيران لمعرفة من نقل المعلومات وكيف جمعت هذه المعلومات .المفارقة ان إحدى الشركات الاسرائيلية اتهمت بانتهاك العقوبات الامريكية على طهران . فهل يمكن تفسير قيام شركة اسرائيلية بانتهاك العقوبات ضد البلد الذي تحاربه اسرائيل ليل نهار كي تثبت أنه الأكثر خطورة في العالم إلا إذا كان العائد من وصول سفن هذه الشركة إلى إيران أكبر من مجرد الامتثال للعقوبات ؟؟ بالطبع فنقل عناصر استخباراتية أو أسلحة ومتفجرات وربما معدات تجسس أكبر قيمة وأشد زخماً .. .. ولذا سيبقى الهجوم على السفينة الاسرائيلية لغزاً في طيات العلاقات السرية والغير مفهومة..
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت