- *نهى تعيم الطوباسي
سلطت جائحة كورونا الأنظار على القطاع الصحي في فلسطين، فاستجابة القطاع الصحي للجائحة حتى في دول العالم لم يكن سهلا. ولكن في فلسطين يبدو أن الأمر أكثر تعقيدا، حيث أن هذا القطاع يعاني أساسا من الضعف، ويعود السبب الرئيسي لذلك إلى سياسات الإحتلال الإسرائيلي العنصرية والجائرة، وعدوانه المتكرر على شعبنا ومؤسساته، وسياسة التهجير والاعتداءات على الطواقم الطبية والمستشفيات، وعرقلة وصول المعدات الطبية والأدوية الى المراكز الصحية في كافة المدن، والتي فاقمت من مشكلة القطاع الصحي الفلسطيني.
رغم كل جهود المؤسسات والمراكز الصحية، وعلى رأسها وزارة الصحة للنهوض بالقطاع الصحي، إلا أن هذا القطاع ما زال يعاني من نقص وتدني جودة الخدمات الصحية، بدليل أن الحكومة أوجدت نظام التحويلات الطبية لتعويض النقص الموجود لدى المؤسسات الصحية الحكومية، من حيث نقص التخصصات، والخبرات الطبية، والأجهزة، والمعدات، أو المرافق الطبية، وقدرتها على استيعاب أعداد المرضىى. وبالتالي يتم سد هذا النقص من خلال شراء الخدمات الطبية من جهات طبية محلية من خارج وزارة الصحة، سواء القطاع الخاص أو المؤسسات الأهلية والخيرية، أو شراء الخدمة الطبية من دول أخرى.
وتشير المصادر الرسمية إلى أن عدد تحويلات شراء الخدمة من خارج مرافق وزارة الصحة لعام 2019 بلغ 104.881 تحويلة بانخفاض مقداره 4.5% عن العام 2018، وبلغت التكلفة الإجمالية التقديرية لجميع التحويلات قرابة مليار شيكل. ولكن ورغم نسبة الإنخفاض بالتحويلات، ما زالت تكلفة شراء الخدمة كبيرة.
ومما فاقم الأزمة، وزاد مشكلة القدرة الاستيعابية للمرضى، تحويل أقسام عديدة من المستشفيات إلى أقسام لمعالجة مرضى الكورونا، وهذا بحد ذاته شكل خطورة في نشر الوباء في باقي أقسام المستشفيات، وعرّض حياة المرضى الآخرين وصحتهم النفسية للخطر، وهذا مؤشر أن النظام الصحي الفلسطيني ليس معدا إعدادا جيدا ويفتقد إلى المباني المجهزة، لمواجهة الزيادة الطبيعية، والأزمات الطارئة والمفاجئة كما حدث في ازمة كورونا.
وعلى الرغم من أن الجيش الأبيض والطواقم العاملة بالمؤسسات الصحية الفلسطينية أثبتت تفانيها، وقدم أفرادها تضحيات سامية لأجل المرضى، إلا أنه ما زالت هناك أزمة ثقة بين المواطن والمؤسسات الصحية العامة، ويمثل تصنيف الأمم المتحدة للرعاية الصحية في فلسطين، فرصة لإعادة النظر بهذا القطاع و تقييمه وتحليل جذور المشكلة ومكامن الضعف، فوفقا للتصنيف تحتل فلسطين المرتبة 113 في الخدمات الصحية على مستوى العالم ، وهي نسبة تشير إلى أن الخدمات الصحية في فلسطين أقل من المستوى المطلوب.
وقد يكون ذلك سببا رئيسيا في رفع مستوى التحويلات الطبية، علما أن أهم مستشفيات العالم وأكثرها تقدما هي مؤسسات عامة تتبع الدولة، وعنصر المنافسة الأهم في تلك المستشفيات هو ثقة المواطن ورضاه، ومهم لتشكيل الصورة الذهنية المجتمعية الإيجابية وتعزيز ثقة المواطن بالمؤسسات والمراكز الصحية الحكومية وتغيير نمط الفكر السائد، عن أسلوب الأداء وجودة الخدمات في تلك المراكز. فشعار المركز الطبي العالمي والمتميز كليفلاند كلينيك في الولايات المتحدة الامريكية "إرع المريض وكأنه عضو في عائلتك"، هو أحد أسباب تفوق ذلك المركز بتقديم خدمة صحية عالية الجودة. فثقة المواطن مهمة بالرعاية الصحية العامة، ومهمة أيضا لخفض التحويلات الطبية الخارجية.
من الممكن الإطلاع على تجارب دول العالم المتقدمة، والسعي نحو النهوض بهذا القطاع نحو الأفضل، وعلى سبيل المثال يمكن الإستفادة من التجربة السنغافورية في إصلاح القطاع الصحي و نظام الرعاية الصحية في المستشقيات العامة، حيث اعتمدت آلية الإصلاح للنظام الصحي على عدة أمور أهمها التخطيط الجيد وتحسين البنية التحيتة، واعطاء مساحة من الإستقلالية للمستشفيات العامة عن الحكومة، واكتفاء الحكومة بوضع الإستراتيجيات ومراقبة تنفيذها، كما فتحت هذه الدولة المجال للمؤسسات الصحية العامة بالتنافس الإيجابي ومنح نظام المكافآت للمؤسسات المتفوقة، بجودة الخدمة وفرض رسوم بسيطة جدا على الخدمة، وركزت سنغافورة على رفع كفاءة الكادر الطبي من خلال ابتعاثهم الى أهم المستشفيات في العالم، للاستفادة من خبرات تلك الدول، والعودة إلى بلدهم محملين بتجارب وخبرات تلك الدول. بالإضافة إلى أن سنغافورة أنشأت نوعين من المستشفيات، الأول عام يعنى بالأمراض العارضة والجراحة العامة والعيادات المتخصصة والطوارئ والتي تعمل على مدار الساعة، أما الأمراض المعقدة مثل السرطان والقلب وأمراض الجهاز العصبي وغيرها، فقد قامت بإنشاء مراكز متخصصة لها. ويعتبر مستشفى سنغافورة العام والذي تأسس عام 1821، أكبر نظام صحي بالدولة الجزيرة، ويخدم أكثر من مليون مريض سنويا، وصنف من أهم مستشفيات العالم المتقدمة. وهناك دول عديدة تتصدر فيها الرعاية الصحية أولوياتها، و تنافس العالم في الخدمات الصحية. فعندما تتصدر مجموعة مايو كلينيك الأميركية، ومستشفى تورونتو قي كندا، ومستشفى شاريتي في برلين، ومستشفى كارولينسكا السويدي، ومعظمها مستشفيات عامة. فالمراكز الصحية الحكومية في تلك الدول تعتبر واجهة حضارية، وعلمية ومظهرا من مظاهر قوة الدول، ويجب ألا نشعر بالإحباط عند المقارنة بهذه المراكز، التي لم تنشأ إلا بعد تخطيط وتراكم الإنجازات والخبرات، ما يحتم أن يسعى نظامنا الصحي لتحويل المراكز الصحية الحكومية، إلى مظهر من مظاهر التنمية الفلسطينية الرائدة.
لا بد أن يسعى القطاع الصحي إلى التميز بالخدمة، والارتقاء بها، ولا بد من التواصل مع الكفاءات الطبية الفلسطينية خارح فلسطين، وتشجيعها عودتها للوطن، وجمع التبرعات من المستثمرين، ورجال الأعمال، وقد تكون قصة نجاح تأسيس مستشفى المقاصد الذي تأسس بأيد فلسطينية اتحدت وصنعت فرقا رغم المعاناة والقهر، قصة ملهمة للشراكة والتعاون من أجل التميز، فصمود القطاع الصحي هو جزء لا يتجزأ من صمود الشعب الفلسطيني، في معركته مع الإحتلال الإسرائيلي ، والجميع يجب أن يشارك في هذا النهوض وهذا الصمود.
ماجستير حل صراعات وتنمية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت