يرى الشاب السوري أمير ديراوان، الذي قضى سنوات شبابه الذهبية في الحرب، التي عصفت بالبلاد قبل عشرة أعوام أن المستقبل ليس مشرقا بالنسبة له، ولكنه شيء مرعب ومخيف يتجنب التفكير فيه أو حتى تخيله بسبب النكسات الكثيرة التي عانى منها خلال السنوات الماضية.
ويحب ديراوان البالغ من العمر (29 عاما)، مثل أي شاب في سنه، أن يعيش حياته على أكمل وجه سواء بقضاء ليالٍ طويلة خارج منزله أو السفر في إجازات للاستمتاع أو اصطحاب حبيبته إلى مطعم فاخر بين الحين والآخر. كما أنه يحب أن يكون لديه وظيفة جيدة يمكن أن تدعمه وتمكنه من تكوين أسرة في المستقبل.
كل هذه السيناريوهات الطبيعية يمكن أن يمر بها معظم الشباب في أي مكان ما في حياتهم، لكن ليس الشاب السوري ديراوان، الذي قال إنه أصبح نباتيا معظم الوقت لأنه لا يستطيع دائما تناول اللحوم أو الدجاج، في مؤشر على صعوبة أوضاعه المالية.
ويعمل ديراوان في أكثر من وظيفة لكسب بعض المال، والذي بالكاد يغطي جزءا صغيرا جدا من نفقاته وسط الارتفاع الهائل في الأسعار والأزمة الاقتصادية الشديدة في البلاد.
فبالنسبة لديراوان، لم تكن الحياة سهلة، حيث توفي والده قبل 20 عاما، وتركه مع شقيقاته ووالدته في مواجهة العالم بمفرده.
ومثل معظم السوريين، لم تتخيل عائلة ديراوان أبدا أن الحرب السورية ستستمر لعقد من الزمان، وأنهم سيعانون من عواقبها والمصاعب الاقتصادية التي تلت ذلك.
فعندما اندلعت الحرب عام 2011، كان ديراوان يفكر في مستقبل مشرق يكون فيه مقدم برامج تلفزيونية عربية مرموقة وشهيرة ترفيهية وفنية.
لكن الحرب غيرت كل شيء، إذ انتهى الأمر بالشاب للعمل كمذيع في إحدى المحطات الإذاعية المحلية في برنامجه الحواري الصباحي الخاص، والذي يتناول فيه القضايا الاجتماعية. كما أنه يعمل أحيانًا أيضا في الإعلانات التجارية المحلية لكسب بعض النقود الإضافية.
ديراوان يغسل الصحون في منزله، 14 مارس 2021. (شينخوا)
ويحاول ديراوان أن يكون مضحكا على الهواء، وأن يجلب بعض الضحك والفرح للجماهير الذين يتوقون لإيجاد بعض السعادة وسط الأزمات التي لا تعد ولا تحصى. لكنه من الداخل يشارك الناس همومهم بشأن الحياة وما قد يحمله المستقبل لهم .
وقال الشاب السوري لوكالة أنباء ((شينخوا)) "إنه يخشى المستقبل، ويخشى الأمل أيضا لأنه كان يأمل أن يحقق أشياء كثيرة من قبل ولم تتحقق أي من آماله".
وأضاف "بصراحة، توقعاتي منخفضة دائما، لذا لست مضطرا للتفكير في الأشياء التي يمكن أن تحدث في المستقبل، وأشعر بالخوف أو القلق والذعر من الإفراط في التفكير بشأن الخطأ الذي قد يحدث".
فقد كان أحد آماله السابقة أن يرى نهاية سريعة للأزمة السورية ليتمكن من عيش حياة طبيعية والحصول على وظيفة جيدة، وهو ما لم يحدث.
وعلى العكس من ذلك، استمر الوضع في البلاد في التدهور، وبدا أي أمل في وظيفة جيدة وحياة طبيعية وكأنه حلم بعيد المنال.
والآن، يرى الرجل أن السفر إلى الخارج هو الحل الوحيد لمشاكله الاقتصادية وإيجاد مخرج من الأزمة في البلاد إلى نوعية حياة أفضل في أماكن أخرى.
وقال ديراوان "أنا أستنفد كل الجهود للعثور على فرصة عمل في الخارج لأحصل على دخل جيد يكفيني خارج سوريا، وبعد ذلك أفكر في العودة إلى البلاد، ولكن الآن وهنا كل ما أفكر فيه هو إما السفر إلى الخارج أو البحث عن فرصة عمل جيدة لأتمكن من عيش حياة كريمة".
كما اشتكى ديراوان من أن الشباب في سوريا يجب أن يفكروا في بناء المستقبل وتطوير مهاراتهم لإثبات أنفسهم في سوق العمل، لكنهم الآن للأسف مشغولون بالتفاصيل التي لا ينبغي لهم حتى التفكير فيها.
ديراوان يشرب القهوة في المنزل، 14 مارس 2021. (شينخوا)
وقال "للأسف، هناك الكثير من التفاصيل التي تشغل أذهاننا كشباب أكثر مما ينبغي في الواقع، مثل وضع الكهرباء في البلاد والنقل وكذلك تأمين الطعام والمواد التي يمكننا إحضارها إلى المنزل".
واشتكى أيضا من أن العقوبات الغربية المفروضة على سوريا تمنع الأجيال الشابة من تطوير مهاراتهم عبر الإنترنت من خلال حضور دورات تدريبية، حيث تقيد العديد من مواقع التدريب الوصول من سوريا بسبب العقوبات.
وقال "هناك أشياء لا يمكنني القيام بها عبر الإنترنت بسبب العقوبات المفروضة على البلاد مثل حضور دورات عبر الإنترنت لأن العديد من المواقع مقيدة ولا يمكن الوصول إليها من سوريا".
وتتعلق هذه القصة اليومية بكثير من الشباب والشابات في سوريا. إذ تؤثر الأزمة الاقتصادية على هؤلاء الشباب أكثر من غيرهم نتيجة العقوبات الأمريكية على البلاد، مما يفاقم معاناة السوريين ويعيق أي جهد لإعادة بناء البلاد.
وأثرت مثل هذه العقوبات على الليرة السورية، التي تعرضت للانهيار منذ بداية العام الجاري، وتراجعت إلى حد كبير أمام الدولار، مما تسبب في ارتفاع أسعار جميع السلع وسط نقص في الوقود والغاز والقمح.
الآن، يقضي السوريون ساعات طويلة في محطات الوقود والمخابز لتأمين الوقود والخبز، وكلاهما عنصران أساسيان في البلاد.
وقال ديراوان "لا يمكنني أبدًا التفكير في تكوين أسرة في هذا الموقف لأنني أعتقد أن إحضار طفل إلى هذا العالم في مثل هذه الظروف يعد جريمة".
وقالت الأمم المتحدة العام الماضي إن الأمن الغذائي السوري وسبل عيشه تأثرت بشكل خاص في بلد يعيش فيه 80 في المائة من السكان بالفعل تحت خط الفقر الدولي البالغ 1.90 دولارًا أمريكيا في اليوم.