- بقلم: فراس ياغي
الغزارة الإنتخابية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس مسألة طبيعية جدا وهي نابعة للأسف من المسافات التي تفصل بين حدث إنتخابي وآخر، الأولى للتشريعي تمت عام 1996، وبعد عشر سنوات كانت الثانية في العام 2006، والثالثة إن تمت فهي ستتم بعد خمسة عشرة سنة، لذلك نرى غزارة في المرشحين في محاولة لتشكيل قواءم، كما أن الجدالات الداخلية في التنظيمات وعلى رأسها حركة فتح وما نتج عنها حتى الآن هو تعبير حقيقي عن ترهل النظام السياسي الفلسطيني بسبب من عدم تجديد الشرعيات لأكثر من عقد ونصف.
غدا سيتم فتح باب الترشح وتسجيل القواءم والحالة لا زالت ضبابية بحيث أصبحت الرؤيا فيها من الصعوبة وكأنها مغامرة غير محسوبة العواقب، لماذا؟ لأن الشارع الفلسطيني حتى الآن غير متيقن من إجراء الإنتخابات ومتخوف مما يسمى القاءمة المشتركة والتي إن تمت فهي تكريس حقيقي للواقع السياسي الفلسطيني الذي يعاني أمراض مزمنة لا يمكن علاجها دون إحداث تغيير جذري وحقيقي عليه وليس بنسخه بإسم الوحدة الوطنية والإسلامية.
عندما أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوم الدعوة للإنتخابات وبطريقة التتابع، إستبشر الكثير خيرا من حيث العودة لنهج الديمقراطية الحقة، لأن المرسوم أعاد للشعب الفلسطيني حقه المسلوب منذ العام 2006 في تحديد من يمثله ويعبر عنه في البرلمان والرئاسة، ولأن التجديد هو السمة الدائمة لكل شيء، وبدون ذلك سيحدث تراكم طبيعي يؤسس لعملية إنفجار وتفكك، ولأن السمة الأساسية لأي إنتخابات هي الحرية في الترشح والتجمع في قواءم إنتخابية وبغض النظر عن غزارتها النابعة من أسباب موضوعية كان النظام السياسي الفلسطيني الحالي بشقيه في رام الله وغزة هو السبب فيها، إلا أن ذلك لا يعني مطلقا التخوف من إجراءها لأن ذلك يؤكد المؤكد بأن الشريحة التي تقود هكذا نظام بشقيه "الوطني والإسلامي" لم يدعو للإنتخابات لأنه وصل لقناعة بضرورة الإنتقال من الجمود للحركة، إنما لتكريس ذاك الجمود بتجديد شرعية تلك الشريحة التي تتحكم بمفاصل النظام السياسي الفلسطيني.
للأسف نسمع كثيرا في أوساط النخب الفلسطينية المنخرطة بشكل أو بآخر في الحياة السياسية بأن قرار الإنتخابات هو دولي وإقليمي وليس قرار فلسطيني محض، ويشطح الكثير في شرح ذلك، في حين الأمر مختلف كليا ويتلخص بجملة واحدة، القيادة الحالية في رام الله وغزة تآكلت شرعيتها وهي بحاجة ماسة للتجديد، وهذا لا يمكن أن يتم دون صناديق الإقتراع، لكن طريقة الإخراج لتجديد تلك الشرعية هي التي يعملون عليها، فمرة بإسم القاءمة المشتركة، ومرة بإسم التفاهم الإنتخابي بين القطبين الرئيسين "فتح وحماس"، ومرة بإسم التأجيل وعمل حكومة وحدة وطنية تؤسس من جديد لعقد الإنتخابات، ولكن ما جرى من قوانين وإشتراطات ومراهصات في رام الله وغزة يؤكد أن الهدف من عقد الإنتخابات هي محاولة لإعادة تثبيت الكراسي للجالسين عليها لا أكثر، المشكلة أن ذلك غير ممكن الحدوث في ظل الغضب الشعبي العارم على من كرّس الإنقسام وعلى من عزز الفساد وعلى من وضع مشروعنا الوطني في مهب الريح، ومهما كانت الشعارات والتصريحات والمواقف، لأن الإنسان الفلسطيني يلمس الواقع أكثر مما يسمع لتلك التصريحات والكلام المعسول المغمس بلغة الرفض والمقاومة، كما أن الإشتراطات التي وضعت من أجل الترشح في قانون الإنتخابات وبموافقة فصاءل النظام السياسي كاملة تؤكد حقيقة تخوف الشريحة الحاكمة من فقدان دورها بعد الإنتخابات.
المشهد الإنتخابي اليوم يؤكد أن القديم ذاهب وسيذهب، ومن يرى غير ذلك فهو لا يعرف الشعب الفلسطيني حق المعرفة، لذلك نرى صراع حقيقي داخل بعض التنظيمات وخاصة في حركة فتح قائدة ورائدة المشروع الوطني، حيث أن قرارات القاءمة الموحدة لفتح أصبحت غير واقعية بالمطلق ومحاولة لمنع التغيير بإسم الإنضباط التنظيمي وما حدث مع الأخ المحترم الوطني المخلص الدكتور ناصر القدوة عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الفلسطيني "فتح" خير دليل، إضافة للموقف من التيار الإصلاحي الديمقراطي بقيادة الأخ القائد محمد دحلان والذي يمثل عمق جماهيري وشعبي وبالذات في قطاع غزة، عدا عن كوادر عديدة تعمل على تشكيل قواءم وجلها من حركة فتح، لقد كان الأجدر بالحركة العملاقة "فتح" أن تكون هي النموذج وتقوم بإجراء إنتخابات تمهيدية شاملة "برايمرز" لإختيار ممثليها في البرلمان وبما يشمل الجميع وليس من خلال قرارات لا يمكن الإلتزام فيها في حركة واسعة ومهمة كحركة فتح من جهة، ومن الجهة الأخرى الإرهاصات الداخلية فيها التي طفت على السطح بسرعة البرق عندما صدر مرسوم الإنتخابات، إرهاصات بدأت وترسخت منذ الإنقسام وما بعد فصل القيادي محمد دحلان من عضوية المركزية وترسخت بقوة بعد المؤتمر السابع للحركة، لذلك سنرى بالحد الأدنى ثلاث قواءم رئيسية جذورها وأصله فتحاوي وقاءمتين بالحد الأدنى فرعيتين، أما اليسار فلم يستطع تشكيل كتلة موحدة ويبدو أنه ذاهب بالحد الأدنى لقاءمتين، في حين حركة حماس تغلو من داخلها ولكن هذا لا يظهر على السطح بشكل واضح لطبيعة هيكليتها المغلقة وتنظيمها الشمولي لكنها تُعتبر الأفضل تنظيما من غيرها، ومع ذلك فهي ترتعش من الجمهور وبالذات في غزة بسبب مما آلت إليه الأوضاع في حكمها للقطاع الذي إزداد فقرا وجوعا والشريحة الحاكمة فيها إزدادت غناً ونفوذاً على حساب مليوني مواطن غزاوي، كما سنرى العديد من قواءم للمستقلين والتي بإعتقادي لن تكون كثيرة كما إعتقد البعض والسبب هو صراع هؤلاء المستقلين على الأرقام الأولى في القاءمة وبحيث مرة أخرى يضع الفرد ذاتيته أمام البرنامج والهدف من وجود قاءمة، حراكيين ضد الفساد والضمان والإتصالات وغيرها وأكاديميين ينتقدون النظام السياسي وغيره، لم يستطيعوا وضع فكرة جامعة وشاملة وقادرة على التغيير لأنهم جميعا بحثوا عن ذاتهم أكثر مما بحثوا عن الفكرة، مرة أخرى يفشل المستقلين في تقليل عدد قواءمهم والإتفاق على الحد الأدنى بقاءمتين أو ثلاثة، ولكن لا يزال المجال أمامهم قاءم للإتفاق.
الإنتخابات القادمة إن حدثت هي فرصة لإحداث تغيير إيجابي يؤدي لنقلة جديدة في النظام السياسي الفلسطيني مستندا للشراكة ولإحداث قانون قادر على إحترام التعددية وحرية التعبير عن الرأي ومحاربة الفساد المستشري والذي اصبح القانون غطاءه من خلال العديد من القوانين التي صدرت بمرسوم، فالتشريعي القادم هو الوحيد القادر على لجم هذا السيل من المراسيم القانونية التي تخدم شريحة أو فرد ولا تخدم الحالة والنظام السياسي الفلسطيني ككل، غزارة المرشحين والقواءم مسألة صحية خاصة وأن الواقع يشير أن هناك توجه لإعادة صياغة النظام السياسي الفلسطيني كنتيجة للإنتخابات القادمة، المهم أن تحدث الإنتخابات بشفافية وبنزاهة وحرية وسرية في التصويت والإلتزام بميثاق الشرف والحفاظ على السلم الأهلي بتمكين الجمهور الفلسطيني من التعبير عن رأية عبر صناديق الإقتراع، ولتكن محطة الإنتخابات هي الحكم لأي مُخرجات قادمة، وغير ذلك أو محاولة فرض مُخرجات على مقاس هذا أو ذاك ستمس السلم الأهلي والمجتمعي في جوهره وصميمه، وحدها صناديق الإقتراع هي الحكم، فلنحتكم لها بشكل حضاري يُعبر عن ديمقراطية "غابة البنادق" وعن ديمقراطية "السكر الزيادة"، رحم الله القائد الشهيد الخالد فينا الرئيس "أبو عمار".
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت