الانتخابات التشريعية وآفاق التغيير الديمقراطي والتعددية

بقلم: محمد علوش

محمـد علوش
  • بقلم : محمـد علوش *

لسنوات طويلة ونحن ننتظر وننادي بضرورة إجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية باعتبارها حق قانوني وديمقراطي تعكس حرية المواطن في انتخاب ممثليه ، وقد طال أمد الانقسام الكارثي في ساحتنا الفلسطينية مما عطل دور المجلس التشريعي قبل أن يتم حله بقرار محكمة دستورية بعد أن استنفذت كل الطرق لإنهاء الانقسام ومحاولات توحيد المؤسسات تحت قيادة واحدة تمثل الشعب الفلسطيني .

جولات طويلة من الحوارات الثنائية بين حركتي فتح وحماس والحوارات الوطنية بمشاركة جميع الفصائل وسنوات عجاف وقاسية طويلة عاني خلالها الفلسطينيون من واقع وآثار الانقسام على كافة المستويات ، وقد حسم الأمر مؤخراً وبعد ضغوط إقليمية ودولية بجمع الشمل الفصائلي كمقدمة لإنهاء الانقسام وقد كان لدورتي اجتماعات الأمناء العامون للفصائل أهميتها أيضا في تذليل العقبات وتوفير الأجواء والمناخات لمساعدة " طرفي الانقسام " في إنهاء الانقسام وآثاره الخرائبية عبر سلسة من الإجراءات والتوجهات ، وتشكل الانتخابات العامة بمراحلها الثلاثة أهم تلك الإجراءات لمحاولة رأب الصدع وتصفية الواقع الانقسام عبر صناديق الاقتراع والامتثال للعملية الديمقراطية وهذا هو الخيار الأصوب الذي يترقبه الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة منذ سنوات .

الانتخابات القادمة التي ستتم في 22/5/2021 تشكل المرحلة الأولى من العملية الديمقراطية التي ستشمل الانتخابات الرئاسية ومن ثم انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني ، وكلنا أمل بأن يكون العام 2021 عام الديمقراطية الفلسطينية .

نتطلع من خلال هذه الانتخابات لإحداث التغيير الديمقراطي والتعددية السياسية والبرنامجية وخاصة بأن الانتخابات ستجرى وفقاً لنظام التمثيل النسبي الكامل وهذا النظام من  شأنه بأن يتيح الفرص لمعظم القوائم الانتخابية من المنافسة وتجاوز نسبة الحسم وبالتالي خلق حالة من التعددية في المجلس التشريعي للابتعاد عن الثنائية المقيتة أو عن الاستفراد والهيمنة التي من شأنها إدامة خضوع الأوضاع لمزاج البعض الذي يحاول فرض أجنداته بعيداً عن صيغة العمل الجماعي والقواسم المشتركة وبخاصة فيما يتعلق بالتشريعات والقوانين التي تعكس المنطلقات الضيقة لهذا أو ذاك .

إننا بحاجة إلى انتخابات حقيقية وجدية تعكس إرادة هذا الشعب وماذا تريد الفئات الشعبية العامة من هذه الانتخابات عبر تحسس مشاكلها وهمومها وأولوياتها والانتصار لها من خلال التعبير الصادق عن الانحياز لها والدفاع عن قضاياها ومعالجتها وفق أسس قانونية ومراقبة اداء الحكومة في تنفيذ القوانين والتشريعات واليات تقديم الخدمات وكيف تصرف الميزانيات وعلى أي أساس .

نريد انتخابات تكرس التعددية والمنافسة الواسعة بين مختلف الأطراف وبناء التحالفات الانتخابية لضمان الوصول بمقاعد أكثر للمجلس التشريعي لهذه القائمة أو تلك وهذا أمر محمود ولكن ينبغي أن تقام التحالفات على أسس وقواعد مبدئية وتعبر عن الاحترام المتبادل والقواسم المشتركة في البرنامج السياسي والاجتماعي والاقتصادي .

إننا نتابع من يجري من حوارات بين القوى المختلفة وهناك عقليات فئوية ما تزال ترى بنفسها ما لا يراه سواها وتفرض أجنداتها الفئوية والضيقة وهذا ما سيفشل قوى اليسار من تجميع شتاتها ولملمة أوضاعها لتشكل قائمة انتخابية تكون قادرة على العبور إلى المجمع الانتخابي والمنافسة الممكنة في ظل تعدد القوائم من مختلف القوى والاتجاهات والمشارب وبما فيها حماس وفتح والتيارات المنبثقة عنها والمستقلين وغيرهم .

أرى بضرورة بلورة ائتلاف وطني وديمقراطي عريض ليضم القوى والشخصيات المستقلة والكفاءات المهنية القريبة من هذا الخط وان يكون هناك تواضع من الجميع والابتعاد عن المناكفات والنرجسية الاستعلائية التي ثبت فشلها لأن رصيدها معروف ومعروف حجم وإمكانيات كل طرف من الأطراف ، ومن هذا المنطلق ومن اجل أن يكون هناك دور فاعل ومستقبل لكافة القوى الديمقراطية والتقدمية فان الفرصة قائمة وسانحة من خلال تشكيل هذا "الائتلاف" ببرنامج واضح وبسيط ومنحاز لقوى الشعب ، وعلى هذه القوى جميعاً أن تكون مستعدة لهذا الاستحقاق وإلا سيكون مصيرها الفشل والفشل الذريع بحيث تكون  بذلك قد فوتت فرصة تاريخية لتقديم نفسها ضمن تحالف محترم قد يكون له رصيد جماهيري إذا ما تحقق وعكس بوضوح الوحدة المبدئية بين مختلف الأطراف وعلى قاعدة المصلحة الوطنية العليا قبل أي مصلحة أخرى .

في الانتخابات السابقة عام 2006 ضيع اليسار الفلسطيني فرصة من ذهب وباعتقادي أن النتائج كانت مخيبة ومعيبة لكل هذا الوارث التاريخي لليسار وإذا لم تستخلص العبر من تلك النتائج فالوضع سيكون من سيء إلى أسوأ في ظل الانتخابات المقبلة التي ستشهد استقطاباً حاداً وتنافس كبير بين التيارات الكبيرة ودخول لاعبين جدد للساحة السياسية .

فرصة اليسار ما زالت قائمة إذا توحد وقدم نموذجاً مختلفاً ، ليس على قاعدة الحزبية الضيقة ، بل بالانفتاح على مكوناته المختلفة ليقدم رؤيته بشكل موحد نحو التغيير الديمقراطي وتجديد العزم على النضال الديمقراطي المطلبي من اجل استكمال مهام التحرر الوطني ومهام التحرر الاجتماعي والاقتصادي والبناء الديمقراطي ورفع راية العدالة الاجتماعية وتحمل المسؤولية في تبني القضايا والسياسات الاجتماعية والاقتصادية التي من شأنها معالجة مشاكل الفقر والبطالة والارتقاء بخدمات التعليم والصحة والنضال المشترك من اجل منظومة قضائية مستقلة وحريات وحقوق عامة مصانة على أساس المواطنة والديمقراطية السياسية والاجتماعية .

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت