في 21 مارس/آذار، تحيي أغلب الأقطار العربية، وبينها فلسطين، "يوم الأم"؛ لكن أيام الأم الفلسطينية، تختلف عن سواها في كثير من التفاصيل، سيما في تحملهن المسؤولية.
"الأناضول" تطرق -في هذا التقرير- باب أم فلسطينية، يلاحق الاحتلال زوجها (مُطارَد بالتسمية المحلية) منذ نحو ربع قرن، ما جعل تجربتها فريدة ومسؤولياتها مضاعفة.
تتحدث الفلسطينية عندليب الحروب، زوجة "المطلوب" للاحتلال الإسرائيلي منير الحروب (52 عاما)، بألم عن سنوات طويلة، جراء الملاحقة الإسرائيلية للأب، والمسؤوليات الثقيلة التي وقعت على عاتقها في غيابه، وتحديدا تجاه أبنائها الخمسة منذ طفولتهم وحتى باتوا شبابا.
واعتُقل منير الحروب، وهو من بلدة "دير سامت" جنوبي الضفة الغربية، عدة مرات من قبل الجيش الإسرائيلي خلال تسعينيات القرن الماضي، قبل أن يطلق سراحه، ويختفي عن الأنظار، منذ إعادة احتلال مدن الضفة الغربية الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية عام 2002.
تقول عندليب (42 عاما) إن زوجها مطارد لأنه "ينشد الكرامة"، مشيرة إلى أن تهمة "مقاومة الاحتلال" تلاحقه منذ أيام الدراسة الجامعية.
ومن الحالات النادرة أن، يفلت فلسطيني من ملاحقة إسرائيل المهيمنة على الضفة الغربية.
تقول الحروب، إن منزلها يتعرض للاقتحامات المستمرة من قبل الجيش الإسرائيلي منذ نحو 20 عاما، بما يرافق ذلك من تخويف وإرهاب بإطلاق القنابل الصوتية وتحطيم نوافذ وأبواب المنزل، وجلسات التحقيق الطويلة معها.
** تنغيص أيام الفرح
تصف الحروب تفاصيل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، فتقول "ليس أمرا سهلا أن يفقد الأطفال الأمن، وأن يهزهم الخوف، الناس ينتظرون الأيام السعيدة ليفرحوا بها، وهم (جنود الاحتلال) يستغلونها ليُنغّصوا علينا فرحتنا، أضع الفاكهة وحلوى العيد، والاحتلال يدوسها بالقدمين عند انتصاف الليل".
وتضيف "منذ عشرين عاما لا أذكر في يوم من الأيام نمنا ليلة كاملة بأمن، الأمان مفقود، الجيش يأخذني في كل مرة يقتحم المنزل إلى الشارع ويحقق معي عن مكان زوجي الذي لا أعلمه".
وتتساءل "كيف لأم لا تستطيع حماية نفسها أن تغرس مفهوم الأمن والأمان في أبنائها الذين يرون الخوف بأعينهم؟ كيف لهم أن يشعروا بالعزة وأمهم يُحقق معها في الشارع؟".
وتشير الحروب إلى "تعقيدات حياتية" ترافق قضية المطاردين من قبل جيش الاحتلال، خلافا لقضايا الشهداء والأسرى الذين لهم مؤسسات رسمية ترعى شؤون أُسرهم.
وتضيف "قضيتنا تدور في دائرة مفرغة، لا أفق لها، تغيب عن الساحات الرسمية والشعبية، الأسير له ملفات وزارة (ترعى عائلته) والشهيد كذلك، أما المطارد فليس له مؤسسة تتبناه".
وتتحدث الحروب هنا عن مؤسسة "رعاية أسر الشهداء والجرحى"، و"هيئة شؤون الأسرى والمحررين" التابعتين لمنظمة التحرير الفلسطينية.
** أعصاب متوترة وتهديدات
تستفيض الحروب في الشرح، عن القلق الذي تعيشه الأسرة على حياة زوجها "لا يمر خبر عاجل، أو طيارة أو جيش (إسرائيلي) إلا توترت أعصابنا (خشية اعتقاله أو اغتياله)".
وتكشف عن تهديد صريح ومباشر من جيش الاحتلال، باغتيال زوجها وتفجير جسده "إذا لم تخبريني عن مكان زوجك، أعدك أن يشوفوا (يشاهدوا) أطفالك دماءه على الأرض".
وتحاول الأم الفلسطينية الموازنة بين احتياجات أبنائها منذ طفولتهم، وحتى أصبحوا شبابا وأنهوا تعليمهم بتفوق "حاولت أن أوازن بين نفسياتهم وحاجاتهم المجتمعية بدمجهم في المسابقات ومشاريع إعلامية ورياضية لإخراجهم من أجواء الضغط النفسي وبناء شخصياتهم".
وأشارت إلى وجود معاناة اقتصادية ثقيلة تحملتها بعد وقف راتب زوجها -الذي كان يعمل معلما- من قبل الحكومة الفلسطينية، ثم فصلها من وظيفتها لأسباب سياسية قبل أن تعود للعمل بقرار قضائي قبل سنوات، حسب قولها.
وتضيف السيدة الفلسطينية إن المسؤولية "تكون مضاعفة عندما يتعلق الأمر بقرار سفر أبنائها للدراسة أو زواجهم إذ عليها أن تجتهد، بما لا يخالف رغبة أبيهم الذي لا تستطيع التواصل معه، وضوابط المجتمع".
** مسؤوليات تصعب على الرجال
وخلصت الحروب إلى أن المرأة الفلسطينية تتحمل في كثير من الأحيان مسؤوليات "لا يستطيع كثير من الرجال تحملها، فهي أب وأم في نفس الوقت، تتحمل وحدها أعباء الاقتصاد والتعليم".
ورغم قساوة السنين، والمسؤوليات الكبيرة تجد أم معاذ نفسها أمام أبنائها وقد أصبحوا شبابا وأنهوا دراستهم الجامعية بتفوق في مجالي الهندسة والطب، مما يضمد بعض جراحها.
وفي هذه السنة تحيي فلسطين "يوم الأم" بوجود 12 أمّا، من بين 39 أسيرة في السجون الإسرائيلية، وفق معطيات نادي الأسير الفلسطيني.
ولا تتوفر معطيات رسمية فلسطينية حول العائلات التي تديرها أرامل شهداء أو زوجات أسرى.
ووفق معطيات نشرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني خلال مارس/آذار الجاري تشكل النساء 49% من المجتمع الفلسطيني، حوالي 66% ممن هن فوق ال 18 سنة متزوجات.