الشباب أمل المستقبل وقادة التغيير لا أدوات استقطاب

بقلم: نهى نعيم الطوباسي

نهى نعيم الطوباسي
  •  بقلم: نهى نعيم الطوباسي*

عاد الشباب الفلسطيني يتصدر المشهد العام، بعد صدور المرسوم الرئاسي للإنتخابات، وعادت المؤسسات والأحزاب والنخب والقادة السياسيون وغيرهم، يتحدثون عن دور الشباب الفلسطيني المهم والفعال في عملية النهوض والبناء والإستقلال. وتسليط الضوء الكثيف والمفاجئ على الشباب من كافة الجهات، يحتاج إلى تحليل ويثير الكثير من التساؤلات. هل هذا فعلا إدراك متأخر لأهمية الشباب الفلسطيني، ودورهم المحوري والجوهري في عملية صنع القرار، والبناء والتحرر من الإحتلال؟ أم أن ذلك وسيلة من وسائل الاستقطاب والدعاية ومحاولة كسب الأصوات؟ خصوصا وأن المجتمع الفلسطيني هو مجتمع شاب وفتي، وبالتالي من سيحسم نتيحة الإنتخابات هم الشباب. وحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، "يشكل الشباب (18-29 سنة) في فلسطين 1.14 مليون شاب، بنسبة 22%، من إجمالي السكان في فلسطين منتصف العام 2020."  ولكن يبقى السؤال هل سيدوم ذلك الاهتمام بالشباب ومشكلاتهم، وتمكينهم في مجتمعهم والاستثمار بطاقاتهم، بالتنمية ومواجهة الإحتلال؟

وبما أن الشباب اليوم هم أمل فلسطين والأحزاب، إذن ما هو المطلوب من الشباب في الانتخابات القادمة، خصوصا بعد سنوات من العزلة، والعزوف عن المشاركة السياسية، نتيجة حالة الإحباط وخيبات الأمل المتتالية، من الفصائل والمؤسسات، فهم أول من دفع ثمن تداعيات الانقسام القاهرة، والتي أضعفت قدراتهم وشتتت أولوياتهم، وأدخلتهم في واقع حجبهم عن الأولويات الوطنية للمشاركة الفعالة في صنع القرار ورسم السياسات. ومن جهة أخرى كانوا أول المستهدفين من قبل الاحتلال الإسرائيلي، إما من خلال إغلاق المؤسسات الشبابية، وتضييق الخناق عليها، أو بملاحقة النشطاء السياسيين منهم بالإعتقال أو بالقتل، مما أدى إلى تراجع دور الشباب في التنظيمات السياسية، والحركات الشبابية، والنقابات. وفي ظل الثورة التكنولوجبية التي وصل أوجها وامتدادها إلى فلسطين، تحول أغلبية نشاط الشباب الحقيقي والملموس على الأرض، إلى عزلة،  إلى نشاط في دوائر العالم الإفتراضي، وعبر منصات التواصل الاجتماعي.

تشير بيانات التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت لعام 2017،  أن نسبة 14.9% من الأسر الفلسطينية  يرأسها شاب، ويتولى فيها شاب تدبير الأسرة واتخاذ القرارات المهمة، بواقع 13.9% في الضفة الغربية، و16.5% في قطاع غزة ، وهذه النسبة لها مؤشرات ودلالات مهمة، وتوضح جزءا من أسباب عزوف الشباب، عن المشاركة السياسية، في ظل الظروف الإقتصادية والإجتماعية والسياسية في فلسطين، وأثرها على خلق أولويات للشباب تشغلهم عن المشاركة السياسية على كافة الأصعدة. غير ذلك، بلغ معدل البطالة بين الشباب في فلسطين 38% لعام 2019 (31% بين الذكور و63% بين الاناث)ـ بواقع 63% في قطاع غزة و23% في الضفة الغربية. ونستطيع أن نتخيل من هذه النسبة كم أن شبابنا الفلسطيني مثقل بالخيبات و الهموم، ومسؤولية تأمين لقمة العيش والإحتياجات الأساسية، وأثر ذلك كله على المشروع الوطني الفلسطيني، فهل سيكون صندوق الاقتراع يمثابة مصباح علاء الدين الذي سيغير واقعهم، أم أنه سيكون خيبة جديدة لهم؟

بغض النظر عن الواقع المرير، وعن الفترة السابقة التي كانت فيها إخفاقات وإنجازات أيضا، تشكل الانتخابات فرصة مهمة للشباب الفلسطينـي ليتخلصوا من خيبات الأمل، إذا ما أخذوا دورهم المهم فيها، ولذلك لا بد من أن يقفزوا من مواقعهم الإفتراضية إلى مكانهم الحقيقي على الأرض، ليقودوا التغيير نحو واقع أفضل، فلطالما كان للشباب الفلسطيني دور فاعل ومؤثر في تاريخ القضية، ومحطات النضال الفلسطيني والمواجهة مع الإحتلال الإسرائيلي، ولا ننسى أن من أسّس منظمة التحرير الفلسطينية، المرجعية السياسية والوحيدة للشعب الفلسطيني كانوا  في أوج شبابهم، والذين قادوا الحركة الوطنية، والثقافية، والنقابية، كانوا  ايضا شبابا في تلك المرحلة، والذين اشعلوا الثورات والانتفاضات ضد الإحتلال هم أيضا من الشباب، فالشباب ليسوا مجرد نسبة، بل هم شعلة النضال على مر التاريخ،  فليكن شبابنا في هذه الانتخابات السد المنيع الذي سيحمي هذا الإستحقاق التاريخي للشعب الفلسطيني، فهذه الإنتخابات ستكون التمرد الحقيقي على تداعيات الانقسام و التحدي الحقيقي للإحتلال وحصاره وسياساته ضد شعبنا.

ولا بد من إدراك الشباب أن هذه الانتخابات هي معركتهم مع الواقع الصعب، وفرصتهم لصناعة واقع أفضل، والمساهمة في رسم السياسات ورفع أولوياتهم من الهامش إلى الواجهة. والمطلوب يقظة حقيقية من الشباب بالدور المناط بهم في هذه الإنتخابات، ومنع تحوّل هذه الانتخابات إلى معركة استقطاب بين الفصائل.

 وعلى الشباب الحذر من استغلالهم ليكونوا وقودا لهذه المعركة، ومن كل الإغراءات المادية والمعنوية التي من الممكن أن تعرض عليهم لكسب أصواتهم، وهنا يبرز دور المؤسسات الشبابية والنقابية والحركة الوطنية ودور المثقفين والنخبة، في توعية الشباب وتحذيرهم من المشاركة في التعبئة السلبية وتحريض الفصائل على بعضها. فلا بد للشباب أن يكونوا صمام الأمان، والمقود الذي يحرك العملية الانتخابية لصالح فلسطين وقضيتها وشبابها. فالمفروض أن هذه الإنتخابات معركة كسر عظم مع الإحتلال وليس مع أنفسنا.

ولتكن الإنتخابات حاضنة للشباب وإبداعاته، وطموحاته، وأحلامه، فالشباب الفلسطيني شباب شجاع ومبدع ومبتكر، ويمتلك المهارات والكفاءة، ليكونوا قادة للتغيير وليس أدوات للاستقطاب. وهنا نستذكر أبيات الشاعر حافظ إبراهيم:

رِجالَ الغَدِ المــَأمولِ إِنّا بِحــاجَةٍ ...  إِلَيكُم فَسُدّوا النَقصَ فينا وَشَمِّروا

رِجالَ الغَدِ المَأمولِ لا تَترُكوا غَدا ... يَمُرُّ مُرورَ الأَمسِ وَالعَيشُ أَغبَر

أخيرا، طوبى لمن يحاول أن  يغرس زيتونة بين الأشواك، وطوبى لمن يوحّد الأيادي المتفرقة، ولمن يسعى أن يكون سندا لشعبنا وقضيته ولأحلام أطفالنا، فليأخذ الشباب الفلسطيني موقعه لحماية وطنه، ولتفويت الفرصة على كل من يحاول تخريبه،  وليحرصوا على ألا يعودوا للهامش من جديد، فالدور لا ينتهي عند الانتخابات، بل يأتي بعدها، لحماية الوحدة الوطنية الفلسطينية، وعدم السماح بالعودة إلى مربع الإنقسام، والعمل بهمة وطاقة لإكمال المشوار نحو البناء والنهوض والاستقلال.

* ماجستير تنمية وحل الصراعات

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت