- عمر حلمي الغول
الإنتخابات الإسرائيلية المنتهية للتو من فرز نتائجها أكدت تتويج نتنياهو زعيما أوحدا لليمين الصهيوني بكل تلاوينه، ومنحته 30 مقعدا في الكنيست ال24. لكنها سحبت من يديه كل ارصدة اليمين في ذات الوقت، ووضعت في طريقه حقل الغام كبير لا يستطيع تجاوزه إلآ بشق الأنفس، وقد ينفجر به أحد الالغام، التي سيحملها باسرع مما يتصور. نجح وخسر نتنياهو في الإنتخابات، لم يتمكن من تخطي عنق الزجاجة، مازال حبيسا يصارع. رغم إدعاءاته المتكررة، انه سيشكل حكومة يمين قوية، بيد ان واقع اللوحة المنبثقة عن الإنتخابات كشف هشاشة جلية، وطريق مليئة بالحفر، ومتفرعات متناقضة لايقوى على حملها جميعا، وهي لا تقبل القسمة على بعضها البعض، وكل منها له حساباته واشتراطاته وخلفياته العقائدية والسياسية، وهي متصادمة ومتناقضة على مستويين قومي وديني.
نعم الكنيست ال24 الخارجة إلى النور أمس الجمعة 26/ 3/ 2021 بنتائجها النهائية، قالت كلمتها الفصل، وأكدت بما لا يدع مجالا للشك، ان لا تقبل القسمة على تشكيل حكومة خامسة بقيادة نتنياهو بسهولة، وهو الأوفر حظا بتشكيل الحكومة القادمة، إلا بصعوبة وبعمليات جراحية، وليس عملية واحدة، لإنه لحشد 61 نائبا أو اكثر قليلا يحتاج إلى إستقطاب حزب يمينا زائد الصهيونية الدينية الفاشية وبدعم من الخارج من القائمة الموحدة الفلسطينية، والكتل الثلاث المذكورة لا تقبل التواجد في مركب حكومي واحد. مثلا عشية الإنتخابات قال نفتالي بينت، انه مستعد للتوقيع على الملأ بعدم الإنضواء في حكومة برئاسة لبيد، لكن شرط ان يوقع نتنياهو على تعهد بعدم التعاون مع قائمة منصور عباس. وكان بن غفير وسموتريتش الكاهانيان الفاشيان، قد اعلنا في أكثر من تصريح رفضهما المطلق لإي شكل من اشكال التعاون لا من داخل ولا من خارج الحكومة مع منصور عباس، الذي ابدى الإستعداد للمساومة مع ابو يئير، بذريعة انه يريد خدمة قضايا المجتمع الفلسطيني المطلبية
وعليه اذا كان زعيم الليكود ضامنا كليا حزبي شاس ويهوديت هتوراة الدينيين، فإنه لا يضمن حزب الصهيونية الدينية الفاشي الكهاني، الذي اسهم في ولادته، وتشريعه في دخول الكنيست ال24، ولا يضمن حزب يمينا إلآ وفق شروطهما، وهي شروط معقدة بالنسبة للملك الفاسد. وتتناقض هنا براغماتية وإنتهازية بيبي مع عقائدية وأقصوية كل من سموتيريتش وبن غفير وبينت وشاكيد، وبالتالي لن تكون طريقه ممهدة لتشكيل حكومة يمين قوية.
من المؤكد ستكون عين نتنياهو مصوبة حول القوى الآخرى بهدف إختراقها وتمزيقها، مثلا حزب أمل جديد بزعامة جدعون ساعر، او حزب ازرق ابيض بزعامة بيني غانتس، أو إختراق حزب العمل بزعامة ميخائيلي أو اي حتى حزب يوجد مستقبل، بزعامة يائير لبيد. لا يستثني اية قوة صهيونية، ولن يترك شاردة او واردة إلآ وسيحاول الإستفادة منها، لإحداث إختراق ما ليبقى على رأس الحكومة، ولهذا سيناور بكل ما يملك من براعة في فن خلق الفتن وتعميق التناقضات الداخلية وصولا لإحداث الإنقسامات، كما سيلجأ إلى الرشوة والوعود بالمناصب الحكومية وغيرها من الإمتيازات للوصول لمبتغاه في عدم الذهاب للسجن.
لكن طريقه محفوفة بالمخاطر، والإتجاه العام لنتائج انتخات الكنيست ال24 يسير بخط بياني متصاعد نحو إنتخابات خامسة. حتى لو شكل حكومة خامسة بطرق التفافية، لن تكون قادرة على الصمود اكثر من شهور لا تتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة. وإن قدر له تشكيل حكومة، ستكون حكومة فاشية، وستقضي على القضاء الشكلي، وتعمق العنصرية، وتؤبد الإستيطان الإستعماري، وتضرب عرض الحائط بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وستضاعف من عمليات التطهير العرقي في القدس العاصمة الأبدية، كما ستذهب لحرب جديدة على إحدى الجبهات الشمالية او الجنوبية، وستعمق التناقضات بين بقايا الصهيونية العلمانية واليمين الديني المتطرف، وستقضي على معالم الدولة بالمعنى الكلاسيكي، وستنحو باسرائيل الإستعمارية إلى متاهات جديدة تعمق من ازماتها البنيوية. لإن الأزمة في دولة المشروع الصهيوني، ليست ازمة الديكتاتور نتنياهو، وان كان هو أحد ابرز تجلياتها شكليا، انما هي ازمة المشروع الكولونيالي الصهيوني برمته، ويخطىء من يعتقد بغير ذلك.
[email protected]
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت