- محمد العبد الله* -
" أرضنا باقية إلى الأبد. إنها لن تزول مادامت هناك شمس تشرق ومياه تتدفق...لهذا لانبيعها "
رد الزعيم " كروفوت " أحد قادة سكان أمريكا الأصليين على عرض قادة المستعمرين البيض لشراء بلده بحفنة من الدولارات. "
الحرب لم تتوقف بوقف أزيز الرصاص، بل انتقلت إلى مساحات أخرى وبضجيج أقل، حربنا لن تنتهي حتى يتم إنهاء "إسرائيل" وانهيار الرأسمالية العالمية".
كتاب وجدت أجوبتي – هكذا تكلم الشهيد باسل الأعرج - ص 310
لم يكن يوم 30 آذار / مارس عام 1976، عادياً . في صباح ذلك النهار انفجر الغضب الشعبي الكامن على مدى عدة عقود. جاء الإعلان عن مشروع «تطوير الجليل» - الذي يعني بالتطبيق العملي، تهويده ، من أجل تحقيق سيطرة ديموغرافية للمستعمرين عليه، رغم أن غالبية مواطنيه (70 في المئة) هم من العرب - ليشكل الشرارة التي أوقدت الجمر. لهذا، فإن التنفيذ الميداني للمشروع يتطلب من حكومة العدو مصادرة حوالى 21 ألف دونم من الأراضي التابعة للبلدات والقرى العربية (عرابة البطوف، سخنين، ديرحنا وعرب السواعد وغيرها).
جاء الإعلان عن تنفيذ قرار التهويد " التطوير" بمثابة صاعق التفجير للغضب المحتجز في صدور عشرات الآلاف من المواطنين الذين غصت بهم شوارع وساحات المدن والبلدات والقرى العربية.قوات القمع البوليسية بمختلف تسمياتها وفروعها واجهت كعادتها تلك المظاهرات بالرصاص الحي وبكل أشكال العنف الوحشي مما أدى لسقوط ستة شهداء ومئات الجرحى، الذين عبَّدوا بدمائهم طريقاً واضحاً نحو الحرية. كما تحولت أسماء الشهداء (رجا أبو ريا، خضر خلايلة، خديجة شواهنة وجميعهم من سخنين، خير أحمد حسن من عرابة البطوف، محسن طه من كفر كنا، ورأفت علي زهيري من قرية نور شمس الذي استشهد في بلدة طيبة المثلث) لمنارات تهدي المناضلين والمناضلات لامتلاك برنامج وطني وجذري تعتمده الحركة الوطنية بالداخل المحتل منذ عام 1948.
على مدى أكثر من أربعة عقود منذ ذلك اليوم المجيد، لم تتوقف حكومات العدو المتعاقبة عن العمل الدؤوب من أجل مصادرة المزيد من الأراضي في الجليل والنقب . في التقرير الصادر عن منظمة " هيومن رايتس ووتش " في شهر أيار/ مايو 2020 تسليط للضوء على معاناة أصحاب الأرض الأصليين من تلك السياسات المتبعة وانعكاسها على حياتهم. نقرأ في التقرير(...بعد عقود من مصادرة الأراضي والسياسات التخطيطية التمييزية، يعيش اليوم العديد من المواطنين الفلسطينيين محبوسين في بلدات وقرى مكتظة لديها مجال ضئيل للتوسع. من ناحية أخرى، تدعم الحكومة "الإسرائيلية" نمو وتوسع البلدات المجاورة ذات الأغلبية اليهودية، والتي شُيِّدَ كثير منها على أنقاض قرى فلسطينية دُمّرت عام 1948. كما توجد في العديد من البلدات اليهودية الصغيرة "لجان قبول" تمنع الفلسطينيين من العيش فيها.و تسيطر الدولة "الإسرائيلية" مباشرة على 93% من الأراضي، بما فيها القدس الشرقية المحتلة. و تدير هذه الأراضي التي تسيطر عليها الدولة وتوزعها "سلطة أراضي "إسرائيل" "، وهي مؤسسة حكومية). "إريك غولدستين" مدير قسم الشرق الأوسط بالإنابة في "هيومن رايتس ووتش" أضاف قائلاً ( إن السياسة "الإسرائيلية"، على جانبَي الخط الأخضر، تحشر الفلسطينيين في أماكن مكتظة، بينما تمنح أراضٍ واسعة للبلدات اليهودية. هذه الممارسة معروفة جيدا في حالة الضفة الغربية المحتلة، لكن السلطات "الإسرائيلية" تفرض سياسات الأراضي التمييزية داخل إسرائيل أيضاً).
تأتي ذكرى يوم الأرض الخالد، بعد أيام قليلة من انتهاء مهرجان " انتخاب الكنيست الرابع والعشرين" الذي جاء إعلان عدد الأصوات العربية التي شاركت بالاقتراع ليشير إلى ارتفاع نسبة المقاطعة العربية بما يعني تراجعاً وانحساراً كبيراً في الأصوات التي حصل عليها دعاة النهج الإصلاحي الذي انشق على ذاته من خلال تعارض الرهانات على التحالف مع أحد قطبي المنافسة / الصراع بين الأحزاب الصهيونية الطامحة بتشكيل الحكومة من خلال بناء أكبر تحالف يوفر الأغلبية بالكنيست . وقد استند أصحاب ذلك النهج على ضرورة "النضال" من خلال الاندماج في مؤسسات الكيان ضد سياساته الإثنية والعنصرية الشوفينية، وفات على دعاة هذا النهج أن اللعب " النضال!"سيكون فقط في الساحة التي حددتها قوانين المستعمرالفاشية، بعيداً عن الموقف الوطني الجذري الذي يتطلب التصويب السياسي،الفكري/النظري على طبيعة وبنية هذا الكيان / المستعمرة / الثكنة. إن تحليل الأسباب التي أدت لتأسيس واستمرار هذا الكيان بشروط بقائه الخارجية والداخلية، ستؤدي إلى تعرية ذلك المسار/ التوجه الإصلاحي الذي يراهن على الشكل المزيف لـ" الديمقراطية " التي يتمتع بها النظام الأيديولوجي والسياسي الحاكم في الكيان الاستعماري .
إن الدلالات العميقة التي عَمَدَتّها دماء وتضحيات الشهداء والجرحى وعذابات المعتقلين في ذلك اليوم ، تؤكد بالواقع الملموس وللآن، بأن المواطن الفلسطيني رقم زائد على الوجود في ذلك الكيان ويجب التخلص منه : قتلاً أو اقتلاعاً وطرداً. إن دماء المواطن الفلسطيني " منير أحمد عنبتاوي" الذي اغتالته عدة رصاصات في حي وادي النسناس في مدينة حيفا المحتلة قبل ساعات بدون أية مقدمات أو أسباب، دليل واضح على السياسة المُتبعة . إن الفلسطيني مُستهدف بالرصاص دون أن يهاجم مستوطناً عسكرياً أو مدنياً، يكفي الشك بطريقة المشي أو الركض ليتحول إلى هدف للقتل .
لقد أكد الشعب الفلسطيني في الوطن المحتل عام 1948 امتلاكه مخزوناً كفاحياً لاينضب منذ تأسيس المستعمرة وللآن. وإذا كان ليوم الأرض رمزيته في الوجدان والكفاح الوطني فإن دماء الشهداء في هبة أكتوبر 2000 والمواجهات المستمرة في عدد من البلدات والمدن لإلغاء قوانين مصادرة الأرض واقتلاع أصحابها من أرضهم كما شاهدناها بمواجهة قانون برافر وفي " العراقيب" وعدد من التجمعات في النقب ، هي ملاحم بطولية تؤكد أن التشبث بالأرض والتمسك بالحقوق الثابتة مبادئ لاتقبل التنازل أو المساومة .
حتى لايتحول الاحتفاء بهذا اليوم المجيد - العلامة البارزة في مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني ضد المُستعمر المحتل - إلى مناسبة أو طقس موسمي، لابد من استيعاب دروس كل محطة من مراحل الكفاح الوطني من أجل صياغة برنامج المواجهة الوطنية الكبرى بهدف التحرر من الاستعمار الاحتلالي الاقتلاعي ليكون الأرضية التي تُبنى عليها خطط وأساليب النضال الشعبي بالخصوصية التي يفرضها كل موقع اشتباك مع المحتل : حكومة ومؤسسات وعسكر احتلال.
*كاتب فلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت