- بقلم:د. حنا عيسى – أستاذ القانون الدولي
المحسوبية أو محاباة الأقارب أو الواسطة هي تفضيل الأقارب أو الأصدقاء الشخصيين بسبب قرابتهم وليس كفاءتهم. والكلمة تستخدم للدلالة على الازدراء. فمثلاً إذا قام أحد المدراء بتوظيف أو ترقية أحد أقاربه الموظفين بسبب علاقة القربى بدلاَ من موظف آخر أكفأ ولكن لا تربطه علاقة بالمدير فيكون المدير حينها متهماً بالمحاباة. وقد ألمح بعض علماء الأحياء بان الميل نحو محاباة الأقارب أمر غريزي وشكل من أشكال انتقاء الأقارب.
والمحسوبية هي تبادل البضائع والخدمات مقابل دعم سياسي. فالمحسوبية نظام سياسي جوهره علاقة لاتماثلية بين مجموعات من الفاعلين السياسيين الموصوفين بأنهم رعاة وعملاء وأحزاب سياسية. ريتشارد جراهام عرف المحسوبية بأنها مجموعة من الأفعال القائمة على مبدأ خذ هناك، أعط هنا، بأسلوب يتيح لكل من العملاء والرعاة جني الخيرات من دعم الآخر. الأكثر من ذلك أن المحسوبية تتميز عادةً بـ "أنظمة المبادلة حيث يبادل المصوتون الدعم السياسي بنتائج مختلفة من عملية صناعة القرار العام.
والمحسوبية واحدة من الصور القاتمة للفساد الاداري اذ يسند العمل الوظيفي لشخص لايستحقه ولا يتناسب مع امكاناته وخبراته وممارساته بسبب تزكية في غير محلها او واسطة لتبادل مصالح مشتركة او لقرابة.. وتكون النتيجة ضعف في الانتاجية وتقهقر في العمل واخطاء متكررة وعلاقات مكهربة بين الموظفين.
والفساد الاداري ارتبط وجوده بوجود النظم السياسية والدول.. فهو لايختص بشعب او دولة فهو قضية عالمية لكن وجوده بأشكال واحجام ودرجة انتشار في الدول النامية لأسباب منها ضعف أجهزة الادارة العامة وضعف الاخلاقيات الوظيفية وغياب الرقابة الفعالة لهذه الدول. كما ان الفساد الاداري هو الحصول على الثروة والمال بأي وسيلة كانت شرعية او غير شرعية.. ووجود شخص ما.. وضع مصالحه الخاصة بصورة محرمة وغير مشروعة فوق المصلحة العامة التي تعهد بخدمتها بسبب مكاسب شخصية او قرابة عائلية خاصة او لمكانة خاصة عن طريق ممارسة بعض انواع السلوك الذي يراعي المصلحة العامة لذا وجب ضرورة تطوير الانظمة الرقابية والمحاسبية فضلا عن تطوير المهام والمسؤوليات للمحاسبين والمدققين الداخليين والخارجيين ثم تعزيز النزاهة والمساءلة والادارة السليمة للشؤون والممتلكات العمومية .
- أسباب الواسطة والمحسوبية:
- تحقيق المصالح المتبادلة بين الأطراف الثلاثة في موقف السلطة: طالب المعروف، ومسوغه (المتوسط لديه) والوسيط له يحصلون جميعا على فائدة ما وإن كان مسوغ المعروف يبقى أكثرهم جنيا للربح أو الفائدة من هذا الموقف، فهو الذي يتمتع بالنفوذ والجاه الأمر الذي يمكنه من صنع المعروف، ويبقي له دين اجتماعي لدى المتوسط فقد يحتاجه لنفسه أو أحد أقاربه في المستقبل. أما المتوسط له فإنه يحصل على السمعة الطيبة والاحترام والوجاهة من الجماعة الأولية التي ينتمي إليها ومن أصدقائه مما يعزز مكانته بينهم.
- تأثير القيم الاجتماعية السائدة (مثل الولاء العائلي أو العشائري) وإعادة إنتاجها دون استجابة للمتغيرات الحديثة.
- انتشار الفقر والظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها بعض الدول العربية والتي تؤدي إلى شح المصادر اللازمة لخلق فرص عمل، أو لأداء الخدمات الموكلة للدولة.
- ارتفاع معدلات الخصوبة التي ترفع معدلات الإعالة وتضيف أعباء على الدولة في توفير خدمات أساسية للمواطنين.
- عجز المؤسسات الحكومية عن تقديم الخدمات المناطة بها بسبب البيروقراطية والترهل الوظيفي وقلة الكفاءة مما يدفع المواطنين إلى البحث عن واسطة لتسهيل الحصول على بعض الخدمات.
- انتشار البطالة خاصة بين الشباب، فالعالم العربي من المناطق "الفتية" في العالم الذي يزداد فيه عدد الباحثين عن عمل سنويا باطراد مستمر.
- تكاسل بعض الموظفين من رؤساء ومرؤوسين وإهمالهم وتقصيرهم في أداء المهام الوظيفية الموكلة لهم.
- غياب الأنظمة والتعليمات الواضحة للجمهور وعدم وعيهم بها وعدم وجود جهات موثوقة يمكنهم اللجوء إليها لتقديم شكاوى في حالة عدم تقيد الموظفين بهذه الأنظمة والإجراءات
- غياب الثقة بنزاهة القضاء، بالإضافة إلى تعقيدات وتكلفة التقاضي وعدم الثقة بأجهزة الضبط الاجتماعي.
- آثار الواسطة والمحسوبية:
- يعاني الفقراء والمهمشين وأحيانا الأقليات من عدم القدرة على الوصول لخدمات عن طريق الواسطة والمحسوبية والتي تعمل لصالح الأغنياء والأقوياء، مما يعني أنهم يدورون في حلقة مفرغة من الحرمان ويصعب عليهم الخروج من حالة الفقر والبطالة والمعاناة. تعزز المحسوبية والواسطة والشللية من حالات التهميش والفقر في المجتمع ومحاربتها هي إحدى الوسائل للتصدي لمشكلات الفقر واللاتنمية.
- ضياع حقوق الموهوبين من أفراد المجتمع الذي هو بواقع الأمر بحاجة لهم للتطوير والتنمية. ويتفق الخبراء على أن هذه المظاهر لها أثار سلبية على التنمية، وهي ظاهره غير صحية تؤدي إلى تفشي الفساد، ويخلق روح الانتهازية لأصحاب النفوذ والحظوظ، كما تخلق روح الحقد والكراهية والسلبية لدى الفئة التي لا تملك هذه المميزة.
- فقدان الثقة في النظام الاجتماعي السياسي، وبالتالي فقدان شعور المواطنة والانتماء القائم على علاقة تعاقدية بين الفرد والدولة فيها مسؤوليات وواجبات وينتج عنها حقوق.
- هجرة العقول العربية والكفاءات والتي تفقد الأمل في الحصول على موقع يتلاءم مع قدراتها، مما يدفعها للبحث عن فرص عمل ونجاح في الخارج.
- تركز ثروات البلاد في أيدي فئة محددة مما يزيد من الفقر ويساهم في هروب الاستثمارات الوطنية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت