- بقلم د. رائد موسى
حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح منذ انطلاقتها تسير بخطوات ثابته نحو التحرير الوطني لا هدف لها غير التحرير، لم ترفع شعار التحرير كحلم خيالي، انما كنتيجة حتمية لخطوات تعرف طريقها جيدا .
أهم ما يميز فتح عن غيرها من فصائل وتيارات واتجاهات انها تعرف جيدا ماذا تريد وإلى أين تسير ، فمنذ انطلاقتها تمثلت خطوتها الأولى وهدفها المرحلي الأول بإعادة تجميع شتات الشعب الفلسطيني وتحويله لرأس حربة في مقاتلة ومواجهة الاحتلال الاسرائيلي والمشروع الصهيوني القائم على شعار "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، والذي يستهدف كل المنطقة، فنجحت في نسف شعاره بكل اقتدار، وأثبتت للقاصي والداني بان الشعب الفلسطيني لا يمكن تذويبه، وانه شعب حي جذوره مرتبطة بأرضه وبقضيته العادلة.
فتح عندما أطلقت الكفاح المسلح لم تطلقه كغاية بمعنى القتال من أجل القتال انما كوسيلة من أجل تحقيق أهداف محددة بشكل دقيق وواقعي.
فقد نجحت منظمة التحرير تحت قيادة فتح، بانتزاع القرار الفلسطيني المستقل، والذي لامنا الكثير من العرب والفلسطينيين عليه، متهمين فتح بان استقلال القرار الفلسطيني أضعف القضية، ولكن التاريخ اليوم اثبت وبما لا يدع مجال للشك بان القرار الفلسطيني هو الأصلب والأقدر تجاه الحقوق الفلسطينية، وهناك العشرات من الأمثلة التي تظهر لين المواقف العربية تجاه الحقوق الفلسطينية وآخرها وأهمها ليونة الموقف العربي تجاه صفقة ترامب الحمقاء ومدى صلابة الموقف الفلسطيني تجاه حقوقه .
واصلت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة فتح الكفاح المسلح كخطوات في طريق التحرير ولم يكن كفاحها المسلح عبثي او استعراضي، انما كان من أجل خلق العنوان الرسمي والشرعي للشعب الفلسطيني، ليمثله في المحافل الدولية والعالم وليحفظ حقوقه ويسعى لتحرره واستقلاله. فنجحت فتح بقيادتها للمنظمة بانتزاع حق المنظمة بالتمثيل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ونالت عضو مراقب في الأمم المتحدة، والتي افسحت تلك الخطوة المجال للدخول إلى العمل السياسي، وهنا أيضا عندما انتقلت المنظمة من الكفاح المسلح للنضال الدبلوماسي لم يكن تراجعاً او تخلياً انما مثل ذلك تسلسل وتطور سليم للخطوات نحو التحرير، فحركة فتح منذ انطلاقها لم تكن بالسذاجة التي تجعلها تعتقد بان التحرير سيتم بالانتصار الحربي ضد الاحتلال، انما الضغط العسكري هو وسيلة لتحقيق أهداف سياسية، ولأن حركة فتح تجيد التعامل بإتقان مع الواقع، وترفض التوقف ولو لنصف دقيقة تجاه هدف التحرير، دعمت اندلاع انتفاضة الحجارة الكبرى وقادتها بالشكل الذي نجح في استقطاب التأييد والدعم العالمي للقضية الفلسطينية، بما أهل منظمة التحرير بالنجاح في اعلان قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف على الأراضي المحتلة عام 1967، حيث اعترفت بها فورا معظم دول العالم، وارتقى مقعد منظمة التحرير في الأمم المتحدة الى مقعد باسم فلسطين، وهنا أصبحت المنظمة جاهزة ومؤهلة لإقامة الدولة على أرض فلسطين، وبذلك اختلفت بشكل كبير ادوات الاشتباك مع الاحتلال من كفاح مسلح وانتفاضة شعبية إلى عمل دبلوماسي مدعوم بالشرعية الدولية والارادة العالمية والدعم الدولي الكبير لضرورة انهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وحل قضية اللاجئين، وهنا لم تتردد منظمة التحرير بقيادة فتح بانتزاع زمام المبادرة رغم الرفض والاصرار الاسرائيلي على عدم وجود منظمة التحرير بأي مفاوضات تسوية بين العرب والاسرائيليين.
فسيطرت المنظمة على مجريات أمور المفاوضات، ونجحت بالتأثير على مجريات السياسة الداخلية الاسرائيلية واقتنصت فرصة احداث التغيير، فدخلت مفاوضات أوسلو التي انجزت أكبر خطوة تجاه تجسيد الدولة على أرض فلسطين، ولأن فتح تدرك ضرورة استخدام الضغط في المفاوضات، أشعلت وقادت انتفاضة الأقصى بكل شجاعة واقتدار ودون تردد، ولكن هنا تعثرت تلك الخطوة الشجاعة وضُربت بقوة بسبب سوء الحظ الذي لم يكن ليخطر ببال أحد وهي انفجار احداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 التي غيرت العالم، هذا ان لم تكن تلك الاحداث مُدبرة لإجهاض أي دعم او تعاطف دولي مع انتفاضة شعبنا المسلحة ضد الاحتلال.
رغم ذلك ورغم كل التحديات والتي على رأسها استشهاد الزعيم المؤسس ياسر عرفات، واصلت حركة فتح خطواتها نحو التحرير بما يتوافق مع الظرف الدولي والنظام الدولي الجديد، فأعلنت تمسكها بهدفها المتمثل بضرورة انهاء الاحتلال واستقلال الدولة على حدود ال67 بعاصمتها القدس الشريف وحل عادل لقضية اللاجئين، واقرت استمرار الضغط على الاحتلال ولكن بالوسائل السلمية الفعالة والمتناسبة مع الظرف الاقليمي والدولي، وباستمرار دعم وتعزيز نضال الشعب الفلسطيني وصموده على أرضه.
ومن أهم ما نجحت فتح في بنائه والحفاظ عليه هو متانة نسيج علاقاتنا الفلسطينية مع كل دول العالم وشعوبها دون استثناء.
ومن هنا وبعد مراكمة جهود حثيثة قفزت فلسطين بخطوتها التالية نحو التحرير والمتمثلة بارتقاء مكانتها في الأمم المتحدة الى مكانة دولة مراقب، بما أهلنا لرفع علم فلسطين بين اعلام الدول، وانضمامنا للعديد من الاتفاقات والمعاهدات والمؤسسات الدولية، والتي تعزز الحفاظ على حقوق الشعوب، ومن ابرز تلك المؤسسات كان الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية التي تمثل الرادع الدولي الأهم ضد ارتكاب جرائم الاحتلال، بالإضافة لمجلسي اليونسكو وحقوق الانسان لحماية تراثنا وحقوقنا الانسانية، وغيرها من عشرات المؤسسات الدولية.
كل تلك الخطوات التي خطتها منظمة التحرير بقيادة فتح لن تؤدي إلا الى انهاء الاحتلال واستقلال دولة فلسطين التي اصبحت واقع مكتمل الاركان على أرض فلسطين. وممارسات الاحتلال على الأرض من استعمار واستيطان لا يمكن ان تخلق أي حقوق للاحتلال، فقد مارستها القوى الاستعمارية بأفريقيا وشرق اسيا وغيرها، وأقامت مئات المستعمرات لتبقى، بينما في النهاية تفككت جميعها وعادت الأرض لأصحابها، أما عن أراضينا في مناطق الـ48 فلم ولن تتنازل عنها منظمة التحرير أبداً، فالاعتراف بإسرائيل هو قبول بحل الدولتين على أساس ان هناك دولة فلسطينية على حدود الـ67 بعاصمتها القدس الشريف يجب ان تنال حريتها واستقلالها، وان هناك دولة ثانية على الأرض التي تم احتلالها عام 1948 يجب ان يعود لها أهلها الذين هجروا منها وابنائهم واحفادهم وابناء احفادهم كحق انساني طبيعي، ويستعيدوا وينالوا فيها كل حقوقهم المادية والسياسية التي يكفلها القانون الدولي وكل الشرائع والاعراف الانسانية .
حركة فتح لم ولن تتغير إلا للأفضل، ففتح تسير بخطوات ثابته ومحددة ومرسومة بدقة وحكمة واتقان وبقدره عالية في كسب دعم وقبول وتأييد وتشجيع كل الأمم نحو الحرية والاستقلال والعودة لشعبنا الفلسطيني . هذه هي فتح .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت