- كتب: محمد جودة
ليس المعني بهذه الكلمة بالطبع تلك الآلات النافخة التي يستعملها العازفون في الفرق الموسيقية، ولا تلك الكتل المعدنية الموضوعة في مقدمة السيارة لتنبيه الناس الساهين اللاهين الشاردين في شؤون حياتهم الممتلئة بالمنغصات، والمستعملة أحياناً أخرى في التلطيش العصري على طريقة الشباب "الشفيطة".
وإنما نقصد بهذه الكلمة فئة من الناس توجد في كل زمان ومكان، وبتسميات مختلفة، وتقع على عاتق هؤلاء 'السحيجة" مهمة التسحيج لبعض الأسماء المحنّطة، ولغايات مختلفة حسب تسلسل قيمة 'المسحج له" وحسب وضاعة ونفاق "السحيج"..!
فقد يتخذ "السحيج" لنفسه خطة منهجية لتلميع وتكبير صورة بعض أتباعه الذين أدركتهم حرفة الأدب والاخلاق ممن لا يزيدون في ميزان القيمة الأدبية والاخلاقية عن مستوى حمل أقلام ركيكة لا تمل من رصف الكلام كيفما اتفق،هذا النوع من "السحيجة" يحشرون أقاربهم الجهابذة في كل موضوع ينشرونه، حتى لو كان الموضوع عن ثقب الأوزون، أو انتحار الأدباء، أو الحيوانات المهددة بالانقراض..!!
والصنف الثاني من "السحيجة" هم الأكثر شيوعاً في كل زمان ومكان، وهم الذين يسحجون قرب مصالحهم المقطوعة، ويستعملون التسحيج كوسيلة لتمتين روابطهم الشخصية مع "المسحج له" رغبة في نيل الحظوة التي تفتح أمامه بعض البوابات المغلقة التي تشبه أبواب مغارة علي بابا التي لا تفتح إلا بتعاويذ سرية لا يعرفها إلا القلة القليلة من الشطار.
وثمة صنف ثالث من "السحيجة" تمشي على مبدأ..أنفخني.. أنفخك..!!
هؤلاء يتمتعون بمواقف مبدئية نسبياً،وتقوم مواقفهم على رد الجميل "التسحيجي" واحدة بواحدة، وهم كثر يظهرون فجأة على الفضائيات، ويغدون نجوماً بين أزمة وضحاها، بل ربما يشكلون الغالبية العظمى من الناعقين على الفضائيات.
أما إذا حدث ـ لا سمح الله ـ وخرج كاتب ما عن سياسة "المسحج" و"المسحج له" ، كأن يخلص لصوت الضمير والعقل ويتناول مزايا وعيوب العمل بعقلية نقدية محايدة، فالويل...ثم الويل له.
وما على هذا المتلفسف إلا التوبة، وإعلان الوقوع في المناطق المحظورة، وطلب الصفح والمغفرة، وتقديم طلب رسمي إلى إحدى الجهات المنظمة لدورات محو الأميّة الأخلاقية.
وفي مثل هذا المناخ "التسحيجي" ' نستغرب الآراء التي نطالعها في صفحاتنا الأخبارية والاعلامية، والتي لا تمل من الشكوى من غياب النقد الجاد، واضمحلال الأراء النقدية، ولو قدر لهؤلاء المشتكين الاطلاع على حياة أحد النقاد المحايدين... لعرفوا السبب.. ولبطل العجب.
أما عن التسيحيج والتبويق السياسي في بلدنا فحدث عنه ولا حرج، ويكفي أن تلقي نظرة على إحدى مجالس السياسة الحزبية المتفردة، حتى تجد التعريف الأمثل لكلمة الأبواق أو السحيجة ، التي لا تسحج إلا على مزاج المسحج له، وهذه المجالس الكاريكاتورية لها علاقة بكل شيء إلا بالشعب، ولكن الحق يقال انها أصبحت من الأكاديميات المرموقة في تخريج الأبواق، بحيث صارت تضاهي أكبر جامعات العالم،ولا عجب ان نسمع اليوم لحكايات الأضاليل والأكاذيب والافتراءات علي البشر في زمن الرويبضة،وزمن الخروات والعاهرات، ولا مشكلة لهؤلاء السحيجة ان يخرجوا علي شعبنا كالكلاب المسعورة ،ينبحون بعويلهم ويهزون ذيولهم ويطاطئون رؤوسهم حينما يطلب منهم "المسحج له" ان يفعلوا ذلك تعبيراّ لرغباته ودليلاً علي قدرات وابداعات المسحجين بحمده.
منذ زمن يعيش شعبنا ظاهرة التسحيج الغير معقولة وربما المعيبة والمخجلة كونها أصبحت ظاهرة في المجتمع عند الكثير ممن كنا نعتقد أنهم مثقفين و أصحاب مواقف وآراء حرة فكرياً ووطنيا، لكن للأسف هؤلاء باتوا مثال لعمليات النفخ والتسحيج لتحقيق مصالحهم وغاياتهم سواء في العمل التنظيمي والحزبي أو حتي في العمل الوظيفي ، وأصبح تحقيق هذه الغايات لديهم لا يتأتي إلا من خلال هز الذنب والتسحيج والنفخ لكل من يحقق لهم هذه المصالح .
لكن الأكثر غضاضة ان نري بعض النبيحة والمنافقين ممن يجيدون فن النفخ والتسحيج يستعينون ببعض أصحاب العهر والفشل والاقزام وأصحاب الصيت السيء هنا وهناك ،ممن يستطيعون فبركة القضايا وتلبيس التهم الجاهزة واصدار الفتاوي المستدينة وتجنيد بعض الأبواق الاعلامية الماجورة لتنفيذ حملاتهم المسعورة والمشبوهة والجبانة بحق المناضلين وبعض القادة في التنظيم أو الحزب الذي يفترض أنهم ينتمون إليه وخاصة ونحن مقبلون علي اجراء الانتخابات التشريعية وانجاز هذا الاستحقاق الوطني الكبير .
لاشك أن ما سنراه عما قريب ومع موعد الإيذان بإطلاق الدعاية الانتخابية للقوائم المتنافسة في الانتخابات التشريعية القادمة ، أن هناك من يحضر سلفاً لهذه الدعاية ويجهز ويستعد لها ويوفر كل الامكانات البشرية والمادية واللوجستية لتنفيذ دعاية انتخابية قوية وربما فريدة من نوعها بين الدعايات الأخري للقوائم المتنافسة في الانتخابات، خاصة فيما يتعلق بمحاولة تعرية الخصوم والانقضاض عليهم وفضح ممارساتهم وتشويه ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم ، بهدف المنافسة و نشر صورة غير نمطية في عقول الناخبين بأن هؤلاء هم الأجدر لقيادة المرحلة المقبلة وأنهم الأكثر قدرة علي إنقاذ المجتمع وحل مشاكله المتراكمة والوصول به لبر الأمان .
لكن الغريب العجيب أن هناك أحزاب كبيرة ووازنة ستخوض هذه الانتخابات تعيش حالة فتنازيا وبعيدة عن الواقع ، و للأسف هذه الأحزاب رغم ما يعتريها من أوضاع تنظيمية غير صحية وتعيش حالة من الصراع والتشرذم في صفوفها ، إلا أنها لا زالت تراهن علي وعي الجماهير وعلي شعبيتها في الشارع ، دون قراءة حقيقية للمشهد الحالي ، وبلا أي خطة وامكانات دعائية تتناسب وحجمها وقوتها التي يفترض أن تكون ، لاسيما في إطار الاعلام ودوره المهم في تولي هذه المهمة الأساسية في الترويج و الدعاية للانتخابات ، وهي تعتمد في ذلك علي معتمد اعلامي يقرر ما يشاء وليس علي مؤسسة وماكنة وادوات اعلامية لديها امكانات مادية ولوجستية وبشرية قادرة علي المنافسة الحقيقية أمام الخصوم ، وهذا من شأنه تقليل فرص النجاح لهذا الحزب أو التنظيم وتزايد فرص الخسارة الكبيرة وربما المدوية إن لم تعيد قراءة حساباتها وتراجع خططها و نهجها و أدواتها التي ستقود هذه العملية .
ختاماً أقول " يا ريتنا “نتعلم متى نتحدث ومتى نصمت، فأحياناً يكون الصمت أبلغ من الكلام وأحياناً أخرى يكون للصمت ضجيج يطحن عظام الصمت، وعلى أية حال فسواء كنا صامتين أو متُحدثين علينا أن نتحلى بأخلاقنا الوطنية وإن خاصمنا " الاخر " فعلينا أن نحتكم لشرف الخصومة حتى لا نكون من المنافقين والكذابين وسحيجة المرحلة وأبواقها المأجورة .
وللحديث بقية ..
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت