- معتصم حمادة
- عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
■ من الطبيعي أن تحتل مسألة الانتخابات في القدس الموقع المهم في حسابات القوى السياسية كافة.
فالقدس هي، فضلاً عن كونها عاصمة الدولة الفلسطينية، مدينة مقدسة، تحتل في وجدان الشعب الفلسطيني وباقي شعوب العربية والإسلامية مكانة كبيرة، وهي في الوقت نفسه أحد المحاور الكبرى للصراع بين المشروعين، الصهيوني وسرديته القائمة على الخرافات والأساطير من جهة، والمشروع الوطني في إعادة بناء الدولة الفلسطينية ودحر الاحتلال، واستعادة السيادة على كل شبر من الأرض المحتلة، وفي مقدمتها القدس من جهة أخرى.
وتفاوتت المواقف الفلسطينية بشأن القدس في رسم آلية تنظيم الانتخابات، فمن أرادها كاملة دون نقصان، يتاح فيها للفلسطينيين الحرية التامة لأنشطة الترشيح والدعاية والاقتراع، ومنهم من دعا إلى صيغة تتلاءم وخصوصية القدس، في إدراك تام من الجميع أن الانتخابات في القدس تتطلب معركة مع سلطات الاحتلال.
إذ دخلت على مدينة القدس، مقارنة مع الانتخابات التشريعية عام 2006، تطورات شديدة الأهمية في مقدمها اعتراف الولايات المتحدة، ودول أخرى، بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل شعاراتها إليها، الأمر الذي شكل دعماً غير مشروط لسلطات الاحتلال فضاعفت أنشطتها الاستيطانية والتهويدية للمدينة، وطمس معالمها الوطنية، وإغراقها بآلاف المستوطنين، والتفنن في محاصرة المقدسيين، وطردهم من مدينتهم، وتشريدهم من منازلهم ومصادرة أراضيهم، وإغلاق مؤسساتهم الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها، ومطاردة النشطاء السياسيين داخل القدس وفي البلدات العربية المجاورة، كالعيساوية وأبو ديس، والعيزرية وغيرها ... أضف إلى ذلك الاجتياحات اليومية للمسجد الأقصى، بمئات المستوطنين، وتحت حماية قوات الاحتلال، وإقامة الصلوات في ساحاته، لفرض واقع التقسيم الزماني والمكاني بكل ما يعنيه، من تكرار وقح لتجربة تقاسم الحرم الإبراهيمي في الخليل والهيمنة عليه.
إذن، نحن أمام واحدة من المعارك الي أرادها الكثيرون معركة مصيرية، حتى أنهم ذهبوا إلى حد التلويح بضرورة تعطيل الانتخابات التشريعية، إذا ما عطلت سلطات الاحتلال الانتخابات في القدس، في تكرار لتجربة العام 2019، حين قرر الرئيس أبو مازن إلغاء دعوته للانتخابات، بعد أن تجاهلت سلطات الاحتلال رسائل حكومة السلطة الفلسطينية بشأن تسهيل العملية الانتخابية في القدس.
من أبسط الأمور أن من ينوي دخول المعركة، يتوجب عليه أن يجهز جيوشه وأسلحته وذخائره، وخطوط إمداداته، وأن يرسم خرائطه، ويرسم ساعة الصفر، ليضمن الفوز في المعركة.
ترى ماذا حضرت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وماذا حضرت حكومة السلطة الفلسطينية لخوض معركة القدس ؟!
• أين هي هيئة العمل الوطني الموحد لمدينة القدس، كما تقررت في اجتماعات المجالس المركزية والمجلس الوطني، أم أنها ما زالت، ككثير من القرارات، مجرد حبر على ورق.
• كم تبلغ حصة القدس في موازنة السلطة الفلسطينية والبالغة أكثر من أربع مليارات دولار أميركي. بات معروفاً أن موازنة الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية تبلغ مليار دولار، فكم تبلغ موازنة القدس؟! ما نعرفه أن حكومة الاحتلال رصدت موازنة يومية (أكرر يومية) للقدس تبلغ عشرة ملايين دولار، أي بما مجموعه 3650 مليون دولار سنوياً، بينما خصصت السلطة، كما كشفت يوماً ما، لا يزيد عن 0.01% من موازنتها العامة (تخيلوا هزالة هذا الرقم مع باقي بنود الموازنة، خاصة بند الأجهزة الأمنية).
[• وعلى ذكر الأجهزة الأمني، والتي تستهلك حوالي 25% من موازنة السلطة (ويقال في بعض الدوائر حوالي 40% من الموازنة العامة) كيف يستقيم أن نخوض معركة القدس، في الوقت الذي تلتزم فيه الأجهزة الأمنية في السلطة بالتنسيق مع سلطات الاحتلال. التنسيق لأجل ماذا؟! والتنسيق ضد من؟! وكيف تلتقي عقيدة أجهزة أمنية لسلطة فلسطينية وطنية، لشعب يخوض حرب التحرير من الاحتلال، مع عقيدة جيش الاحتلال نفسه، التي تقوم على القمع والقتل والبطش وإلحاق كل أشكال الضرر بالشعب الفلسطيني ومقاوميه ونشطائه السياسيين، والزجّ بهم في السجن.
وكيف تلتقي مصالح أجهزة أمنية لحركة تحرر فلسطينية مع مصالح المخابرات المركزية، التي اشتهرت بأعمالها القذرة ضد الشعوب في مصر، ولبنان، وسوريا، والعراق، واليمن، والأردن، وفلسطين، وإيران (في زمن مصدق) وفي إفريقيا، وعموم آسيا وأميركا اللاتينية؟
ما هو القاسم المشترك الذي يجمع بين الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية ووكالة المخابرات الأميركية، وأي تنسيق يقوم بينهما، وما هو تعريف السلطة الفلسطينية للإرهاب الذي تنسق أنشطتها الأمنية بشأنه مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ووكالة المخابرات الأميركية، وكيف يستقيم هذا، مع دعوات الصمود والثبات، وتعزيز الإرادة الوطنية، ومقاومة الاحتلال وصون القدس من مشاريع الاحتلال المعروفة].
• ما هي خطة السلطة الفلسطينية وخلفها اللجنة التنفيذية لضمان تنظيم الانتخابات في القدس، بالشروط المعروفة، وبالحرية المطلوبة. هل تشكلت القيادة الوطنية للمقاومة الشعبية، دعماً للقدس، أم أن معركة القدس ستكون معركة المقدسيين وحدهم؟
• هل تشكلت خلية أزمة في رئاسة السلطة (أو رئاسة الحكومة أو حتى وزارة الخارجية) لإدارة معركة القدس، لضمان تنظيم الانتخابات فيها، أم أن مهام وزارة الخارجية باتت، كمهام رئاسة الحكومة ورئاسة السلطة، الاكتفاء بإصدار بيانات الإدانة والشجب والاستنكار، ودعوة «المجتمع الدولي للتدخل»، ثم الإعلان في وقت لاحق، على غرار مواقف خارجية السلطة، عن «خيبة أمل» من المجتمع الدولي في موقفه من الاستيطان والضم؟
• ما هي المهام التي أوكلت لبعثة دولة فلسطين في الأمم المتحدة، وما هي الملفات التي زودت بها لإثارة مسألة القدس على أعلى المستويات، إن في مجلس الأمن، أو في الجمعية العامة، أو في مجلس حقوق الإنسان؟
• ما هي المهام التي أوكلت لجيش الدبلوماسيين المكدسين في سفارات دولة فلسطين شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، لتكون قضية القدس وحق الشعب الفلسطيني فيها في ممارسة حقوقه الدستورية والقانونية، على جدول أعمال الدول الشقيقة والصديقة، والإسلامية، وغيرها من الدول؟
أم أن قضية القدس باتت مجرد قضية إعلامية، يتبارى المتحدثون في المزايدة بشأنها!
السلطة الفلسطينية أعلنت أنها طلبت من سلطات الاحتلال إقامة 18 مركز اقتراع في القدس، لكنها لم تلقَ الرد.
الاتحاد الأوروبي أعلن بوضوح أن سلطات الاحتلال رفضت أي دور لدول أوروبا، قنصليات ومراقبين، بشأن الانتخابات الفلسطينية في القدس.
السؤال المطروح: ماذا لو عطلت سلطات الاحتلال الانتخابات في القدس؟
هذا احتمال يرقى إلى مستويات عالية من التقدير، ولا نستبعد أن تلجأ سلطات الاحتلال إلى «عرقلة» الانتخابات في الضفة الفلسطينية نفسها. فقد بدأت باعتقال المرشحين للانتخابات على غرار أحد مرشحي حركة حماس (وهو متوقع في كل لحظة، فماذا فعلت السلطة الفلسطينية لحماية مرشحينا؟). وبدأت باعتقال لجان الدعاية لقوائم المرشحين، كما فعلت مع لجان الدعاية لقائمة التغيير الديمقراطي في رأس كركر قرب رام الله (فماذا فعلت السلطة الفلسطينية لحماية المرشحين وصون حقهم في الدعم في الضفة الفلسطينية).
الحديث عن إلغاء الانتخابات، رداً على السياسيات الإسرائيلية، دون توفير الرد الفلسطيني الفاعل والمؤثر بخطوات استراتيجية، موقف انهزامي.
والتهديد، من قبل بعض القوائم، بالانسحاب إذا لم تتوفر شروط الانتخابات في القدس، دون النضال لأجل صياغة موقف فلسطيني فاعل ومؤثر، يجعل من القدس أم المعارك في النضال اليومي، موقف انهزامي أيضاً، لأن هذا معناه أن تبقى القدس رهينة الاحتلال، وأن تبقى الحالة الفلسطينية رهينة الاحتلال أيضاً، عاجزة عن إعادة ترتيب بيتها الداخلي عبر الانتخابات.
المطلوب أن نخوض معركة القدس بكل الأساليب، وأن توفر شروط المعركة وأدواتها، والكرة ليست في مرمى الجانب الإسرائيلي فقط، بل في مرمى اللجنة التنفيذية، والسلطة الفلسطينية.
فهل تقرن المؤسسات القول بالفعل، وترتقي كل منها إلى المستوى اللائق بها، وأن تتحمل مسؤولياتها، وأن تتخذا القرارات المصيرية التي ترتقي إلى مستوى معركة القدس المفتوحة على الدوام ■
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت