تميزت لو يان التي درست اللغة العربية في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية وجامعة بكين على التوالي على مدى سبع سنوات، بنتائجها الدراسية البارزة. لكنها بعد التخرج، بادرت للتقدم لشغل منصب السكرتير الأول لقرية شانغمنغ، وهي قرية نائية وفقيرة في منطقة قوانغشي ذاتية الحكم لقومية تشوانغ بجنوبي الصين، وما لبثت أن قادت القرية لتخليصها من الفقر خلال هذه الفترة.
كبرت لو في أسرة بسيطة في إحدى القرى الواقعة في مقاطعة قانسو بشمال غربي الصين، معتمدة على نفسها منذ نعومة أظفارها، والتحقت بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية بعد حصولها على نتيجة ممتازة خلال المرحلة الثانوية، كما حصلت على منحة المناطق الغربية من وزارة التربية والتعليم الصينية. وأثناء دراستها الجامعية، حصلت لو على منح دراسية على المستويين الوطني والمحلي عدة مرات. وبعد حصولها على درجة الليسانس في اللغة العربية من جامعة شانغهاي للدراسات الدولية، واصلت دراستها العليا بقسم اللغة العربية بكلية اللغات الأجنبية بجامعة بكين.
وفي الجامعة، حظيت لو بالكثير من دعم ومساندة من حولها، ما دفعها لمضاعفة جهودها في الدراسة، مركزة جهودها في ذات الوقت حول كيفية بث مشاعر الحب والأمل في نفوس المزيد من الناس. وعلى الرغم من تطلع الكثيرين إلى البقاء والعمل بالعاصمة بكين، إلا أن قلبها لا يزال يراودها عن فكرة: لماذا لا أذهب إلى الأماكن الأكثر احتياجا، وأمد يد العون والمساعدة لمزيد من الناس من خلال ما تعلمته؟
تركت لو عملها في بكين، وبعزيمة وإصرار وقعت على عقد عمل جديد بمنطقة قوانغشي، وفور وصولها إلى هناك، وُزعت للعمل ضمن الحكومة المحلية، وعلى الرغم من أن هذا العمل كان بعيدا تماما عن هدفها، ولا يمكنها من تحقيق حلمها القديم بشكل مباشر، إلا أنها وكعهدها في الماضي، اجتهدت واكتسبت الخبرات في وظيفتها، وأخذت تستعد بشكل جيد لعملها في المستقبل.
وعلى الرغم من أن ظروف العمل والحياة لم تتح لها فرصة استخدام اللغة العربية، إلا أن الحياة الجامعية مازالت في ذهنها، فمن وجهة نظرها، لا يمكن للمؤهل الدراسي والتخصص أن يكونا حصنا منيعا أمام الأحلام التي يسعى وراءها الإنسان، وينبغي على كل شخص ألا يدقق بالمكاسب والخسائر في وقت من الأوقات، بل أن يحافظ على شغفه وحيوية قلبه. وبذلك تشبثت دوما بأحلامها وإيمانها، وواجهت الصعوبات بكل شجاعة، وكرست عملها لمساعدة الفقراء بحماسة ومسؤولية وعقلانية.
وتفوقت لو شيئا فشيئا ببراعة عالية بعد وصولها إلى منطقة قوانغشي، كما وقعت في الحب وتزوجت وكوّنت أسرتها الصغيرة. وفي شهر يوليو عام 2015، طلبت الحكومة المحلية من جميع العاملين التسجيل لشغل منصب السكرتير الأول لقرية شانغمنغ لمدة عامين وسبعة أشهر. أخذ قلب لو يخفق بشدة بعد رؤيتها للإعلان، لأنها بذلك سوف تتمكن من تحقيق حلمها الذي طال انتظاره، وهو الذهاب إلى المناطق الأكثر احتياجا في الصين. وبدعم كبير من أسرتها، تقدمت لشغل منصب السكرتير الأول لقرية شانغمنغ بمحافظة لينغيون في أكتوبر عام 2015.
وبالرغم مما تتمتع به قرية شانغمنغ من مناظر خلابة، إلا أن لو لم تحظ بمتسع من الوقت للاستمتاع بالقرية، فعلى الفور اتخذت القرية بيتا لها، ومن أجل معرفة مشاعر وآراء المزارعين، تفقدت بيوت القرية، وتعرفت بشكل أعمق على الأحوال الحقيقية للمزارعين، ومن خلال إجرائها أبحاثا دقيقة، وجدت لو أن القرية مثلها مثل باقي المناطق غير المتقدمة، تعاني من العديد من المشكلات المنتشرة التي تحتاج إلى حلول عاجلة.
"لا يوجد أمر بسيط في القضايا المتعلقة بالجماهير"، فمنذ أن بدأت لو وظيفتها وهي تسعى دائمًا لمساعدة المواطنين في حل مشاكلهم، ولشرح سياسات البلاد الخاصة بمساعدة الفقراء، حتى أن بعض المواطنين توجهوا مباشرة إلى مسكنها، للاستعانة بها في مواجهة الصعوبات التي تواجههم. تتميز لو بشخصية متواضعة للغاية، ودائما ما كانت تشرح بكل صبر السياسات الجيدة بطريقة مبسطة وعميقة للمواطنين، بل وتشاركهم في تطبيق تلك السياسات.
اتخذت لو من الأفكار والوسائل المبتكرة سبيلا لمساعدة الفقراء وحققت نتائج مثمرة. فاستخدمت تطبيق "ويتشات" الصيني الشهير للتواصل الاجتماعي للقيام بالأعمال وعقد الاجتماعات وغيرها من الوسائل، ما رفع من كفاءة العمل. كما أنشأت منصة لبيع المنتجات المحلية وجمع التبرعات الخيرية. وسجلت شركة تجارية للمنتجات الزراعية ومحلا لبيع منتجات القرية على منصة "تاوباو" الصينية العملاقة للتجارة الإلكترونية، ومن خلالها باعت الكثير من المنتجات المحلية التي وصلت قيمتها إلى حوالي 100 ألف يوان، الأمر الذي ساعد في تخلص فقراء القرية من الفقر. ومن أجل تسويق المنتجات بشكل أفضل، أسست مركز خدمات للتجارة الالكترونية بالتعاون مع بقية الكوادر في القرية. كما جلبت العديد من المشروعات للقرية من أجل مساعدة الفقراء بقيمة تتجاوز 20 مليون يوان، ما ضاعف الإنتاج وحسن الظروف المعيشية للمزارعين.
أدركت لو الدور المهم للتعليم، باعتباره السلاح الذي يمكنه القضاء على الفقر نهائيا، فنجحت في جمع 65 ألف يوان، لإطلاق "المنحة التحفيزية لقرية شانغمنغ"، التي تقدم للطلاب المتفوقين من فقراء القرية، والتي حصل عليها أكثر من 50 طالبا، ما حفز الطلاب على الاجتهاد في دراستهم. كما وضعت مع زملائها في العمل "خطة براعم الربيع"، حيث استطاعت من خلال الخطة جمع تبرعات بكتب بلغت قيمتها 50 ألف يوان لأطفال القرية.
وخلال هذه الفترة، حققت قرية شانغمنغ تطورات ملموسة، وارتفعت مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في القرية بشكل كبير، حيث تقلص معدل انتشار الفقر من 21.4 بالمائة إلى 2.34 بالمائة بنهاية عام 2017، كما انخفض عدد الفقراء من 340 شخصا إلى 38 شخصا. ومع نهاية عام 2017، اجتازت قرية شانغمنغ الفحص الخاص بالتخفيف من حدة الفقر في منطقة قوانغشي، وتخلصت من الفقر بسلاسة.
وفي أبريل عام 2018، عادت لو إلى مدينة ناننينغ، حاضرة منطقة قوانغشي، بعدما أنهت عملها في التخفيف من حدة الفقر في قرية شانغمنغ، ولخصت ما قامت به في كتاب باسم "المياه المجهولة"، حيث يستعرض ويلخص الكتاب ما قضته من أوقات في التخفيف من حدة الفقر بالقرية وما بذلته من جهود لمساعدة أهل القرية في التخلص من الفقر. وقد نُشر في ديسمبر عام 2020 من قبل دار نشر جامعة قوانغشي.
ترى لو أنها موظفة حكومية عادية مثل آلاف الموظفين الذين يعملون من أجل التخفيف من حدة الفقر. ومن خلال جهودها وكفاحها واجتهادها في وظيفتها، قدمت لو شرحاً متميزاً حول تحقيق الأحلام والقيم المتمثلة في الحب والإيمان.