مخيم اليرموك والصورولوجيا

بقلم: علي بدوان

  • بقلم علي بدوان ... عضو اتحاد الكتاب العرب

 أَدخَلَ مخيم اليرموك دالات لغوية وفلسفية، ومصطلحات جديدة على (الأنسكلوبيديا) العالمية، وكان على رأس تلك المصطلحات ما بات يُعرف بعِلم (الصورولوجيا)، انطلاقاً من زخم المعاني الكثيفة التي لخصتها آلاف الصور التي تم نقلها عن حال وأحوال المخيم وأهله خلال محنَتِهِ الكبرى.

(الصورولوجيا) هو عِلم الصورة، عِلم اللوحة الفوتوغرافية، التي تُلخِّصُ واقعاً معيناً وحدثاً ما. وقد تصبح زاخمة بحدودٍ عالية مع المعالجات الفنية التي تُحافظ على أمانة الوضع والنقل، فتلك المعالجة تُدخل عناصر الأزمة الواقعة لتأخذ شكل الدراما والرواية على الصورة من دون كتابة كلمة ومن دون تدوين حرفٍ واحد. هي كذلك لوحة (جامبوترون) الضوئية التي حملت واحدة من تلك الصور لمخيم اليرموك قبل عدة أعوام، التي تتعدد معانيها لدرجة يعجز عن فك ألغازها حرّيفة قراءة الصور وعتاولة عِلم (الصورولوجيا).

لقد جاءت الخطوة الجيدة والمُوفقة لوكالة (الأونروا) في حينها، وهي الخطوة الإعلامية الدعاوية، بوضع صورة ضوئية كبيرة جداً لمخيم اليرموك في أكبر عشر ساحات في عشر دول من دول العالم، كان منها على لوحة (جامبوترون) الإعلانية الكبيرة في (تايمز سكوير) في نيويورك، وعلى مثيلتها الموجودة في ضاحية شيبوا في طوكيو، وهي صورة تُظهر تدافع الناس من أجل الحصول على مساعدات الوكالة الغذائية في مخيم اليرموك، وهي صورة مُؤثرة وتحتفظ بأهدافها الحقيقية بالرغم من التعديلات الفنية التي أجريت عليها بواسطة برنامج (فوتوشوب). فكيف لو شاهد العالم على تلك اللوحات الضوئية الصورة التالية لسقوط قذيفة الهاون الغادرة على تلك الجموع من المواطنين الأبرياء أثناء استلامهم للمساعدات الغذائية المُقدمة من الوكالة؟

صورة بيتنا، بنايتنا المُدمرة في المربع الأول من مخيم اليرموك وحارة الفدائية ومعها العشرات من البيوت المدمرة وركامها، كانت الحاضر الكبير في تلك الصورة التي حازت على ملايين البصمات الضوئية خلال وقت قصير جداً، وملايين التعليقات عبر وسائل ووسائط التفاعل والتواصل الإجتماعي. جاءت خطوة الأونروا، وتلك الصورة لنقل الواقع الحي، ولدفع المُجتمع الدولي وتحفيزه من أجل السخاء المطلوب بدفع التبرعات المالية التي يُفترض تقديمها لوكالة الأونروا لمساعدتها على أداء رسالتها تجاه مُجتمع اللاجئين الفلسطينيين بشكل عام، وفي سوريا بشكل خاص في الوقت الراهن، خصوصاً لجهة المرحلة التالية من أجل إعادة إعمار وبناء ما دُمرّ في مخيم اليرموك وغيره من التجمعات الفلسطينية، ومن أجل رفع منسوب تدفق المساعدات العينية والمالية المُقدمة لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا. هي التجربة الأولى لوكالة الأونروا التي تبادر فيها إلى استثمار هذا النوع من العمل الإعلامي في سياق رسالتها بشأن اللاجئين الفلسطينيين عموماً وفي سوريا خصوصاً، فهي الصورة الأولى في تاريخ القضية الوطنية التحررية للشعب العربي الفلسطيني التي يتم فيها عرض واحدة من ملايين ملايين الصور التي تتحدث عن مأساة فلسطين وتداعياتها في دياسبورا المنافي والشتات. فكان صمود مخيم اليرموك، وصَبْرِ أهاليه ومواطنيه وتحمّلهم قساوة الحال إن كانوا داخل المخيم أو خارجه هي الشرارة التي انبثقت منها تلك الفكرة لعرض الصور إياها في أكبر ساحات العالم. لقد سَجّلَ مخيم اليرموك السَبْقَ في هذا المضمار، فانطلق عِلم (الصورولوجيا) من مخيم اليرموك دون غيره.

لوكان الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي حياً، لأنجَزَ موناليزا، جوكندا، بطبعة جديدة، تُلخِصُ مأساة شعبٍ تحَارُ أمامه، شعبٍ متألم من أهوال ماحَلَّ به، لكنه بالوقت نفسه يبتسم، ويعاند الواقع بكل كدٍ، محاولاً أن يَشُقَ طريقه وسط عَالَمٍ ظالم، تَسُودُ فيه شرائع همجية بالرغم من ضوضاء العصر.

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت