طالب رئيس البعثة الدبلوماسية للسلطة الفلسطينية في المملكة المتحدة، السفير حسام زُملط، الحكومة البريطانية بالالتزام واحترام قواعد العدالة الدولية واستقلالية المحكمة الجنائية الدولية، معرباً عن الأسف والقلق الشديدين حيال الرسالة التي وجهها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لأصدقائه المحافظين في البرلمان، والتي أبدى فيها اعتراضه الكامل على شروع المحكمة في التحقيق في الجرائم التي ترتكبتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية.
وقال السفير زملط، في تصريحات لصحيفة ”القدس العربي” اللندنية، إن “رسالة رئيس الوزراء البريطاني هذه تعد تسييساً للعدالة الدولية والقانون، يهدد استقلال المحكمة الجنائية الدولية والمنظمة الدولية”، مشيراً إلى أن “لجوء جونسون لاستخدام أسماء قضاة بريطانيين ممن لديهم مواقع متقدمة في رسالته التي وجهها لمن أسماهم أصدقاءه وحلفاءه إنما يضع علامات استفهام كثيرة تجاه رئيس الوزراء البريطاني كون هؤلاء القضاة لا يتبعون سياسيا للحكومة البريطانية وينفذون قواعد القانون الدولي”.
وأكد زملط على أن دولة فلسطين هي دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية وموقعة على ميثاق روما وعليه يحق لها ملاحقه ومعاقبة إٍسرائيل على جرائمها ضد الفلسطينيين منذ عام 1948 وحتى اليوم.
ولفت إلى “التناقض الكبير” في رسالة جونسون والتي يتضح أنها “مسيسة وتأتي في إطار قرار سياسي لا علاقه له بالقانون الدولي ولا المنطق ولا حتى التزامات المملكة المتحدة كطرف مؤسس للجنائية الدولية”.
وأوضح زملط أن استخدام جونسون لفظي “الصديق والحليف” في رسالته والتي يشير فيها بوضوح إلى مكانة إسرائيل إنما يمثل ذريعة أكبر لإسرائيل لمواصلة جرائمها ضد الفلسطينيين، وأن هذا يتنافى كلياً مع القانون الدولي بل يلغيه تماماً ويمثل نكبة جديدة لمعاني القانون الدولي”.
وقال السفير الفلسطيني “نحن أصدرنا بيانا بشأن الرسالة التي وجهها رئيس الوزراء البريطاني، وأظهرنا فيه أن المملكة المتحدة تحديداً عليها مسؤولية أخلاقية وقانونية هائلة تجاه الشعب الفلسطيني، لأنها هي المتسبب الأول في نكبته منذ 1948 وحتى اللحظة”.
وأضاف “من الواضح أن المملكة المتحدة تعتقد الآن أن إسرائيل فوق القانون. لا يوجد تفسير آخر لبيان يعطي تفويضا مطلقا لإسرائيل لمواصلة مشروعها الاستيطاني غير القانوني في الأراضي المحتلة، ويشير إلى إسرائيل بأنه بغض النظر عن أفعالها تجاه الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة”.
وقال “من ناحية أخرى، يدعي رئيس الوزراء البريطاني أنه يدعم مهمة المحكمة الجنائية الدولية. ومن ناحية أخرى، يبدو أنه يجادل بأن مهمتها لا يمكن أن تمتد إلى إسرائيل لأنها صديق وحليف” للمملكة المتحدة.
وتابع “استخدام لفظ حليف وصديق هي عبارة معيبة تشير إلى أن رئيس وزراء بريطاينا يضع إسرائيل فوق القانون ويمكنها من استمرار جرائمها ويريد أن تتمتع بمزيد من الحصانة الكاملة من جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها ولا تزال”.
وأكد السفير زملط على أن العمل جار لعقد لقاء وزاري فلسطيني بريطاني الأسبوع المقبل لم يتم الإعلان عنه بعد وذلك لمناقشة تبعات الرسالة التي وجهها جونسون، مبيناً عزم الفلسطينيين على مضاعفة الجهود المبذوله مع الجنائية الدولية والأطراف الدولية الأخرى من أجل التأكيد على أن مسار العدالة سوف يأخذ مجراه.
وقال إن “هناك لقاءات على المستوى الوزاري، ونحن نأخذ هذا الموضوع على محمل الجد جداً، بالنسبة لنا المحكمة الجنائية الدولية وكل المنظومة الدولية هي حق لنا ومسؤلية على الجهات المتعاقدة مع النظام الدولي بما فيها بريطانيا وبالتالي نحن مستمرون ولن نتراجع”.
وأضاف “نحن نعتبر المحكمة الجنائية محكمة لها استقلاليتها ونثق بأن هذة المحكمة كما أقرت أن هناك ولايه قانونية وكما أقرت ببدء التحقيق، نثق بأن المحكمة ستستمر بعملها حسب صلاحياتها التي حددت لها من المنظومة الدولية”.
ورأى زملط أن ما قام به رئيس الوزراء البريطاني “مؤسف ومُضر ليس فقط بالفلسطينيين وعدالة قضيتهم وبضحايا الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، بل يضُر بالمنظومة الدولية والقانون والعدالة الدوليين، ومُضر كذلك ببريطانيا وسمعتها أمام العالم والمجتمع الدولي”.
وكان رئيس الوزراء البريطاني قد أرسل في التاسع من الشهر الجاري رسالة إلى أصدقاء إسرائيل المحافظين قال فيها “نحن لا نقبل أن يكون للمحكمة الجنائية الدولية اختصاص في هذه الحالة، بالنظر إلى أن إسرائيل ليست طرفا في قانون روما الأساسي وأن فلسطين ليست دولة ذات سيادة”، مضيفا أن القرار “يعطي الانطباع بأنه هجوم ضار” على الدولة اليهودية.
وفي مارس/ آذار الماضي، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية أنها ستحقق في جرائم حرب محتملة ارتكبتها إسرائيل والفلسطينيون بناء على طلب من الفلسطينيين، الذين انضموا إلى المحكمة في 2015 بعد منحهم صفة مراقب غير عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأدانت إسرائيل قرار الجنائية الدولية بدء التحقيق في الجرائم المحتملة التي ارتكبتها بحق الفلسطينيين، واتهمت المحكمة الجنائية الدولية بالتحيز، مدعية أن إسرائيل قادرة بشكل واضح على التحقيق في أي جرائم مزعومة للجيش الإسرائيلي من خلال التسلسل الهرمي القانوني الخاص بها .
وأرسلت إسرائيل ردا رسميا إلى المحكمة، أمس الجمعة، على الرغم من عدم نشر نص الرد، قال مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في بيان الخميس إنه سيقول إن إسرائيل لن تتعاون مع التحقيق.
ومن المتوقع أن يركز تحقيق المحكمة الجنائية الدولية على الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة عام 2014 وقتلت فيها آلاف الفلسطنيين، إضافة لسياسة الاستيطان المستمرة في أراضي الضفة الغربية وكذلك ومسيرات العودة التي انطلقت في قطاع غزة عام 2018 على طول الشريط الحدودي المحاذي للأراضي المحتلة عام 48 والتي انتهكت فيها إسرائيل بشكل واضح قواعد القانون الدولية كافة بقتلها مئات الفلسطنيين والتسبب بإعاقات دائمة لآلافٍ أخرين.