- د. دانييلا القرعان
على الرغم من نجاح المرأة الاردنية في تحقيق خطوات كبيرة في الفترة القصيرة الماضية، في مجال احتلال مواقع متقدمة في السلطة وصنع القرار، إلا أن هذه المشاركة ما زالت دون مستوى الطموح الذي نطمح له جميعنا، وما زالت تعاني من نقص التمثيل في مختلف دوائر صنع القرار القيادي، وما زال هنالك الكثير من العوائق الثقافية والاجتماعية التربوية المتأصلة للتحيز، المبني على أساس النوع الاجتماعي، وما ينطبق على المرأة الأردنية ينطبق على المرأة العربية بشكل عام مع فروق طفيفة هنا وهناك.
تعزى اسباب ضعف مشاركة المرأة في الحياة السياسية وعدم تمكنها من تقلد المناصب العليا بالدولة، كرئيسة للوزراء او البرلمان او مجلس الاعيان، الى عدة معوقات حالت دون مشاركتها، وهذه التحديات حالت دون استغلال طاقتها في تولي المناصب القيادية، رغم كل ما بذلته المرأة الاردنية في الوصول الى الدمقراطية وتحقيق المساواة والعدالة المجتمعية بينها وبين الرجل، مما اتاح لها فرصة متساوية في التعليم والعمل إلا أن هذه الجهود كانت غير فعالة؛ بسبب تبعية المرأة والثقافة السائدة في المجتمع، واستمرار النظم السياسية التقليدية الممنوحة للرجل.
هنالك أسباب تتعلق بالمعوقات الاجتماعية والثقافية كالعادات والتقاليد الخاطئة التي تكرست عبر فترات طويلة، وسيطرة الثقافة الذكورية في المجتمع، والتي ترى أن الرجل أقدر على اتخاذ القرار السياسي والعمل القيادي، وسيادة نمط من القيم التقليدية، التي ترى أن المرآة غير قادرة على العمل السياسي، ودورها يجب أن يقتصر على الوظائف التقليدية كتربية الاطفال وادارة شؤون البيت، اما المعوقات السياسية والقانونية، فقد نص الدستور على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وكلاهما امام القانون سواء، ولا تمييز بين حقوقهم وواجباتهم السياسية، وعدم معرفة المرأة بحقوقها القانونية، ومن ضمنها حقها في تبوّؤ المناصب وحقها بترشيح نفسها للمناصب العليا، حيث أنها لم تعمل على تمكين نفسها سياسيا، ولم تكتسب الخبرة التي تؤهلها لتبوؤ هكذا مناصب قيادية. إلى جانب سيادة الاحكام العرفية لفترة زمنية طويلة نتيجة الظروف السياسية التي كانت من أسباب عدم مشاركة المرأة في العمل السياسي، اما المعوقات الاقتصادية، وأبرزها تبعية المرأة الاقتصادية للرجل نتيجة ضعف مشاركتها في سوق العمل، ولا شك أن سوء الاحوال الاقتصادية في المجتمع الاردني دفع المرأة الى ضرورة البحث عن لقمة عيشها، مفضله ذلك البحث على قضايا حقوقها وحرياتها العامة.
اما المعوقات الاعلامية، فوسائل الاعلام تلعب دورا مهما في عملية التنشئة السياسية والثقافية وفي صنع الوعي، ومضمون هذه التنشئة للمرأة يدور في أغلبه حول الأدوار التقليدية للمرأة، وضعف إبراز المرأة المبدعة سياسيا واقتصاديا.
وينبغي الإشارة إلى أن غياب العدالة المجتمعية للمرأة الاردنية ليس فقط محصور في العمل السياسي، وانما انعدام العدالة في كافة المجالات التي حالت بينها وبين تبوؤها المراكز القيادية، لكن أشارت الكثير من الدراسات الى تقدم المرأة في مجال التعليم وتباطؤ مشاركتها في المجال السياسي والاقتصادي؛ وذلك بسبب تبعية المرأة الاقتصادية للرجل وضعف مشاركتها في سوق العمل.
المرأة تنقصها الجرأة السياسية لكي تكون صاحبة قرار، وإذا تحلت المرأة بالجرأة السياسية ستصل الى ما تطمح اليه، كما تنقصها المساواة مع الرجل وان تكون القوانين والتشريعات أكثر عدلا وأقل تحيزا، وينقصها تغيير الصورة النمطية للمرأة التي ما تزال موجودة وتحول دون اتساع مشاركتها، وينقصها القضاء على الدور السلطوي للرجل. ولا تقتصر التحديات على مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية، وإنما تخوض العديد من المعارك للحد من العنف بمختلف أشكاله، لهذا ينقصها تعديل التشريعات والقوانين التي تصب في صالح المرأة، بما ينسجم مع المعاهدات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق المرأة.
المرأة الاردنية تمتلك طاقات كبيرة قادرة على إحداث الاصلاح السياسي والاقتصادي، وما يميز أداءها في مواقع اتخاذ القرار ان يصبح لدينا تجديد وتنويع في اصدار القرارات، والمرأة بطبيعتها معطاءه وصبورة وقادرة على حل المشاكل واخراج الحلول السريعة المبنية على تفكير عميق، والمرأة تحب ان تدخل في المنافسة في العمل فهذا التنافس على اثبات الوجود سيعطي نتائج أفضل. وعلى متخذي القرار ان يدركوا بأن التمكين السياسي والاقتصادي للمرأة هو إحدى الركائز الأساسية ويُعدّ توسيع الفرص أمام المرأة أمرًا مهمًا؛ لأنه عامل حاسم في تمكين المرأة سياسيا ويعمل على ادماجها في سوق العمل وبالنتيجة ينعكس ذلك على تخفيف ارقام البطالة والفقر، ويعمل ايضا على النهوض الاقتصادي للدول وزيادة ارقام النمو فيها.
نقول "أمامنا طريق طويل" ولكنني على ثقة بقدرة المرأة الأردنية على الوصول والتمسك بمبادئها، مع التشديد على أن تمكين المرأة يجب أن يبدأ من داخل المرأة نفسها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت