- عمر حلمي الغول
رحل المناضل العربي السوري ميشيل كيلو يوم الاثنين الماضي الموافق 19 نيسان / ابريل الحالي بعد صراع مع فايروس "كوفيد 19" في باريس مقر اقامته عن عمر ناهز ال81 عاما، قضى جلها في الدفاع عن قضايا الشعب والأمة العربية وكل المظلومين من بني الإنسان. ولم يهادن كيلو نظاما ولا احزابا ولا إئتلافات وطنية وقومية واممية رخوة لم تتماثل مع جوهر الشعارات والبرامج، التي رفعتها
اختار ميشيل اليساري التصالح مع الذات، وانسحب من الحزب الشيوعي (رياض الترك)، ولم ينسحب من الانتماء للفكر اليساري، ولا من منهجية البحث والتحليل والقراءة الواضحة والشجاعة للعلاقة مع النظام السياسي السوري، ولم يهادن، ولم يستسلم للإغراءات، والرشاوي، ولم تغريه المواقع والمناصب والمال السياسي زمن المعارضة المأجورة والتابعة لإجهزة الغرب وحليفاتها في اقليم الشرق الاوسط الكبيرالأمنية، ولا لغيرها من المتورطة في تمزيق وحدة سوريا الشعب والوطن. ولهذا لم يقبل القسمة على اي من الإئتلافات السورية الرخيصة، وحتى عندما وافق على الانخراط في "الإئتلاف الوطني السوري" عام 2013 إعتقادا منه انه يشكل نموذجا مختلفا، بيد انه اكتشف، ان ذلك الإئتلاف ليس احسن حالا من الإئتلافات التافهة، لذا غادره نهاية عام 2016، كونه جزءً من تلك الإئتلافات المتورطة مع قوى ودول عربية واسلامية ودولية متآمرة على سوريا، حولت المعارضة إلى قوى معادية ومتناقضة مع مصالح الشعب وثورته، ولانها لا تمثل معارضة ديمقراطية حقيقية.
وأصدر بعد ذلك مع مجموعة من رفاقه وثيقة نقدية لواقع الثورة السورية، وللفصائل والمنظمات والإئتلافات المختلفة، التي صعدت على ظهرها وبإسمها، لإنها قبلت لعب دور الإداة الرخيصة بيد قوى اعداء سوريا الوطن والشعب، ورفضوا في وثيقتهم تشويه صورة وهوية الثورة الوطنية الديمقراطية، التي سعت تلك القوى على البساها ثوبا دينيا وطائفيا ومذهبيا، لا يمت للشعب ومصالحه الوطنية والقومية بصلة. وإعتبروا تلك القوى أكثر خطورة على وحدة ومستقبل سوريا.
كان ميشيل كيلو معارضا حقيقيا، لم يأبه التهديد والإعتقال في سجون النظام السوري، الذي لم يكن يوما على وئام معه. وتم إعتقاله أكثر من مرة، كان آخرها عام 2006 ولمدة ثلاثة اعوام بعدما اصدر مع مجموعة من المثقفين السوريين واللبنانيين "إعلان بيروت – دمشق"، الذي كان له وقع كبير في اوساط النخب والشارع السوري واللبناني. لكنه واصل قناعاته الديمقراطية بشجاعة، وانخرط في صفوف الثورة بعد عام 2011، مع انه لم يتبوأ اي مكانة قيادية في الإئتلافات التي تشكلت بعد الثورة. لا بل العكس صحيح، كانت قيادات تلك الإئتلافات تخشاه، وتخشى صوته ودوره الريادي، لذا عملوا على تهميشه إسوة بباقي الشخصيات و النخب الوطنية والديمقراطية.
كيلو المناضل الوطني والقومي الديمقراطي كان شخصا متميزا، ومبدعا في العديد من المجالات في الترجمة والأدب والفكر السياسي، وفي العلاقات الخاصة مع الأصدقاء والمعارف، ربطتني به علاقات شخصية اثناء إقامتي في سوريا الحبيبة، وكانت تجمعنا قواسم مشتركة فكرية سياسية وثقافية عامة، أضف إلى كونه رجلا ودودا ومتواضعا ومحبا للآخر، وحريصا على التواصل مع الجميع، وكان مهتما بأراء ووجهات النظر الاخرى، ويناقشها بموضوعية، ودون ردود فعل سلبية، ولهذا كان محبوبا، وكان بيته مزارا للمثقفين، رغم انه كان يخضع للمراقبة والملاحقة الدائمة. ومع ذلك كان مركز إستقطاب وإشعاع معرفي لمحبيه.
لم يميز كيلو يوما بين عربي عربي الآ بالإنتماء للحرية والديمقراطية والتعددية والتسامح والتنمية ولنهوض الأمة وشعوبها من كبوتها، وكان مؤمنا بالربط العميق بين الوطنية والقومية والإنسانية، ويرفض التزمت، والإستعلاء والديكتاتورية والتبعية للغرب والإستعمار الصهيوني لفلسطين، لهذا ناصب العداء لكل الأنظمة الفاسدة والتابعة للغرب الرأسمالي، والمتناقضة مع مصالح شعوبها، والمزورة لإرادتها وهويتها الحقيقية.
كان ميشيل حزبا في شخص، وإئتلافا في ذات، ولم يكن يوما إلآ منسجما مع خياره وقناعاته، التي دافع عنها دون تردد او خشية من نظام أو قوى ردة دينية وطائفية، لإنه كان فوق كل ذلك، كان رجلا جامعا للوحدة والمصالح العليا للشعب والأمة. لذا وان رحل ميشيل جسدا، فإنه باق بنتاجاته المعرفية والفكرية والأدبية، وبعطائه الصادق والشجاع. رحمة الله على ميشيل، والسلام لروحه الطاهرة.
[email protected]
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت