- بقلم/ رامي الغف*
لقد حانت ساعة العمل للدفاع عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين للرد على تزايد الحفريات تحت المسجد الأقصى والذي زاد بمقدار الضعف تقريبًا خلال العام الماضي، مع وجود إشارات عدة تؤكد اكتمال بناء مدينة يهودية أسفل المسجد.
منذ انعقاد مؤتمر السلام في مدريد، والإسرائيليين والولايات المتحدة والعالم أجمع بحكوماتهم وشعوبهم، يعرفون أن القدس خط أحمر فلسطينيا وعربيا وإسلاميا ومسيحيا، وبالرغم من هذا الاعتراف والإقرار تتعرض القدس ومقدساتها وضواحيها ومنذ احتلالها إلى أبشع أنواع مصادرة الأراضي والتهويد وهدم المنازل والتغير الديمغرافي، فقد استهدفت العديد من منازلها ومؤسساتها وبنيتها التحتية إلى الهدم بحجة عدم الترخيص أو المصادرة لإدعاء الملكية أو إنها أملاك غائبين، وفي كلتا الحالتين يتم إسكان مستوطنين جاءوا من كافة بقاع الأرض للسكن في تلك البيوت ورفع علم إسرائيل فوق سطوحها، وتعيين أطقم حراسة من حرس الحدود وبذلك يجعلون المنطقة بكاملها تعيش تحت الإرهاب الصهيوني.
لقد عمدت إسرائيل على إحاطة القدس الشريف بمجموعة هائلة من أحزمة المستوطنات وركزت على اغتصاب الأرض وطردت المواطنين الشرعيين عبر أساليب استيطانية خبيثة أبرزها النوايا، والدعاية، وقوانين الضم بهدف تصفية حقوقهم في أملاكهم باعتبارها أملاكا تم الاستيلاء عليها بحكم الاحتلال والقوانين الصادرة عنه وتصفية المؤسسات الوطنية الإسلامية منها والمسيحية، وهدم جميع الأبنية الأثرية الملاصقة للمسجد الأقصى والكائنة حوله، وباشروا في إجراء حفريات في إرجاءه بحثا عن آثار يدعونها لهم.
حكومة الاحتلال تستهدف المواطنين العرب من أبناء القدس عبر ترحيلهم وترهيبهم وقمعهم، والتخلص منهم عبر تكثيف الوجود اليهودي من خلال النزوح اليهودي إلى القدس وتصعيد حركة الاستيطان وإضفاء الطابع اليهودي على المدينة لخلق أمر واقع يساند ويعاضد الإدعاء الإسرائيلي باعتبار القدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل.
وهذا ما عبر عنه الصهيوني المتشدد هرتزل عندما قال إذا حصلنا يوما على القدس وكنت لا أزال حيا وقادرا على القيام بأي شيء فسوف أزيل كل شيء ليس مقدسا لدى اليهود فيها. وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها قرون، وهو هنا يعارض الأنثرولوجيا والتاريخ، فاليهود لم يملكون يوما بمعنى الامتلاك شيئا في القدس، بل أن وجودهم كان عابرا على المنطقة والمدينة. وكان بن غوريون يردد دائما لا معنى لإسرائيل بدون القدس ولا معنى للقدس بدون الهيكل. إذا فإن المرحلة التي يمر بها الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية ومقدساته الإسلامية والمسيحية تعتبر من أدق وأخطر المراحل التي مر بها حتى الآن، فالقدس وهي أبرز الثوابت المعاصرة التي لا جدل حولها، ففوق جبالها تتبلور حالات الحضور لتعد النوارس بالقيامة، والقدس الوطن الأشم والذاكرة الخالدة المزدوجة بجملة الحقائق والأشياء، يمشط شعرها تاريخ الأجداد والآباء والشموخ الجبلي الداخل في الطقوس اللاهبة، إنها امتزاج الحلم بالتراجيديا، أولادها وبناتها يغزلون مستقبل الحب والسلام وينشدونه ويرتلونه.
فإرادة السماء منذ أن وطأت أقدام الرسل والأنبياء للوطن المقدس، شاءت أن تكون القدس فاتحة التكوين وعاصمة فلسطين وفلسطين بإذن الله ستنتصر. فإذا كانت حكومة الاحتلال ومستوطنيهم في ظل زوبعة الأحداث الجارية في الوطن العربي قد اتخذوا خطوات جديدة إستباقية فيما يخص معركة القدس، فان الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه وألوانه السياسية ومعه الشعب العربي يدركون جيدا أن القدس هي النقطة التي لا تهاون ولا تردد فيها، ويدركون كذلك أن القدس هي مشكلة المشاكل وأن حقهم فيها لا يمكن أن يقتصر على قدر متواضع كرفع العلم أو الاكتفاء بجزء من الأماكن المقدسة، فمقدساتهم هي إسلامية مسيحية وهي مقدسات في إطار حقوقهم الكبيرة في عاصمتهم الخالدة القدس. وهم يعلنون دعمهم ووقوفهم بجانب القيادة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس الذي أبدى صمودا وثباتا حديديا على الموقف الفلسطيني الثابت حيال القضايا المصيرية للشعب الفلسطيني وعلى رأسها القضية المركزية القدس وقالها وما زال كلمة مدوية لا لتقسيم القدس ولا للمخططات الأمريكية الإسرائيلية التي تريد انتقاص حقوقنا.
إذا بعد كل هذه الممارسات ضد مدينة القدس ومواطنيها ومقدساتها، أصبح العنوان الرئيسي لنتنياهو خلال عمر ولايته الحالية أكثر وضوحا وهو دعوة الفلسطيني للاستسلام والتخلي عن أهدافه الوطنية العليا مقابل تسوية مرحلية طويلة الأمد تبقي القدس طابو مسجلة باسم الكيان الإسرائيلي ويتم في إطارها منح المستوطنات شرعية التمدد حسب الرغبة الإسرائيلية، فالظروف والمتغيرات الدولية والتعنت الإسرائيلي قد تطور تجاه فلسطين وقضاياها الوطنية وعلى رأسها قضية القدس ليتأكد أن قوى الظلام في إسرائيل يرفضون كافة الخيارات لإرجاع الحقوق لأصحابها، خاصة وهي تحاول دق الأسافين في عنق المسيرة السلمية وتقدم قوى التطرف في إسرائيل بأشرس هجمة استيطانية على القدس الشريف وتحاول من خلال ذلك تزوير الجغرافيا والتاريخ.
إن القدس التي تتمركز في وجدان كل فلسطيني وعربي هي القاعدة الأولى والأخيرة التي لا جدل حولها أبدا، فالقدس عاصمة الدولة الفلسطينية، وإن المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والتي تتكلل دائما بالفشل بسبب المواقف الإسرائيلية المتصلبة والمتعنتة في أكبر القضايا حساسية فحيال هذا التعنت بالقدس لدى إسرائيل يجب أن يؤكد أن الاستخلاص الأساسي وهو أن كيان الاحتلال وأطرافه غير معنية أو ناضجة لاستحقاقات السلام، وغير جدية للاستحقاقات الوطنية الفلسطينية في حدها الأدنى وهو ما يعني بأنه ما زال أمام الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية مهمة وطنية تتمثل بالآتي:
أولا: الإدارة السياسية الصحيحة للمرحلة القادمة وهي في حقيقتها قد تكون مرحلة فراغ، ومرحلة لا مفاوضات من حيث الجوهر وبغض النظر عن الأشكال أو التكتيكات. وهذه الإدارة السياسية يجب أن يكون هدفها تفكيك جبهة الخصوم وتقوية جبهة التحالفات، وإعطاء مناخات مناسبة لاستمرار المقاومة الشعبية، وعدم عزلهما وحشد المساندة الدولية والعمل بكل المجهودات في الساحات الدولية الأمريكية والأوروبية وكذلك الساحات العربية والإسلامية وساحات الأشقاء والأصدقاء وأن تستخدم المنطلقات الإيجابية بصورة سلمية بارعة.
ثانيا: استمرار التمسك بالثوابت وبلا تردد، فهناك اتفاقيات لم تنفذ بعد، فيجب على حكومة الاحتلال تنفيذها فورا، وهناك قضايا الوضع النهائي التي قطعت أشواط والتي أستشهد من أجلها القائد الرمز أبو عمار، فلا يمكن الرجوع فيها إلى الوراء والتي تحتاج من الكل الفلسطيني المزيد من الخطوات إلى الأمام بحيث لا حل ولا أمن ولا استقرار نهائي بدون القدس والأماكن المقدسة وحق العودة والأرض كاملة والاستقلال كاملا.
ثالثا: التأكيد على استمرار مقاومة الاحتلال المشروعة، فالمقاومة حق مشروع والاتفاقيات تجاوزت وقتها والشعب الفلسطيني لن ينتظر كثيراً، إضافة إلى توسيع نطاقها وقاعدتها والمشاركة فيها واستكشاف القوانين المناسبة لظروفها الموضوعية وخصائصها في هذه المرحلة من أجل تعزيزها والاستمرار بنقاط قوتها وإيجابياتها.
رابعاً: تحقيق الجاهزية وترتيب الوضع الذاتي والداخلي وإنهاء الانقسام الحاصل بين شقي الوطن فورا من أجل العمل لمعركة القدس الكبرى، فترتيب الوضع الداخلي يجب أن يبرمج بالجرعات العلاجية المناسبة، لأن الجرعات العلاجية الزائدة عن قدرة الاحتمال قاتلة، والجرعة العلاجية الناقصة من الاحتياجات غير مجدية، مع تمتين كل صيغ الوحدة الوطنية وتمتين ودعم صنع لقاء ووحدة القوى الوطنية والإسلامية وعلى رأسهما حركتي فتح وحماس وتكامل المواقف في اتجاه الهدف الوطني لهذه المرحلة التاريخية، وهو هدف على طريق أحلام وتطلعات الشعب الفلسطيني ببعدها العربي وخيارها الحضاري والتاريخي العربي الإسلامي والمسيحي العربي.
خامساً: تجنيد كافة سفارات الدولة الفلسطينية بالتعاون مع سفارات الدول المتعاطفة مع قضايانا الفلسطينية من أجل فضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي وممارساته الهادفة إلي تهويد القدس واقتلاع شعبنا من أرضة، والاستمرار في خلق وتدعيم وإبراز ما تعانيه القدس في الإعلام من خلال تجميع اكبر حشد إعلامي عربي فلسطيني ومن كافة الشعوب والمنظمات الحقوقية والإنسانية على اختلاف تخصصاتها لفضح هذه الجريمة النكراء والطابع العنصري للاحتلال، وتكثيف حملات التضامن الدولي مع شعبنا وحقوقه الوطنية المشروعة. وبناء على ما تقدم يمكننا القول أن استهداف القدس ومقدساتها من قبل قوى اليمين المتطرف والمستوطنين الحاقدين، سيشكل تهديدا خطيرا لمستقبل المنطقة كلها، وهذا التقدير يبقى واردا في ظل تواطؤ نتنياهو وزبانيته من المستوطنين العابرين والقادمين من أوكرانيا وأثيوبيا وبلغاريا وروسيا ورومانيا والمجر واليمن والعراق ويوغوسلافيا وعجزهما عن اختراق الخط الفاصل بين الأيدلوجيا التوراتية والمتطرفة والسلام العادل.
*آخر الكلام: الأشهر القادمة ستكشف أن نتنياهو وزبانيته ليس إلا أرقام جارية من سلسله الأرقام التي جلسوا خلف مكتب رئيس الوزراء كشاهدين زور على عبث المستوطنين وأتباعهم بمستقبل القدس والمنطقة برمتها.
*الإعلامي والمفوض السياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت