- رامز مصطفى
القدس التي تعيش في غياهب النسيان المتعمد من قبل الرسميات في المستويين الفلسطيني والعربي ، وجدت بأهلها أنها تصارع وحدها في معركة البقاء والحياة في مواجهة الحركة الصهيونية الهادفة إلى حسم هذه المعركة لصالحها بالمعنى الديني والثقافي والجغرافي والديمغرافي والعمراني والتراثي ، وحتى القانوني والتشريعي .
من خلال حرب التهويد المفتوحة عليها ، والقضاء على روايتها الفلسطينية التي تؤكد على عروبية وإسلامية المشهد المقدسي ، لصالح الرواية الصهيونية في تكريس يهودية المدينة بل وفلسطين بأكملها . وفي سياقها تأتي الاعتداءات والاقتحامات المتواصلة للمسجد الأقصى لفرض التقسيم الزماني والمكاني مقدمة للسيطرة عليه ، وبالتالي حملات إجبار المقدسيين على إخلاء منازلهم في سلوان والشيخ جراح وحيي الصوانة والطور وشعفاط ورأس العامود وبطن الهوى والبستان ، استكمالاً لتلك المعركة الشرسة والمحتدمة الدائرة رحاها منذ عقود بين أهل القدس والكيان وعصابات مستوطنيه ، والتي تمثل هبة القدس اليوم إحدى فصولها ، كردٍ على التظاهرة التي نظمتها جماعة من تنظيم " لهافا " الصهيوني المتطرف في باب العمود ، للتأكيد من قبل تلك الجماعة على أنّ القدس يهودية وعاصمة كيانهم الغاصب .
حتى نحسن قراءة المشهد المقدسي ، كان لابد من هذه الإضاءة السريعة والمكثفة ، كمقدمة لتقدير إلى أين هذه التطورات التي تشهدها ساحات وأحياء وأزقة وحارات مدينة القدس ذاهبة إليه ، في ظل الهبة التي نتطلع تتدحرج نحو انتفاضة شاملة ، ليس على أرض القدس ، بل في عموم الضفة الغربية ، مع إسناد من قبل المقاومة في قطاع غزة ، إذا ما تمّ توفير الغطاء السياسي والوطني ، بعيداً عن المتاجرة والمقايضة التي للأسف اعتادت عليها الساحة الفلسطينية .
في تقديرنا أنّ هذه الهبة على قصر أيام اندلاعها ، استطاعت أن تنجز بعضاً مما تهدفه :-
1. عبّئت الجمهور الفلسطيني ، باتجاه أنّ قضية القدس ومعركتها قد تكون الأخيرة إذا ما خسرتها ، أقله إلى مدى غير منظور . فهي لأجل ذلك استدعت استنفاراً حقيقياً للوقوف صفاً واحداً خلف معركة القدس الوطنية بامتياز .
2. تطورات هبة القدس قد قفزت إلى واجهة الاهتمام في المستويين الدولي والإقليمي ، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس إيجاباً على عناوين القضية الفسطينية وإعادة الاعتبار لها .
3. أثبتت هبة القدس القدرة على التحشيد في مواجهة غلاة المستوطنين ، وسلطات الاحتلال الشرطية والعسكرية ، مما أرغم الكيان على فك حواجزه في منطقة باب العامود ، وهو ما اعتبره عضو ما يسمى " الكينست " الصهيوني ايتمار بن غفير : " أنّ قرار مفتش الشرطة بإزالة الحواجز الحديدية ، هو تراجع مخزي وانتهاك صارخ للسيادة الإسرائيلية . فالحكومة استسلمت ومعها شرطة القدس للعنف مساء اليوم وهذا سيكلفنا الكثير " . فيما اعتبر مراسل قناة كان العبرية : " ما حدث في باب العامود بعد إزالة الحواجز ، يشابه ما حدث مع البوابات الكهربائية . ومن خرج منتصراً هم العرب في القدس . وهذا يعد بأن الفوضى والعنف ضد اليهود ومؤسسات الدولة يؤتي ثماره " .
4. في إطار التحشيد خلف معركة القدس ، تحركت المقاومة في قطاع غزة ، من خلال إطلاقها المدروس للصواريخ والقدائف الصاروخية . الذي جاء في إطار ما هو ضروري لإسناد أهلنا المقدسيين في مواجهتهم مع غلاة المستوطنين الصهاينة المدعومين من المستويات السياسية والحزبية والأمنية والعسكرية والقضائية في الكيان الصهيوني . وهي أي المقاومة مع تحسبها لردات أفعال الكيان ، فهي تدرك أيضاً أنه يعيش في حالة من التردد والإرباك في ظل ما يعيشه من أزمات داخلية وخارجية يعاني منها الكيان ورئيس حكومته نتنياهو .
5. هبة القدس لأهلنا المقدسيين ، وإن تزامنت مع ارتفاع وتيرة وسخونة الانتخابات التشريعية . وتصويرها أنها أتت استجابة لفرض إجراء الانتخابات في القدس ، هذا تشويه لحقيقة الأسباب والدوافع التي وقفت خلف هذه الهبة . وانعاشاً للذاكرة أنه في الانتخابات الأخيرة للمجلس التشريعي ، كان مجموع من مارس حقه الانتخابي فقط ثلاثة آلاف مقدسي من أصل ستة آلاف مقدسي كانوا مسجلين في السجل الانتخابي . وبتقديرنا إذا جرت الانتخابات ستكون نسبة الإحجام عن التصويت عالية .
6. الهتافات التي أطلقت من قبل مجموعات الشباب المقدسي إيجاباً بحق حماس والكتائب ، لا يعني بالضرورة أنّ هؤلاء هم عناصر حمساوية ، بقدر ما هو تعبير صادق من قبل أهلنا في القدس وسائر أبناء شعبنا ، في تأكيدهم على أنّ خيار المقاومة لا سواه وحده من يحرر الأرض ويكنس الاحتلال ويعيد الحقوق .
رامز مصطفى كاتب فلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت