يوم العمال العالمي، يوم للتفكر وأخذ العبر

بقلم: رائد الدبعي

رائد محمد الدبعي
  • بقلم: رائد محمد الدبعي

     تحيي القوى الاشتراكية، والاشتراكية الديمقراطية، والشيوعية، وأنصار الفكر المستنير، واللاسلطوي، والحركات العمالية، والدول الديمقراطية، مرورا بالكنيسة الكاثوليكية، ومعظم شعوب العالم   يوم العمال العالمي في الأول من أيار من كل عام، مستذكرين باكورة نضال العمال  في استراليا، وشيكاغو، وحركة  الثمان ساعات عمل، وقضية هايماركت في الولايات المتحدة الأمريكية ، ورسالة العامل الأمريكي أوجست سبايز لابنه جون قبيل إعدامه على يد الشرطة الأمريكية.

وتشارك فلسين العالم احياءه لهذا اليوم  في ظل واقع مأساوي تمر به الحركة العمالية الفلسطينية نتيجة  استمرار جائحة كورونا، واستغوال الاحتلال، وارتفاع مستويات الفقر والبطالة، لا سيما في قطاع العاملات الفلسطينيات، اللواتي يعانين من ظلم مركب، نظرا لاضطهاد الكثيرات منهن من أرباب العمل، ومنحهن أجورا أقل من الحد الأدنى، بل أن بعضا منهن يتقاضين أجورا لا تصل إلى نصف الحد الأدنى للأجور، فيما جاءت جائحة كورونا لتشكل تحديا إضافيا تسبب فقدان الالاف منهن لوظائفهن الغير عادلة  أصلا، إذ تشير نتائج  مركز الاحصاء الفلسطيني إلى فقدان العاملات  في القطاع الخاص 11 ألف وظيفة في العام الماضي، وبأن 28% من العاملات في القطاع الخاص الفلسطيني يتلقون أجرا شهريا أقل من الحد الأدنى المتواضع أصلا، والذي يحتاج إلى مراجعة فورية من جهات الاختصاص،  ليضفن إلى 334 الاف عاطل عن العمل وفقا لذات المصدر، لا سيما قطاع الشباب الذي تبلغ نسبة البطالة فيه 39%.

     في يوم العمال العالمي نستذكر نضال عاملات وعمال فلسطين، الذي يمتد إلى مطلع القرن الماضي، لا سيما في موانىء المدن الكبرى كميناء يافا الذي مثل بوتقه لتلاقح الأفكار الاشتراكية، وتفتح براعم الوعي النقابي الفلسطيني، والذي لم ينفصل لحظة عن الوعي الوطني الشامل،  إذ ازداد  مع تأسيس الاتحاد العام للعمال اليهود " الهستدروت " الذي شكل أحد أعمدة الحركة الصهيونية، التي ساهمت في ترسيخ دعائم المشروع الصهيوني في فلسطين، وتهجير أهلها، وعلى الرغم من نجاح جمعية العمال العربية الفلسطينية التي تأسست في 21 آذار/ مارس 1925  في انتزاع مجموعة من  القوانين، وتحقيق عدد من الانجازات نذكر منها  قانون  تعويض العمال، وقانون استخدام النساء والأولاد في المشاريع الصناعية،  واقرار قانون نقابات العمال عام 1947، وحصول  "الكتلة العمالية" التابعة للحزب الشيوعي الفلسطيني، على اعتراف قيادة الأممية الشيوعية (الكومنترن) عام  1924، وتأسيس حزب العمال العرب في نابلس عام 1923، وتأسيس  "جمعية العمّال المسيحيين في يافا" عام 1927، إلا أن الحركة العمالية الفلسطينية لم تكن في معزل  عن حالة الاحتراب الداخلي، والانقسام السياسي في فلسطين خلال تلك الحقبة، إذ قامت المعارضة الفلسطينية  بتأسيس جمعية عمالية م حملت إسم " جمعية العمال العربية الفلسطينية " في القدس، وأقاموا  لها فرعا اخر في يافا، بدلا من التكامل والتعاون مع المؤسسات الموجودة أصلا، هذا بالاضافة إلى التحيز البريطاني للحركة الصهيونية وللعمال والمزاعين اليهود.

    شكلت النكبة ضربة قاصمة للحركة العمالية  الفلسطينية، وانتقل ثقل العمل النقابي من حيفا إلى نابلس، ومن ثم إلى عمان، فيما جاءت هزيمة عام 1967، لتوجه ضربة إضافية للعمال الفلسطينيين، إذ أعلنت قوات الاحتلال الأحكام العرفية، وقامت بحل عدد من النقابات العمالية، وشنت حربا منظمة ضد النقابيين، تمثلت باعتقالهم، ومنعهم من السفر،  وإغلاق المقار النقابية، وممارسة رقابة عسكرية على أنشطتهم،  فيما تحولت الحركة العمالية الفلسطينية إلى أحد روافد العمل الوطني الفلسطيني المقاوم، حتى مجيء السلطة الوطنية الفلسطينية، وإعادة بناء نقابات العمال في فلسطين بشكل علني.

    يشكل يوم العمال العالمي فرصة هامة لإحداث مراجعة حقيقية وشاملة لواقع العمال في فلسطين، وللتعامل معه، ولاجتراح اليات عمل جديدة، تصلب من صمودهم، وتسند نضالهم، وتحمي مصالحهم، وتحقق لهم مقومات الحياة الكريمة، وتشكل جدارا لهم من أن لا تنجح الحركة الصهيونية في تحويلهم إلى سقائين وحطابين على أبواب مستطوناتها، وهو الأمر الذي لا يتحقق بالخطاابات العرمرمية، ولا بالشعارات الجوفاء، إنما من خلال رؤية واقعية، تقوم على أساس سن قوانين تقوم على العدالة الإجتماعية، وحماية العمال من استغوال رأس المال العابر للحدود والقارات، المتمترس خلف مصالحه، ورؤاه النيوليبرالية، الخالية من القيم والمشاعر الإنسانية، كما أنه يوم لمراجعة الحد الأدنى للأجور، وتبني حد أدنى جديد يحافظ على كرامة المواطنين، وحقهم بحياة كريمة، ومناسبة لحماية النساء في سوق العمل، من كل أشكال الاضطهاد والظلم والعنف القائم على النوع الإجتماعي، كما أنه مناسبة لخلق أسواق عمل جديدة للشباب، من خلال خلق فرص عمل في الاستثمار في قطاع المعرفة، والتكنولوجيا، التي يمكن أن تتجاوز عنصرية الاحتلال وعقباته، أو خلق مشاريع صغيرة للشباب، لاسيما في قطاع الزراعة، وهو مناسبة لاصلاح مختلف النقابات العمالية، عبر تبني قوانين تنظم عمل النقابات، وتضمن تواتر القيادة، والحراك الدميقراطي في دمائها.

 ختاما، كل عام والجباه المنتصبة بألف خير، كل عام  ومن تلفح الشمس جباههم لترسم خطوط العز والكرامة بألف خير، كل عام  وعمالنا الأبطال، بالف خير. 

 

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت