لنراجع حكايتنا المؤلمة

بقلم: رائد موسى

رائد موسى
  •  د. رائد موسى

عندما أرى حجم التنازع الفلسطيني الحاد حول الوظائف العامة والمناصب العامة والرواتب وما سببه من تفسخ وصراع وأحقاد وحسد وكراهية فيما بيننا أشعر بالأسى على حالنا .. شح الموارد والأموال وانعدام فرص العمل لدى شبابنا أجبرهم على السير خلف أي فرصة توفر لهم مصروف جيب مهما كان زهيدا .. فحتى ما نراه من ملثمين و"مرابطين" و"مقاومين" لو لم تؤمن له تلك الوظيفة دخل مادي مهما كان يهواها أو يؤمن بها لما استمر بها لعدة اسابيع .. وهنا لا أشكك بمقاومة شعبنا الفلسطيني انما أشكك بمظاهر مقاومته التي تحتكر المصطلح زوراً .. فالمقاومة تتجسد فينا نحن الشعب الفلسطيني جميعاً بلا استثناء فمن منا لم يلقي حجرا او يشارك بمسيرة او يطلق رصاصه او يكتب كلمة او يعلو صوته من أجل فلسطين ودون مقابل ؟ .
الاحتلال وسيطرته على مواردنا وحركتنا وتجارتنا هو السبب الرئيسي بلا شك لهذا الفقر وهذا الشح في فرص العمل ولكن أيضا نحن نتحمل مسؤولية كبيرة تجاه تلك القضية فعندما قررنا تأسيس سلطة وطنية فلسطينية على ارض فلسطين كنا ندرك بانه بدون ان يرافق تأسيسها مشروع تنمية اقتصادي حقيقي ستتحول الى جهاز اغاثي مرادف ومعاون لوكالة الغوث ليس أكثر ، ولهذا كان الاتفاق على اقامة مشاريع اقتصادية وعمرانية كبرى واقامة ميناء ومطارات وتجارة مفتوحة وحرية حركة بين غزة والضفة والداخل المحتل والخارج .
 بالفعل عندما اقيمت السلطة الوطنية ودارت عجلة المشاريع الاقتصادية لم تكن الوظيفة الحكومية غاية عظيمة وكان المواطن يتردد كثيرا قبل ان يقدم طلب لها ، فقد كان الانتساب لها يقوم على الرغبة في العمل بالوظيفة الحكومية كرجل أمن او معلم او طبيب او محاسب وآخر هم المتقدم هو وجود راتب منتظم ومقداره ، اذكر حينها عندما كنت اناقش أحد الاصدقاء وادعوه للتقدم للعمل الحكومي كان يقول لي لا أحب قيود الوظيفة وأفضل العمل حر الذي اكون فيه سيد نفسي .
وقعت المأساة عندما أشعلنا انتفاضة الأقصى ثم فقدنا زمام سيرها وأصبح الاحتلال يتحكم في تصعيدها كيفما شاء بالإضافة لتدخل أطراف خارجية تتناغم مع رغبات الاحتلال فكانت قناة الجزيرة المشعل المُهيج الأقوى للأحداث ، فأنا شخصياً وبصفتي ممن عاصروا الانتفاضة بأدق تفاصيلها وكنت في بداية عنفواني وشبابي كانت قناة الجزيرة المحرك الرئيسي لمشاعري ومواقفي ، فقد سهل لها الاحتلال تغطية اعنف اللحظات واقسى المشاهد الدموية التي تفور الدماء بالرؤوس كي يستفزنا ويجرنا لساحة المواجهة الحربية والتي من خلالها مسح لنا كل مشاريعنا الاقتصادية ودمر آمالنا بالحرية والاستقلال ، ووجد المبررات لبناء الجدار وتحصين وتوسيع المستوطنات وتدمير مقرات السلطة الوطنية لصالح ظهور ونمو معسكرات الفصائل المسلحة ، اما الاطراف التي تناغمت تدخلاتها مع رغبة الاحتلال ، فكانت المعادية لمشروع أوسلو والتي ترغب بان نبقى ادوات بيدها لتحقق مشاريعها ومصالحها الخاصة ، وهنا الأمر والكارثة لم تقتصر على ما لهم من ادوات تتمثل بالجهااد الاسلاامي وحمااس انما حتى كتائب شهدااء الاقصى التابعه لفتح اصبحت تتلقى اموال من ايران وحززب الله ، وهنا فقد الشهيد ابوعمار سيطرته على الاحداث .
خرجنا من الانتفاضة محطمين بدون سلطة بقانون وسلاح واحد انما بسلطات تحت شعار مقاومة وبعدة جماعات مسلحة فوق القانون تحت شعار مقاومة ثم ، وقع انقلاب حمااس الانفصالي.
ومن هنا وجد الاحتلال ضالته ليبرر رفضه اعادة فتح الممر الآمن بين غزة والضفة والعودة لحرية الحركة والتجارة وفتح الموانئ والمطارات ، ووضع الاحتلال شرطه المنطقي امام دول العالم الداعمة لنا رغم عدم قانونيته ، بانه يريد سلطة واحدة بقانون واحد بسلاح واحد حتى يستطيع العمل معها والتوصل الى حل سياسي معها ينهي الاحتلال ويعيد الحقوق ، وهذا ما عجزنا عنه الى يومنا هذا .
 لذلك من واجبنا مراجعة انفسنا على ما اقترفناه تحت شعارات البطولة والانتفاضة والمقاومة ، ومن واجبنا اعادة تعريف مفهوم المقاومة ، فنحن لسنا بحاجة لمليشيات مسلحة فصائلية لا تمتلك قوة تحرير شبر من فلسطين ، انما بحاجة لتعزيز فكرة اننا كلنا شعب مقاوم نتحرك على قلب رجل واحد في الشدائد كما فعل شعبنا في القدس وفي الاغوار وفي الخان الاحمر وفي مسيرات العودة ، واننا اصحاب مقاومة دائمة ومستمرة بالتظاهر والاحتجاج وبالفن والعلم والثقافة والبناء والزراعة والتكافل والتضامن والتلاحم فيما بيننا ، بالإضافة لحقنا الدائم في استخدام كل الطرق المشروعة في مهاجمة جيش الاحتلال ومستوطنيه بشكل شعبي عام وشامل وليس بشكل احتكاري استثماري لصالح فصائل ومليشيات لا تمثل الا نفسها .
وعلينا ان نحافظ على هذا الحق ونحميه وتجسيده برعاية الأسير والجريح وتبني أسرة الشهيد ، على اعتبار اننا جميعاً سواسية على هذا الطريق طالما استمر الاحتلال والعدوان .
من واجب حكومتنا الفلسطينية مضاعفة جهودها في خلق فرص العمل الانتاجي لشبابنا فمن الصعب ان ننجح في قطع ايدي العابثين من الامارات وقطر وايران بدون ان نوفر لشبابنا البديل عن أموال العابثين ، وبنفس الوقت لا يمكن السماح لشبابنا وتبرير ارتباطهم وتبعيتهم لهؤلاء بذريعة الحاجة ، فالارتباط بجهة اجنبية لا يقل سوء عن الارتباط والعمالة للاحتلال ، وكيف عندما تكون تلك الجهات الاجنبية او بعضها يخدم الاحتلال ويتحالف معه بشكل اصبح معلن وواضح !

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت