- وسام زغبر
- كاتب صحفي فلسطيني/ قطاع غزة
■جرائم التهويد والأسرلة التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلية بحق مدينة القدس وضواحيها وكافة مناطق الضفة الفلسطينية لم تتوقف يوماً ما منذ نكسة حزيران (يونيو) 1967، وفي مقدمة الجرائم الإسرائيلية هي السيطرة على البلدة القديمة وصولاً لأحياء الشيخ جراح وسلوان والطور والتي تستهدف هدم نحو 20 ألف منزل وتهديد إقامة نحو 140 ألف مواطن بسحب هوياتهم المقدسية.
الهجمة الإسرائيلية الشرسة والقوانين العنصرية تتصاعد ضد القدس وأهلها وممتلكاتهم ولم تسلم المناهج الدراسية من تلك الهجمة، إضافة لإجبار عشرات العائلات الفلسطينية على إخلاء منازلها في سلوان والشيخ جراح بالقدس المحتلة بدعوى أن هذه الأراضي تعود ملكيتها ليهود قبل عام 1948، وتقييد الصلاة في مساجد وكنائس المدينة، ومحاصرتها بالمستوطنات وإغراقها بالسكان اليهود، لأسرلة المدينة وإفراغها من مضمونها الفلسطيني والعربي وتسهيل عزلها عن الضفة وضمها إلى دولة الاحتلال.
اليوم تستكمل سلطات الاحتلال جريمة الشيخ جراح المتواصلة منذ النكبة الفلسطينية في استهداف أكثر من 500 مقدسي يقطنون في 28 بيتاً مهددون بالطرد والإخلاء لصالح المستوطنين والجمعيات الاستيطانية في انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي الإنساني، والتي تعد استكمالاً لعمليات هدم وإخلاء بيوت المقدسيين واستمرار الحفريات وفرض الضرائب والتضييق على المصلين من الوصول للمسجد الأقصى وكنيسة القيامة، والتي تهدد الوجود الفلسطيني في القدس. وبالإشارة للجرائم بحق حي الشيخ جراح التي بدأت دولة الاحتلال أخطر فصولها في عام 1956 عندما سُلبت بطاقة التموين من سكانه اللاجئين مقايضة لوعد بقي مفتوحاً دون تنفيذ، ما يهدد وجود أهله التاريخي في جبهة القدس الشمالية الذين يخوضون معركة الثبات والصمود على الأرض الفلسطينية.
فمعارك المقدسيين كثيرة في وجه من يسن قوانين عنصرية للنيل من صمودهم واقتلاعهم وتهجيرهم من بيوتهم، في أحياء وشوارع وحارات القدس وعبرنتها، من الشيخ جراح وسلوان للعيساوية وصولاً للطور وبيت حنينا، إلى باب العامود وباب حطة وباب الأسباط وصولاً لحارة السعدية.. الخ.
فما يحدث في القدس وبحق أهلها الفلسطينيين جريمة بكل المقاييس والمعايير الدولية، فأهالي القدس لا يعولون على العرب والمسلمين والمجتمع الدولي بقدر ما يعولون على التحرك على المستويين الرسمي والشعبي في توحيد المرجعية الوطنية في القدس بخطة عمل تشكل جزءاً من البرنامج الوطني الفلسطيني الموحد، ودعمها بموازنات مالية فاعلة تستجيب لحاجاتها وتعزيز صمود المقدسيين ومؤسساتهم على اختلاف وظائفها وخاصة التعليمية والثقافية والاجتماعية وتدويل قضيتهم في المحافل الدولية.
اما التحرك شعبياً فما رأيناه في الأيام والأسابيع القليلة من مواجهات واشتباك يومي في باب العامود وباب حطة وباب الأسباط وحارات وشوارع القدس العتيقة يتطلب تشكيل القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية عملاً بمخرجات اجتماع الأمناء العامين، لإشعال فتيل الانتفاضة والمقاومة والمقاطعة ضد دولة الاحتلال الإسرائيلية، وفرض مشاركة المقدسيين في الانتخابات العامة بمراحلها الثلاثة تصويتاً وترشيحاً داخل مدينتهم، في عملية اشتباك كفاحية ضد الاحتلال. فبعض الدول العربية تكتفي ببيانات الشجب والتنديد وآخرين يلتزمون الصمت كأن الأمر لا يعنيهم، فيما المجتمع الدولي وخاصة الاتحاد الأوروبي يواصل التعبير عن القلق دون تحركات فعلية للجم الاحتلال وقطعان مستوطنيه، حتى وصل الأمر إلى فشله في الضغط على حكومة الاحتلال لإجراء الانتخابات الفلسطينة في القدس.
فما يجري في القدس وغيرها من المدن الفلسطينية يتطلب من القيادة الرسمية التعجيل في تقديم ملف الجرائم الإسرائيلية لمحكمة الجنايات الدولية كونها الملاذ الأخير للضحايا الفلسطينيين في وجه تهويد وأسرلة القدس التي تعد جرائم حرب بموجب القانون الدولي، وخاصة بعد أن سلمت دولة فلسطين ثلاث ملفات لمحكمة الجنايات وهي ملف النظام الاستعماري الاستيطاني والأسرى والحصار والعدوان على قطاع غزة، بما يفتح الباب نحو التحقيق بشكل رسمي في جرائم الحرب الإسرائيلية ويجعل عشرات المسؤولين السياسيين والعسكريين وحتى الجنود الإسرائيليين على قائمة الملاحقة القضائية.
إن الوقائع الميدانية الإسرائيلية على الأرض تتحرك في خطى متسارعة، في الميدان لقطع الطريق على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس وبحدود 4 حزيران 1967. فاستخفاف الاحتلال بالشعب والأرض والبيت الفلسطيني لن يغير من الواقع شيئاً سوى مزيد من الصمود والتحدي للشعب الفلسطيني في معركته المفتوحة وتسجيل مزيد من الانتصارات رغماً عن الاحتلال كما انتصر في معركة باب العامود والبوابات والكاميرات الإلكترونية وانتفاضة السكاكين وفي صموده بالخان الأحمر.. الخ.
ولم يتوقف العدوان الإسرائيلي على الأرض والبيت الفلسطيني في القدس والضفة، بل أنه يجبر الفلسطيني على إخلاء بيته وهدمه في دقائق معدودة أمام عينيه وعائلته، كما فعل مؤخراً في هدم بيت حارس المسجد الأقصى فادي عليان عندما خيّره الاحتلال بين حراسة الأقصى أو هدم بيته، وإجبار المواطن سيف عبد اللطيف من سلوان على هدم بيته ذاتياً. وبتعبير الشاعر محمود درويش: «بدقيقة واحدة، تنتهي حياة بيت كاملة (...) والبيوت تُقْتَل كما يُقْتَل سُكَّانها. وتُقْتَلُ ذاكرةُ الأشياء».
هذه هي معركة الشعب والوجود الفلسطيني، معركة الأرض والبيت الفلسطيني لمواجهة الاحتلال ومخططاته ومشاريعه، إلا أن القيادة الرسمية الفلسطينية غلّبت مصالحها الفئوية على المصالحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني واستمرت بالرهان على حلول بائسة على مفاوضات عبثية وفق شروط الرباعية الدولية والوساطة الأميركية بديلاً للمواجهة الشاملة في الميدان ضد الاحتلال والاستيطلن والضم، لن تجني لشعبنا سوى مزيد من الويلات والخسائر، والتي جعلت القضية الفلسطينية ليست على سلم أولويات الرئيس الأميركي بايدن ولا اهتمامات المجتمع الدولي.
فليس هناك متسعاً من الوقت، أمام الوقائع الميدانية التي تصنعها إسرائيل على الأرض وخاصة في ظل انشغال الفلسطينيين بين انعقاد الانتخابات وتأجيلها دون مخرج يضمن إنهاء الانقسام، لذلك بات مطلوباً من القيادة الرسمية التسريع بتطبيق قرارات المجلس الوطني في دورته الأخيرة عام 2018 والتي أكدت على ضرورة الخروج من اتفاق أوسلو بكافة التزاماته وقيوده واستحقاقاته، وتنفيذ نتائج اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية وفي مقدمها تشكيل القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية وإطلاق أسرع مقاومة شعبية بكل أشكال النضال بما يعزز الثقة بين الشعب وقيادته، ويدعم المواجهة الوطنية الشاملة وصولاً للعصيان الوطني لدحر الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس وإنجاز حق العودة وفق القرار الأممي 194 ■
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت