- بقلم : الدكتورة سعاد ياسين
- رئيس مركز الياسين للتدريب
يشير التاريخ الدستوري للأنظمة الديمقراطية النيابية، إلى أنّ الوظيفة الرقابية أسبق في نشأتها من الوظيفة التشريعية، ذلك أنّ البرلمانات قامت في أول عهدها للموافقة على الضرائب التي يحتاج إليها الحكّام، وتطور ذلك تدريجيًا إلى أن أصبح للبرلمان حقّ الرقابة الكاملة على الشؤون المالية للدولة.
وأما مدى الرقابة البرلمانية فلا خلاف بين الدستوريين على خضوع كافّة الأعمال الصادرة عن السلطة التنفيذية للرقابة البرلمانية، ولا محلّ للتمييز بين العمل السياسيّ والعمل الإداريّ؛ فالبرلمان يراقب السياسة العامّة للحكومة ويبحث مدى سلامة القرارات والإجراءات الوزارية المختلفة.
إنّ أهمية الرقابة البرلمانية تنبع من افتراض مؤداه: أن السلطة التشريعية تمثّل الشعب، وعليه فإنّ الرقابة البرلمانية تمثّل الثقل الشعبيّ للدولة تفويضًا ومحاسبة؛ لذلك فإنّ نقطة البدء في الإصلاح السياسيّ لأيّ دولة هي تفعيل الدور الرقابيّ للبرلمان، وبقدر جدّية هذا الدور يكون التطور الديمقراطيّ الذي تنعم به وتحققه الدولة.
وعلى ضوء ما سبق فإنه يُمكن القول: إنّ الرقابة البرلمانية للحكومة تعني سلطة فحص الأعمال التنفيذية؛ لمعرفة مدى سلامتها ومشروعية تنفيذها، وبخلاف ذلك تقديمها للمساءلة السياسية، وقد يكون المسؤول هو الحكومة بأسرها أو أحد وزرائها.
ولمّا كانت النُّظم البرلمانية تقوم على التعاون والتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، أصبح التوازن يكفله حقّ البرلمان في الاقتراع بطرح الثقة بالوزارة وتحريك المسؤولية السياسية للوزارة أمام البرلمان، وحقّ السلطة التنفيذية في حلّ البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، هذا يعني وجود اتصال بين هاتين السلطتين، وأهم مظاهره حقّ الوزراء في الدخول إلى البرلمان والاشتراك في جلساته ومناقشاته، وحقّ الحكومة في تقديم مشاريع القوانين إلى البرلمان، وحقّ دعوة البرلمان إلى الانعقاد أو تأجيله، وحقّ البرلمان في محاسبة الحكومة، من خلال المساءلة تحت قُبة البرلمان؛ فالسؤال بالنسبة للبرلمان يُعدّ وسيلة رقابية دستورية جدية لمراقبة الحكومة؛ لأنّه يتيح لعضو البرلمان الاستفسار عما غمض عليه من تدابير وإجراءات حكومية.
فمن الوسائل الرقابية التي أقرها الدستور في الأنظمة الديمقراطية حقّ السؤال وحقّ الاستجواب، بالإضافة لوسائل الرقابة المقننة في النظام الداخلي ّلمجلس النواب ومنها: حقّ الكلام، والمناقشة العامّة، والاقتراح.. إلخ.
ووضعت الحكومة شروطًا لمحاسبة الوزراء؛ حتى تُحفظ كرامتهم تحت قبّة البرلمان حيث لا يجوز أن يوجه السؤال إلّا من عضو واحد، ويجب أن يكون السؤال في أمر من الأمور ذات الأهمية العامّة، ولا يكون متعلقًا بمصلحة خاصّة، أو تكون له صفة شخصيّة.
كما أنّه طبقًا للأنظمة الدستورية ليس من حقّ المسئول رفع دعوى قضائية ضدّ عضو البرلمان الذي قام بسؤاله؛ لأنّ البرلمانيّ يتمتع بحصانة الشعب الذي اختاره وأيده، كما أنّ أية إجراءات جنائية تحرر ضدّ عضو البرلمان لا تتمّ إلّا بإذن سابق من المجلس.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت