الزمن ينتصر لفلسطين

بقلم: كريمة الروبي

كريمة الروبي
  • بقلم كريمة الروبي

كثيراً ما راهن العدو الصهيوني على عامل الزمن في تصفية الصراع العربي الصهيوني، وقد عبرت جولدا مائير عن هذا الرهان حين قالت عقب النكبة في 1948 أن الكبار يموتون والصغار ينسون، والأمر هنا لا يتعلق بالشعب الفلسطيني وحده بل بالشعب العربي كله، وحتى أيام قليلة مضت تخيل العدو أن رهانه على الزمن في محله، ولكن ما حدث هو أن الزمن لعب لصالح أصحاب الأرض والحق، فقد مات الكبار ولكن الصغار لم ينسوا بل إنهم رغم كل جهود العدو وعملائه في إخراج القضية من عقل ووجدان الشباب العربي عامة والفلسطيني خاصة وكل الحصار الذي تعانيه كل مقاومة للمحتل حتى ولو بالكلمة، فقد باءت جميعها بالفشل.

قاد الغرور العدو لتصور فكرة أنه يستطيع أن يقمع ويقتل ويسرق الأرض ويطرد الأهالي من بيوتهم دون أن يلقى مقاومة تردعه، فحاول طرد أهالي حي الشيخ جراح من منازلهم وراح يقتحم المسجد الأقصى وهو موقن بأن رد الفعل لن يزيد عن انتفاضة محدودة يمكن قمعها بتأييد من أصدقائه من الأنظمة العربية ومباركة المجتمع الدولي، وهو غرور له ما يبرره، فقد هرول الجميع نحو نيل رضاه والتطبيع معه وعقد اتفاقيات مشتركة هدفها تصفية القضية وحصار أي شكل من أشكال المقاومة، إلا أن هبّة أهل فلسطين في كل الأرض الفلسطينية سواء في القدس وحي الشيخ جراح أو الضفة وصواريخ غزة وانتفاضة الداخل المحتل من فلسطيني 48 و الشتات قد تسببت في صدمة كبيرة ليس للعدو وحده بل لحلفائه وداعميه، ولا ننكر أننا قد تفاجأنا أيضاً بتلك الهبّة العظيمة، فكانت كبرى المفاجآت هي انتفاضة الداخل المحتل، والتي أكدت أن مرور الزمن وظهور أجيال جديدة لم ترى النكبة لم يغير من هوية الشعب الفلسطيني في الداخل.

نعم لم ينسى الصغار، بل ظلت القضية تكبر يوماً بعد يوم في وجدانهم رغم خذلان الجميع، ورغم عقود من اتفاقيات الاستسلام بداية من كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو وليس نهاية باتفاقية أبراهام، تصور الجميع أن فلسطينيي الداخل قد تأسرلوا تماماً، فهم يحملون الهوية الإسرائيلية ويتعلمون باللغة العبرية في مدارس العدو ويُعالجون في مشافيهم وحاول العدو بكل الطرق أن يحوّلهم إلى مواطنين إسرائيليين، وحين تخيل الجميع أن العدو نجح في مساعيه، انتفض الداخل انتفاضة هزت كل الثوابت التي اعتقدنا أنها راسخة، فلم يخضع الفلسطيني لمحاولات أسرلته، بل انتفض ليطالب بالأرض، كل الأرض من البحر إلى النهر، ففي الوقت الذي كان العدو الصهيوني يخطط لابتلاع كل فلسطين وظن الجميع ان القضية الفلسطينية قد انحسرت في المطالبة بالعودة لحدود 67 ، أيقظت انتفاضة فلسطينيي 48 العدو من أوهامه وأشعلت مرة أخرى شرارة المطالبة بالحق في الأرض بالكامل، أراد العدو بغطرسته أن يضم المزيد من الأراضي ففتح على نفسه أبواب الجحيم، عادت القضية من جديد لصوابها، وعاد الصراع مجدداً لدى الملايين من الشعب العربي إلى صراع وجود لا صراع حدود.

أما بالنسبة للمواطن (الإسرائيلي) فهو الذي ينطبق عليه مقولة جولدا مائير، فقد مات الكبار الذين كانوا يحلمون بكيان يضم يهود العالم في أرض الميعاد وخططوا وحققوا جزءاً كبيراً من حلمهم، وجاء بعد سبعة عقود جيلاً أقل حماسة وشراسة من الأجيال المؤسسة للكيان، فمجرد سقوط صورايخ المقاومة فوق رؤوسهم سيجعلهم يحملون حقائبهم ويرحلون، فقد تم إيهامهم بأن "إسرائيل" واحة الديمقراطية والأمان، ولكن ما حدث هو أنهم اكتشفوا أنه لا امان هنا وعليهم الرحيل إلى بلدانهم الأصلية ليعيشوا بأمان.

إن الرهان على عامل الزمن لنسيان قضية حق هو رهان خاسر، فلم يقف الزمن يوماً مع مغتصبي الحقوق، بل دائماً ما يعود الحق لأصحابه ولو بعد قرون.. وستعود فلسطين كاملة ولو بعد حين، وقد بدأ العد التنازلي لزوال الكيان بعد أن أدركت الجماهير العربية ضعفه وإمكانية هزيمته وأصبح حلمها هو زواله بالكامل.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت