عزا خبراء فلسطينيون ومصريون، نجاح الوساطة المصرية في التوصل لاتفاق بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة لوقف إطلاق النار بين الطرفين إلى ثقة الجانب الفلسطيني في مصر، وعلاقات القاهرة القوية مع تل أبيب، فضلا عن الضغط الأمريكي والدولي على الأخيرة، والوضع الميداني الذي ساهم كثيرا في إنجاز الاتفاق.
وأعلنت القاهرة، مساء الخميس الماضي التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار "متبادل ومتزامن" و "برعاية مصرية" في غزة، ودخل الاتفاق حيز التنفيذ اعتبارا من الساعة الثانية فجر الجمعة بتوقيت فلسطين.
وعقب ساعات من سريان الاتفاق، أوفدت مصر وفدين أمنيين إلى الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، لمتابعة إجراءات تنفيذ الاتفاق، وتثبيت وقف إطلاق النار.
ثم أرسلت القاهرة، وفدا آخر اليوم (الأحد) إلى غزة للمرة الثانية منذ بدء تنفيذ الاتفاق.
وجاء الإعلان عن الاتفاق بعد مباحثات هاتفية بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره الأمريكي جو بايدن، لاحتواء موجة التصعيد التي اندلعت في العاشر من مايو الجاري، والتي أسفرت عن استشهاد 248 فلسطينيا بينهم 66 طفلا و39 امرأة و17 مسنا وأصيب 1900 آخرون، في مقابل مقتل 12 شخصا في إسرائيل بينهم طفلان وإصابة أكثر من 300 آخرين، بحسب إحصائيات رسمية.
وفي هذا الصدد، قال السفير الفلسطيني الأسبق في القاهرة بركات الفرا، إن "مصر لعبت الدور الأساسي بلا منازع في وقف إطلاق النار وإعادة التهدئة في قطاع غزة".
وأضاف الفرا، وهو أيضا رئيس جمعية الصداقة المصرية الفلسطينية، لوكالة أنباء (شينخوا)، أن سبب نجاح الوساطة المصرية يرجع إلى "أولا: الثقة المطلقة من الجانب الفلسطيني في مصر، التي تعد الدولة الأساسية في الشرق الأوسط، وتقود الوطن العربي".
وتابع "ثانيا: علاقة مصر مع إسرائيل منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام، كما تملك القاهرة وسائل الاتصال مع الجانب الإسرائيلي، والقدرة على وقف الحرب، وكوادر قوية مؤهلة على لعب هذه الأدوار".
وأشار إلى الضغوط الدولية التي مورست على إسرائيل، والتي وضعت الولايات المتحدة في موقف محرج جدا.
وعرقلت الولايات المتحدة الأمريكية، جهود مجلس الأمن الدولي أكثر من مرة ورفضت إصداره بيان يدعو لوقف الحرب.
وأردفت الفرا، أن إسرائيل قبلت وقف إطلاق النار أيضا بسبب فشل العملية العسكرية التي شنتها في غزة، بدليل لجوء قواتها إلى ضرب الأبراج السكنية في القطاع.
وعبر عن سعادته إزاء مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي برصد 500 مليون دولار لإعادة ما دمرته الحرب الإسرائيلية في غزة، وقرار مصر إرسال مساعدات إنسانية تقدر بحوالي 2500 طن للقطاع الفلسطيني.
وتوقع نجاح مبادرة مصر في إعادة إعمار قطاع عزة، مشيرا إلى أن دول العالم سوف تقف بجانب مصر لإنجاح هذه المبادرة، خاصة أن الجميع يثق في الدولة المصرية.
كما توقع أن تشهد المرحلة المقبلة دورا أساسيا وفعالا للدولة المصرية في إعادة المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
من جانبه، قال الخبير العسكري اللواء متقاعد سمير فرج إن "تعامل مصر مع أزمة غزة أكثر من رائع، حيث قامت منذ بداية الأزمة بإرسال وفد أمني للجانبين من أجل عملية التهدئة".
وأضاف فرج، وهو مدير إدارة الشؤون المعنوية الأسبق بوزارة الدفاع المصرية، في تصريح لـ (شينخوا)، أن "اتصالات مصر مع الجانب الفلسطيني والإسرائيلي لم تنقطع منذ بداية الأزمة حتى نجحت أخيرا الجهود المصرية في الوصول إلى تهدئة"، مشيرا إلى اتصال الرئيس الأمريكي جو بايدن بنظيره المصري عبدالفتاح السيسي، وتهنئته على دور مصر الحاسم في الأزمة.
وأوضح أن مصر لم تكتف بجهود التوصل إلى تهدئة، بل قامت بفتح معبر رفح لاستقبال المصابين من غزة، وإرسال قوافل إغاثة تشمل الاحتياجات الإنسانية من الطعام والوقود والأدوية إلى القطاع، وتوقع أن تعقد مصر خلال الشهر القادم مؤتمرا لإعادة إعمار غزة.
وشدد على أن كل هذه الخطوات تؤكد أن "مصر أخذت مكانتها الطبيعية في المنطقة كقوة فعالة في الشرق الأوسط".
وأرجع نجاح الوساطة المصرية إلى "علاقات مصر القوية مع جميع الدول، وما لديها من خبرات واسعة على مستوى (أجهزة) المخابرات والخارجية" للوساطة في حال حدوث أزمات.
وأشار إلى أن إسرائيل وافقت أيضا على وقف إطلاق النار بعد أن حققت معظم الأهداف التي تريدها في غزة.
إلا أنه عاد موضحا أن وصول صواريخ الفصائل الفلسطينية إلى تل أبيب أثار ذعر المواطن الإسرائيلي، وكان سببا في دفع إسرائيل للموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار، فضلا عن الضغط الأمريكي والدولي على الدولة العبرية لإنجاح هذا الاتفاق.
وختم أن "نجاح مصر في حل الأزمة يعزز دورها الإقليمي، ويؤكد التزام مصر تجاه القضية الفلسطينية، خاصة أن قطاع غزة يعتبر اتجاه استراتيجي" للدولة المصرية.
وشاطره الرأي الدكتور محمد صادق اسماعيل مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، بقوله إن تعامل الدولة المصرية منذ بداية الأزمة كان جيد جدا.
وقال اسماعيل لـ(شينخوا)، إن "نجاح مصر في وقف إطلاق النار بدون شك يعزز دورها الإقليمي، ورأينا الإشادة الدولية بمصر لنجاحها في وقف إطلاق النار سواء من خلال أمريكا أو أعضاء اللجنة الرباعية الدولية".
ورأى أن "اكتمال الجهد المصري من خلال تقديم 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة يعبر عن الموقف المصري الداعم باستمرار للقضية الفلسطينية، باعتبارها قضية العرب الأولى".