فلسفة الإنتصار ترسمها وحدة القرار

بقلم: سامي الأخرس

سامي محمد الأخرس
  • د. سامي محمد الأخرس

لا شك إننا بعد كل معركة مع الإحتلال نخرج منتصرين وهذا حق وليس إدعاء لأننا نقاوم عدو بترسانة هي الأكبر في المنطقة على المستوى العسكري، اضف إلى الدعم السياسي الكبير الذي يجده من كبار قوى العالم الذي اباح له تهجير واقتلاع شعب من جذوره وفرض عليه الشتات واللجوء في الأرض، ووسط إلتصاق لبعض الدول العربية اللاهثة للتطبيع وتنفيذ المخطط الأكبر لطمس القضية الفلسطينية والإلتفاف على حقوقها وحقوق شعبها بحقه بدولة مستقلة وكيان كباقي شعوب العالم. الثورة الفلسطينية ومنذ بواكير تفجرها عام 1964 خاضت العشرات من المعارك والمواجهات المباشرة وغير المباشرة مع هذا العدو، وأبلت قواها الثورية بلاء لا نظير له على مستوى كل الجبهات السياسية والعسكرية والثقافية والإجتماعية، ووحدة الجهد الفلسطيني المختلف والمتباين سياسيًا وايديولوجيًا في بوتقة ثورية أجبرت العالم أجمع على الوقوف لها خضوعًا واحترامًا ألا وهي منظمة التحرير الفلسطينية التي حاول الكثير من دول العالم بما بها دول عربية أن تقفز عنها وتنكر وجودها إلا أن شلال الثورة والشهداء والمعارك التي خاضتها فرض ايقونة ثورية على مستوى العالم والأسرة الدولية وأصبحت الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
فقد خاض شعبنا وقواه الحية حروبًا دامية ومعارك بطولية ومواجهات دامية مع العدو الصهيوني ومع الكثير من القوى الحليفة له والرجعية التي كانت تقف في وجه الثورة ومقاتليها وقواها سواء بالإعتقال أو المذابح أو الملاحقة أو التضييق سياسيًا وعسكريًا وماليًا أو عبر مليشيات وإدعاءات باطلة، إلا إنها انتصرت على كل ما واجهته بوحدة صفها وموقفها السياسي الثابت من العدو الصهيوني وحق الشعب الفلسطيني، وتحول جسدها الشرعي إلى كيان لديه عشرات بل مئات الممثليات الخارجية والدولية، وأصبح الصوت الفلسطيني يصدح في كل أرجاء المعمورة في مواجهة محتدمة على كل الجبهات حتى أصبح المقاتل الفلسطيني ملاحق بكل أرجاء المعمورة، سواء المقاتل أو المثقف أو الثائر السياسي أو السفير...إلخ.
فقد خاضت قوى م ت ف معاركها بدءً من الكرامة في الأردن إلى حرب الأردن إلى حروب ومواجهات جنوب لبنان، وكذلك مواجهتها مع قوى المليشيا اللبنانية ثابتة وموحدة الصف للدفاع عن وجودها وثباتها وحقها، كما استطاعت أن تتحدى العالم في حربها العنيفة التي شنتها في السماء ضد طائرات العدو وحلفاؤه بعمليات الخطف وأعلنت ليلى خالد جمهورية فلسطين من السماء كما أعلنت دلال المغربي جمهورية فلسطين من البحر، وخالد أكر جمهورية فلسطين بطائرته الشراعية، وعمر القاسم جمهورية فلسطين بعمليته البطولية، واستطاعت قوى الثورة الفلسطينية أن تقتحم مطارات العدو وشواطئه وموانئه وسمائه دون أن تستطيع قوته العسكرية والإستخباراتية أن تفعل إلا العجز أمام صلابة المقاتل الثوري الفلسطيني.
 أجيال تلو أجيال تشاهد أصل الحكاية الفلسطينية، واصل الرواية الغسانية والدرويشية وأصل ريشة ناجي العلي (حنظلة) دون أن تنحدر معارك الثورة الفلسطينية إلى أسفل الدرك الإجتماعي والإختلاف السياسي لمستويات التخوين والتقزيم، بل كان الكل يختلف ويتباين في حدود نطاق الاختلافات الأيدولوجية والسياسية وبدوائر المصلحة الوطنية العليا الفلسطينية دون أن تستطيع قوة اقليمية أو دولية أن تفرض إرادة ما على الصوت الفلسطيني م ت ف، وقواها الثورية التي كانت تصول وتجول في ارجاء المعمورة بصوت الثائر الذيي يقفز عن صهوته إختلافاته وينضم لمضمار التنافس الثوري الفلسطيني صوب فلسطين.
هذه هي التربية التي كان النشء الفلسطيني يتلقنها من واقعه الثوري وهذه هي فلسفة الإنتصار التي تتلو العملية العسكرية أي كانت وأي كان أهدافها لأن البندقية الصادقة لا تسطر إنتصار وحيدة بل إنها تمهد للإنتصار الذي يرسمه الساسة فيما بعد المعركة وفق فرض ظروف ناضجة وأرض صلبة للمفاوض.
 الإختلاف في التوجهات ظاهرة صحية، والإختلاف في الواقع السياسي ظاهرة صحية ولكن الإختلاف الذي يؤدي إلى تقزيم المشهد وتشويه الصورة الفاعلة للمقاتل الذي يتخندق خلف إيمانه التحرري لا يمثل إلا صورة لأولئك الذين يختبؤون بالمعارك ومن ثم يظهرون لتشويه صورة المقاتل المنتصر باجندات خاصة تمرر بخباثة المتآمرين ودهاء المعادين لشعبنا خاصة في ظل هذا التطور من كي الوعي الذي تفرضة ثورة التكنولوجيا والإتصالات ومواقع التواصل الإجتماعي والثورة الإعلامية الرقمية.
ومع تواصل الحالة الثورية التي تمثلها اليوم بعض القوى الإسلامية وبشراكة كاملة مع القوى الوطنية وإستمرار المعارك الفلسطينية مع العدو الصهيوني وما تسطره المقاومة الفلسطينية، يظهر لنا على السطح بعد كل معركة ثلاث اتجاهات:
الأول: المقاتل الذي يخوض المعركة ويقودها وهو المقاتل الذي يجد سندًا شعبيًا فلسطينيًا بكل الأوقات وبكل المعارك، يخوض معركته ومن ثم يبدأ للإعداد لجولة أخرى من المعركة مع عدو لا يؤمن إلا بالقوة.
الثاني: السياسي الذي يحاول استثمار هذه المعركة وإعادة بناء الحالة الفلسطينية وفق تطورات المشهد الفلسطيني الذي فرض بعد عام 1994، بقدر ايمانياته السياسية وبقدر قدراته على التوافق مع الإختلافات السياسية والتباينات الأيديولوجية في خارطة الفعل السياسي.
الثالث: الصوت الذي يختبئ وسط المعارك وينزوي لحين إنتهاء المعركة ثم يخرج لبث سمومه وشق الصفوف مستترًا خلف شعارات مقاومة أو غير مقاومة، وهذا النوع هو الخنجر المسموم المغروس بخاصرة وصدر شعبنا الفلسطيني والثورة الفلسطينية وقوى المقاومة، حيث إنه يرتدي أقنعة تتلون كالحرباء وفق الحالة والمشهد استغلالًا للمزاج الفلسطيني في عملية كي الوعي التي تمارس وفق ما تتطلبه مصالح العدو الصهيوني وأهدافه.
 إن المشهد الفلسطيني الذي فرضته معركة القدس الأخيرة مشهد تكاملي حقق كل الأهداف الممكنة في وقت قصير وأهمها توحيد الهوية الفلسطينية، وإعادة المشهد الحي لكل فلسطين التاريخية، حيث تكاملت العملية القتالية سواء عسكريًا أو شعبيًا بمشهد انتصاري عندما انصهر الدم الفلسطيني في غزة مع القدس مع الداخل الفلسطيني 1948 مع الدم في الأردن مع لبنان، محققًا انتصارًا كبيرًا في وجه الآله الصهيونية العسكرية والسياسية والإعلامية، لينتقل بالقضية الفلسطينية في فضائها الأوسع الذي حاول البعض خنقه وخنق مساحاته الفضائية السياسية، لذلك كان لابد من كسر هذا الإنتصار والإلتفاف عليه وإعادة الأمور للمشهد السابق منذ عام 2007 أو عام 1994 عبر نشر هذه الأصوات الشاذة لتعكير صفاء الإنتصار الفاعل للمقاومة الفلسطينية ولإرادة المقاتل الفلسطيني، والشعب الفلسطيني ، إلا أن الوعي الجمعي للمثقف الفلسطيني الوحدوي والمناضل تخوض معركتها الأهم وهي التصدي لهؤلاء الذين فرضتهم وسائل الإعلام المتصهينة والمتآمرة على شعبنا وقضيتنا. ففلسفة الإنتصار هي الفلسفة الوحدوية التي تتجلى في أبهى صورها خلف إرادة المقاتل المقاوم، والإنصهار في معركة الإرادة الفلسطينية والحقوق الوطنية الفلسطينية التي لن تتحقق أو تكتمل إلا بوحدة الصورة ووحدة المشهد.
د. سامي محمد الأخرس 22 مايو 2021

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت