انتصاران واستحقاق

بقلم: رامز مصطفى

رامز مصطفى
  • رامز مصطفى كاتب سياسي

 انتصاران واستحقاق يصبان في صالح محور المقاومة ، الذي استعاد حضوره وزخمه ، بعد أن سعت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وأدواتها الوظيفية إلى إنهاكه وصولاً إلى القضاء عليه . فتصريحات الوزيرة الأمريكية كوناليزا رايس لا زالت ماثلة أمامنا خلال العدوان الصهيوني على لبنان في تموز 2006 ، عندما قالت وبكل وضوح ، أنّ ما يشهده لبنان هو مخاض لشرق أوسط جديد .
 تصريحات رايس آنذاك كانت واضحة . الشرق الأوسط الذي تسعى إليه إدارتها بالشراكة مع كيانها الغاصب في فلسطين ، شرق أوسط من دون منغصات أو معترضات وممانعات للمشروع الصهيو أمريكي . وبالتالي كسر تلك التحولات الإستراتيجية التي تحققت بفعل انتصار المقاومة في لبنان بقيادة حزب الله على العدو الصهيوني في 25 أيار 2000 ، الذي نحيي ذكراه العظيم بعد مرور 21 عاماً عليه .
وتمّ التأكيد على تلك التحولات الإستراتيجية في المنطقة عموماً والقضية الفلسطينية ومقاومتها على وجه الخصوص ، في انتصار المقاومة في لبنان العام 2006 . الترجمة العملية لما أطلقته رايس يومها ، جاءت عبر ما سمي ب" الربيع العربي " ، الهادف إلى تدمير دول وطنية بعينها ، ودفع أبنائها إلى الاحتراب .
وكانت سورية في القلب من بين هذه الدول المستهدفة ، لما تمثله من موقع جيو سياسي إستراتيجي في محور الممانعة والمقاومة في المنطقة ، على أمل أن يشكل تدميرها وإسقاطها ، المدخل باتجاه الوصول لبقية أطراف المحور ، في إيران ولبنان وفلسطين والعراق ، واليمن الذي شنت عليه ولا زالت حرباً من قبل تحالف تقوده السعودية ، لذات تلك الأهداف .
تمكن محور المقاومة من إسقاط هدف ذاك الربيع الأسود ، ومنع أطرافه الدولية والإقليمية والعربية من تحقيق الإطاحة بالدولة الوطنية السورية التي صمدت وواجهت ببسالة . الأمر الذي مكّن المحور من تحقيق انتصارات على معظم الجغرافية السورية ، حيث شكلت فاتحة لآفاق جديدة لهذا المحور في استعادة ذاك الحضور والزخم ، الذي أربك الإدارة الأمريكية وحلفائها وأدواتها ، ووضعها أمام حقيقة أنّ هذا المحور لا يمكن إسقاطه ، وبالتالي لا يمكن أن يكون الكيان الصهيوني جزءاً أصيلاً من منظومة إقليمية ، أُريد لهذا الكيان أن يكون فاعلاً ومقرراً في شؤونها ، بل وقائداً لتلك المنظومة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالإدارة الأمريكية .
التحولات التي أحدثتها انتصارات العامين 2000 و 2006 ، ومن ثمّ ما تحقق على امتداد الجغرافية السورية من دحرٍ لمشروع إسقاط سورية ، مدخلاً لإسقاط المنطقة ومحور المقاومة فيها ، كانت لها انعكاساتها المباشرة على القضية الفلسطينية لجهة حمايتها مما تعرضت إليه من محاولات محمومة بهدف تصفيتها . و" صفقة القرن " ، ليست إلاّ محاولة من تلك المحاولات ، ولكنها الأكثر وضوحاً في كشف النوايا والأهداف الحقيقية التي وقفت وراء تلك الصفقة ذات النكهة والرائحة العفنة والكريهة للكيان الصهيوني والمطبعين معه ، والعاقدين معه اتفاقات أبراهام المشبوهة .
وبالتالي كانت لتلك التحولات تأثيرها المباشر على المقاومة الفلسطينية ، وتحديداً في قطاع غزة ، التي شُنت في مواجهة قوى المقاومة حروب أربعة منذ العام 2008 – 2009 ، مروراً بالعامين 2012 و 2014 ، وصولاً للعدوان الصهيوني الأخير في أيار من العام الجاري 2021 ، وتمكنت المقاومة من إلحاق الهزيمة بالكيان وآلة قتله العسكرية ، بالمعنى السياسي والعسكري والأمني وحتى الأخلاقي والنفسي .
صحيح أنّ المقاومة الفلسطينية في حروب 2008 – 2009 و 2012 و2014 قد انتصرت ، ولكن انتصار قوى المقاومة في المواجهة الأخيرة ( سيف القدس ) ، كان مختلفاً وهاماً ومثلّ تحولاً إسترتيجياً ، لأسباب خمسة ، أولها ، أنّ المواجهة هذه المرة كانت دفاعاً عن القدس وبعنوانها العريض .
وبالتالي شكلت مفاجئتة للكيان وقادته في قدرة المقاومة على التحرك عسكريا . وثانيها ، أنها وحدت الشعب الفلسطيني على امتداد جغرافية فلسطين المحتلة ، في المناطق المحتلة عام 1948 ، والضفة الغربية بما فيها القدس ، وقطاع غزة . وثالثها ، أنّ المواجهة قد أعادت للقضية الفلسطينية عالميتها وألقها ، كقضية شعب طُرِد واقتلع من أرضه . ورابعها ، مشاهد التضامن والمناصرة والإسناد التي عمت الكثير الكثير من دول العالم بما فيها تلك الدول التي تناصب القضية الفلسطينية العداء ، وتؤيد الكيان وتحابيه وتحميه من المساءلة القانونية والأخلاقية عما يرتكبه من جرائم بحق الشعب الفلسطيني . وخامسها ، عرت المطبعين وأسقطت صفقة قرنهم ، وفرضت وقائع في ميدان المواجهة " إن عدتم عدنا ، وإن زدتم زدنا " .
 مع تحقيق هذين الانتصارين الإسنراتيجيين ، يأتي الاستحقاق الدستوري لانتخابات الرئاسة السورية ، مكملاً لهما ، لما يحمله من دلالات ، أولاً ، التأكيد على تعافي سورية ، رغم ما عانته ولا زالت من حرب عسكرية واقتصادية ظالمة ، والإقتراب كثيراً من تحقيق انتصارها .
ثانياً ، القول أنّ محاولة التشكيك بشرعية تلك الانتخابات ، يدحضه ذاك الالتفاف الواسع للشعب السوري حول جيشه وقيادته ورئيسه .
 والحديث عن الشرعيات من قبل هذه الدول التي عملت على تدمير سورية ، لا معنى له لأنها تنطلق من خلفيات عدائية مبيتة .
 ثالثاً ، هذا الاستحقاق تأكيد على مواقف سورية في بعديها الوطني والقومي ، وتحديداً ما يتصل بقضايا الأمة وقضيتها المركزية فلسطين ومقاومة شعبها . وما الاستقبال الحار والدافئ الذي خصه الرئيس بشار الأسد لقيادات الفصائل الفلسطينية ، خلال المواجهة الأخيرة بين المقاومة والكيان الصهيوني ، وقوله لهم : - انقلوا تحياتي لكل المقاومين من كل الفصائل ، ونحن معكم وإلى جانبكم . هذا الاستقبال وهذه الحفاوة وحرارة اللقاء ، هي الرسالة الأبلغ ، أنّ سورية كانت وستبقى مع فلسطين ، على الرغم مما دفعته ولا زالت من أثمان نتيجة لمواقفها الوطنية والقومية .
رابعاً ، من تابع هذا الإقبال الكثيف للمواطنين السوريين في دول الاغتراب ، ما هو إلاّ الدليل على صدق الانتماء الوطني لسورية ، والتفافهم حول دولتهم وجيشهم وقيادتهم ورئيسهم . وما محاولات البعض الدولي والإقليمي من منع السوريين على عدم الذهاب إلى سفاراتهم ، جاءت من خلفية أنهم كارهون لسورية ومواقفها ، وبالتالي حتى لا يكشف زيف ادعاءتهم ، أن الرئيس الأسد لا يحظى بتأييد شعبه .
خامساً ، التأكيد أنّ هذا الاستحقاق ، هو استفتاء على مرحلة وخيار ، وعلى من يقود هذه المرحلة وهذا الخيار .
سادساً ، الدعوة السورية للعديد من برلمانات الدول الحضور لمتابعة سير العملية الانتخابية الرئاسية ، إنما أتت من خلفية الثقة والقدرة والاقتدار ، أنّ سورية وقيادتها حريصة كل الحرص على نزاهة إنجاز الاستحقاق وفق معايير ديمقراطية لطالما شككت بنزاهتها تلك الدول التي تأمرت على سورية .
الانتصارين في كل من لبنان وفلسطين ، مع إنجاز الاستحقاق الدستوري لانتخابات الرئاسة السورية وما ستخلص إليه من نتائج ، إنما يمثل في هذه المرحلة التعبير الأبلغ للدور المحوري المتصاعد لمحور المقاومة في المنطقة ، الممتد من إيران إلى العراق وسورية ، إلى لبنان وفلسطين وحتى اليمن .
 فمن يتابع التطورات المتصلة بتراجع نبرة الخطاب السياسي ولغة التليين التي تبديها العديد من دول تحالف " الربيع العربي الأسود " بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، التي تعمل اليوم على المُسارعة للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني . إنما يتأكد للقاصي والداني أنّ هذا المحور يتقدم باقتدار ، في مقابل تراجع متسارع للكيان الصهيوني الذي لطالما صوّره الفاقدين لإرادتهم السياسية ومناعتهم الوطنية أنّه الكيان الأقوى في المنطقة .
رامز مصطفى كاتب سياسي

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت