تحليل التهدئة في غزة تسلط الضوء من جديد على دور مصر الإقليمي

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي 1

كانت التحركات التي قامت بها مصر من أجل التوسط في هدنة في قطاع غزة هذا الشهر سببا في الدفع بها إلى دائرة الأضواء على الصعيد الدبلوماسي، مما حدا بواشنطن إلى استئناف تعاونها مع القاهرة على أعلى المستويات، وألقى بظلاله على تحركات عدة دول عربية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وبسبب هذه الجهود تحقق للقاهرة التسليم بأهمية دورها في وقت كانت تسعى فيها جاهدة لمد الجسور مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وسط خلافات حول حقوق الإنسان، وكذلك لإحراز تقدم في أهم أهداف سياستها الخارجية وهو التوصل لاتفاق لتشغيل سد النهضة الإثيوبي الذي تراه مصر تهديدا رئيسيا لإمداداتها من مياه النيل.

ورغم أن القاهرة توسطت خلال جولات العنف السابقة بين إسرائيل والفلسطينيين من خلال علاقاتها مع الجانبين، يقول محللون ودبلوماسيون إن جهودها كانت أكثر وضوحا وبروزا مما كانت عليه في السنوات الماضية.

ومع صمود التهدئة التي بدأت قبل أسبوع بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) التي تسيطر على غزة، قامت وفود أمنية مصرية بجولات مكوكية بين تل أبيب والأراضي الفلسطينية.

وقالت مصادر أمنية مصرية إنه من المقرر أن تبدأ شخصيات فلسطينية، من بينها زعيم حماس إسماعيل هنية، زيارات إلى القاهرة الأسبوع المقبل لتعزيز التهدئة.

وقال مسؤول في حماس لرويترز "كانت هناك جهود أكثر نشاطا من جانب مصر والرئيس (عبد الفتاح) السيسي. كان ذلك واضحا طوال الحرب التي دامت 11 يوما".

وعلى الرغم من أن جذور حماس تمتد إلى جماعة الإخوان المسلمين، المحظورة والتي تستهدفها حملة قمع شديدة في مصر، فإن للقاهرة علاقات استخباراتية راسخة مع الحركة.

وقال دبلوماسي إنه بسبب الأهمية التي توليها مصر للأمن على الحدود بين شبه جزيرة سيناء وغزة، فإنها "براجماتية للغاية" في تعاملها مع الفصيل الفلسطيني.

*اتفاقات أبراهام

لعبت دول عربية أخرى دورا أكثر محدودية، من بينها الأردن الذي تربطه مثل مصر معاهدة سلام قائمة منذ عقود مع إسرائيل وله حدود مع الأراضي الفلسطينية، وقطر التي تقدم دعما ماليا لقطاع غزة.

ومنها أيضا الإمارات التي دعت لخفض التصعيد وكانت الأبرز بين الدول العربية الأربع التي أعلنت تطبيع العلاقات مع إسرائيل العام الماضي في إطار اتفاقات أبراهام التي تمت برعاية إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

وأثارت تلك الاتفاقات تكهنات بشأن خفوت النفوذ الإقليمي لمصر لكن محللين قالوا إن العنف الذي نشب هذا الشهر وضع الدول التي وقعت على اتفاقات التطبيع، وهي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، في موقف حرج مع تنامي التعاطف العربي مع الفلسطينيين.

وقالت كريستين سميث ديوان وهي باحثة بارزة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن "الانزلاق الأخير صوب صراع مفتوح في القدس وغزة سلط الضوء على محدودية السيطرة التي لدى دول الخليج الموقعة (على اتفاقات أبراهام) على تصرفات إسرائيل".

وأحجمت وزارة الخارجية الإماراتية عن قول ما إذا كان مسؤولون إماراتيون قد تواصلوا مع إسرائيل لمحاولة التهدئة خلال أحداث العنف الأخيرة.

وقال سفير الإمارات لدى واشنطن يوسف العتيبة الشهر الماضي إن من الممكن التعامل مع إسرائيل وفي الوقت ذاته التحدث معها بحزم بشأن القضية الفلسطينية.

ورد السفير الإسرائيلي لدى الإمارات إيتان نائيه على الصحفيين يوم الأربعاء لدى سؤاله عما إذا كانت إسرائيل تعتبر الإمارات شريكة في مساعي خفض التوتر مع الفلسطينيين بالقول إن من السابق لأوانه الحكم على ذلك وأضاف أن الإمارات بمقدورها أن تشجع على تبني الاعتدال في المنطقة.

* إدارة صراع

بالنسبة لمصر التي حظيت بعلاقة طيبة مع ترامب كان أحد إنجازات السعي من أجل وقف إطلاق النار هو استئناف الاتصال فجأة مع البيت الأبيض.

فيعد صمت مطبق استمر منذ تنصيب بايدن في يناير كانون الثاني تحدث الرئيس الأمريكي مرتين مع السيسي خلال خمسة أيام.

لكن محللين يقولون إن استئناف التواصل بين الولايات المتحدة ومصر حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سيكون محدودا بالعجز الحالي في أفق عملية السلام.

قال نبيل فهمي وزير الخارجية المصري السابق "هذا الوضع هو في الغالب إدارة للصراع أكثر منه حل للصراع".

وأضاف "كان اتصالنا (في السابق) يتعلق بقضايا عملية السلام فضلا عن قضايا الأمن في غزة عندما تنفجر الأوضاع. في الوقت الحالي لا توجد قضايا تتعلق بعملية سلام جادة".

كما تتعرض مصر، التي تتلقى نحو 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية أمريكية سنويا، لانتقادات حادة من جانب الديمقراطيين الأمريكيين بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان. وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بعد زيارته للقاهرة الأسبوع الماضي إن قضية حقوق الإنسان ستظل "مطروحة بقوة على جدول الأعمال".

قالت حفصة حلاوة الباحثة غير المقيمة بمعهد الشرق الأوسط إن مصر تعلمت كيف تتخطى العثرات في علاقاتها مع واشنطن، وبعد أن أثبتت دورها في موضوع غزة فإنها كسبت مساحة تتيح لها التقاط الأنفاس فيما يتعلق بسجل حقوق الانسان.

وأضافت "مصر أصبحت فاعلا يتحلى بالصبر في مجال السياسة الخارجية، وهذا ينبع من اعتقاد راسخ في قلب المؤسسة أن مصر أكبر من أن تفشل". وهو مفهوم ترى مصر أن الولايات المتحدة وحلفاء آخرين يدركونه جيدا.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - رويترز